مانشستر سيتي.. تجربة عربية ملهمة في ملاعب العالم
كيف تحولت التجربة الاستثمارية التي رسمها نادي مانشستر سيتي إلى تجربة ملهمة للمستثمرين العرب في ملاعب العالم؟
"12 عاما من الإنجازات"، عبارة تلخص الفترة التي استحوذت فيها مجموعة أبوظبي للتنمية والاستثمار على نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، منذ انتقال ملكيته إليها في عام 2008 وحتى الآن.
التجربة الإماراتية في مانشستر سيتي تثبت يوما بعد يوم أنها كانت فريدة من نوعها، في ظل الإنجازات والبطولات والألقاب التي يحققها النادي بشكل منتظم، والتي جعلت منه تجربة عربية ملهمة للكثير من المستثمرين العرب في كل أنحاء العالم.
وشهدت السنوات الأخيرة ظهور عدة تجارب عربية اقتدت بتجربة مانشستر سيتي الملهمة، ساعية للسير على خطواته واقتفاء أثر إنجازاته سواء في الدوري الإنجليزي أو في عدة مسابقات أخرى حول العالم.
ماذا حدث في 12 عاما؟
وفرت مجموعة أبوظبي للاستثمار كل عوامل النجاح لمانشستر سيتي منذ انتقال ملكيته إليها، من نهج إداري حكيم ومستقر، ونخبة من أبرز لاعبي العالم يتميزون بعقلية معينة تسعى لتحقيق الإنجازات والبطولات بما يتوافق مع نهج الإدارة، وهو ما كان له أثر كبير في جني الثمار بعدها.
وخلال 12 عاما تحت القيادة الإماراتية حقق النادي الإنجليزي أكثر مما حققه خلال 114 عاما من تاريخه قبل تلك الفترة، منذ تأسيسه بالاسم ذاته عام 1894، حيث حقق 14 لقبا منذ عام 2008 مقابل 12 فقط قبل ذلك التاريخ.
وتحول الفريق صاحب التاريخ العريق، من أحد الفرق العادية محليا وأوروبيا إلى فريق عملاق حفر اسمه بين كبار أوروبا، وبات أحد مراكز القوى على الساحة العالمية، ليصبح تجربة ملهمة للمستثمرين العرب الساعين للاستثمار في مجال كرة القدم.
كيف ألهم السيتي المستثمرين العرب؟
حاول بعض المستثمرين العرب محاكاة تجربة مانشستر سيتي الفريدة، سواء في إنجلترا أو في مناطق أخرى من العالم، ومن ذلك ما قام به رجل الأعمال المصري عاصم علام في عام 2010، عندما قام بشراء نادي هال سيتي الإنجليزي.
ونجح علام في إعادة هال سيتي للدوري الإنجليزي الممتاز في 2013، وأنفق 40 مليون جنيه إسترليني عليه، لكن الفريق عانى بعدها من صعود وهبوط في المستوى، حيث بقي في البريمييرليج لموسمين قبل أن يهبط مجدداً في 2015 ثم عاد في موسم 2016-2017 الذي شهد هبوطه مجدداً.
التجربة لم يتوافر لها نجاحا يمكن مقارنته لما حققه السيتي، لكنها بقيت مبشرة خاصة أن الفريق لا يزال في القسم الأول "شامبيونشيب" ويمتلك في كل موسم فرصة العودة للبريمييرليج.
سان جيرمان والغيرة
في عام 2011 اشترت منظمة قطر للاستثمارات الرياضية نادي باريس سان جيرمان الفرنسي في تجربة مشابهة لتجربة السيتيسنز، من منطق الغيرة والرغبة في محاكاة النجاح الإماراتي، دون وجود أسس وضوابط يمكن أن تنبني عليها تلك المحاكاة.
ونجح باريس بفضل إنفاق مليارات اليوروهات على الصفقات واللاعبين في المقام الأول، دون وجود فكر إداري حكيم ومنهج محدد، في الهيمنة على الدوري الفرنسي، لكن افتقاد الرؤية الصحيحة جعل الإدارة تفشل في تحقيق أي نجاح أوروبي.
وأنفق الفريق العاصمي في صيف 2017 أكثر من 400 مليون يورو على صفقتي نيمار دا سيلفا وكيليان مبابي من برشلونة الإسباني وموناكو الفرنسي، ورغم ذلك لم يعاقب بالحرمان من المشاركة الأوروبية لمخالفة لوائح اللعب المالي النظيف، وهو ما جعل الشبهات تحيط دائما بنهج النادي وسياساته.
ورغم أنه يمتلك إمكانيات اقتصادية ضخمة فإن سان جيرمان يفشل دوماً في تحقيق استقرار فني وانضباطي، فيحفل فريق الكرة بالنادي دوماً بخلافات شخصية ومشاكل بين نجومه من أجل فرض الهيمنة، وما يؤثر سلبياً بشكل أكبر تدخل الإدارة في القرارات الفنية، وهو ما ينعكس سلبا على الفريق.
شيفيلد والحلم السعودي
في عام 2013، قام الأمير عبدالله بن مساعد، وزير الرياضة السعودي الأسبق، بشراء 50 % من أسهم نادي شيفيلد يونايتد الإنجليزي، قبل أن تتحول ملكية النادي إليه بشكل كامل في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2019.
ولعل تجربة شيفيلد بدأت ملامح نجاحها تظهر في الفترة الأخيرة، فخلال فترة 6 سنوات صعد الفريق من القسم الثاني للأول ثم إلى الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، حيث يحتل الفريق حالياً المركز السابع في ترتيب فرق المسابقة، ويتوقع الكثيرون لها التألق أكثر خلال الفترة المقبلة.
وفي 2018، اشترى الأمير عبدالله بن مساعد نادي بيرشكوت البلجيكي، الذي نجح في التحول من القسم الثاني للقسم الأول.
وفي عام 2019، أعلن الأمير بن مساعد أيضا، وهو مالك مجموعة "يونايتد وورلد"، عن تأسيس نادي الهلال يونايتد الإماراتي ليشارك في دوري القسم الثاني الإماراتي بغية تدعيم ناديي بيرشكوت وشيفيلد بالمواهب.
أستون فيلا والشراكة المصرية الأمريكية
قام رجل الأعمال المصري ناصيف ساويريس في عام 2018 بالاستثمار في نادي أستون فيلا محاولاً استعادة أمجاد بطل أوروبا عام 1982، بعدما بدأت الأزمات تزداد في النادي عقب الفشل في التأهل للدوري الإنجليزي الممتاز.
واشترى ساويريس بصحبة الملياردير الأمريكي ويس إيدنز 55 % من أسهم النادي، ونجحت الشراكة المصرية الأمريكية في إعادة الفيلانز للبريمييرليج في صيف العام الماضي.
إمبراطورية آل الشيخ
انضم تركي آل الشيخ، رجل الأعمال السعودي والرئيس السابق للهيئة العامة للرياضة بالسعودية، إلى سلسلة المستثمرين العرب في الأندية الأوروبية عام 2019، بشرائه نادي ألميريا الإسباني، حيث قام بتوفين كل عناصر النجاح له من مدربين مميزين ولاعبين ذوي مهارات وقدرات جيدة، من أجل تحقيق حلم اللعب مع الكبار الموسم المقبل.
لكن تجربة ألميريا الوليدة لم تظهر ثمارها حتى الآن نظرا لقصر فترة الاستثمار السعودي فيه، غير أن الفريق يقترب من حجز مقعد في الملحق المؤهل للدوري الإسباني.
كما نية آل الشيخ للاستثمار بشكل أكبر في النادي خلال الفترة المقبلة تبشر بأن ألميريا سيعود سريعاً للدوري الإسباني "لا ليجا"، واللعب مع الكبار، وقد يحفر مكانه بين فرق المقدمة مثلما فعل مانشستر سيتي في إنجلترا خلال السنوات المقبلة.
ويحتل ألميريا حاليا المركز الرابع في ترتيب فرق القسم الثاني الإسباني وهو المركز المؤهل لخوض التصفيات المؤهلة لليجا.
يذكر أن تجربة آل الشيخ مع الأندية الأوروبية، سبقتها تجربة ناجحة مع الأندية العربية، عندما قام بشراء نادي بيراميدز المصري، أو "الأسيوطي" بمسماه السابق، في يونيو/حزيران 2018.
وكان استثمار آل الشيخ في بيراميدز كان مثالاً ناجحاً في الملاعب العربية، حيث ضم إليه مجموعة من أفضل اللاعبين العرب وبعض الأجانب المميزين، وتعاقد مع مدربين من العيار الثقيل من أمثال حسام حسن والأرجنتيني رامون دياز، من أجل إنجاح التجربة.
وبالفعل، نجح بيراميدز في أن يتحول إلى أحد عمالقة الكرة المصرية، حيث احتل المركز الثالث في أول موسم بالدوري بعدها خلف الأهلي والزمالك (2018-2019)، كما تأهل لنهائي كأس مصر في الموسم ذاته قبل الخسارة أمام الزمالك.
ومع نهاية الموسم تخلى آل الشيخ عن استثماراته في بيراميدز، لتنتقل ملكيته إلى رجل الأعمال الإماراتي سالم الشامسي، الذي بنى على نجاح سلفه، حيث تمكن الفريق من بلوغ نصف نهائي بطولة الكونفيدرالية الأفريقية الموسم الحالي وبات أحد المرشحين البارزين للفوز بالبطولة.
كما يأتي ثالثا في الدوري المصري خلف الأهلي والمقاولون في الموسم الحالي الذي لم يستكمل حتى الآن.
نيوكاسل في الطريق
على مدار الأشهر الماضية كان الحديث يتواصل عن تجربة جديدة للاستثمار العربي في الملاعب الأوروبية، من خلال اقتراب الإعلان الرسمي عن استحواذ صندوق الاستثمار السعودي على ملكية نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي.
وكانت تقارير صحفية ذكرت في وقت سابق أن صندوق الاستثمار السعودي توصل لاتفاق الشهر الماضي مع مايك أشلي مالك نيوكاسل الحالي، على الاستحواذ على النادي رفقة شركاء آخرين، مقابل 300 مليون جنيه إسترليني.
وفيما يخص تفاصيل الصفقة، فإن صحيفة "التايمز" البريطانية، نشرت في وقت سابق، كل ما يتعلق بالاتفاق الذي تم بين صندوق الاستثمار السعودي وشركائه مع مايك أشلي.
وأشارت إلى أن الاتفاق ينص على استحواذ الصندوق السعودي على 80% من ملكية النادي، بينما تحصل شركة "بي سي بي كابيتال بارتنرز"، التابعة لسيدة الأعمال البريطانية أماندا ستافيلي، على حصة 10%، فيما ستنال مجموعة "ريوبن" بروزر للاستثمار والتطوير العقاري على النسبة المتبقية.
لكن رغم ذلك فإنه لم يتم الإعلان الرسمي عن الصفقة حتى الآن، وربما يكون ذلك انتظارا لانتهاء موسم الدوري الإنجليزي الحالي.
إمبراطورية السيتي تنافس نفسها
خلال كل تلك السنوات التي شهدت محاولات عربية لمحاكاة نموذج مانشستر سيتي الناجح لم تقف مجموعة أبوظبي للتنمية والاستثمار موقف المتفرج على من حولها، لكنها عبر الفكر المستنير والنهج القويم وضعت خطة موسعة من أجل استغلال نجاح تجربة النادي السماوي وتعميمها بعدة نماذج في قارات العالم المختلفة.
وخلال سنوات قليلة تم إنشاء مجموعة السيتي لكرة القدم عام 2014، لتستثمر في عدة تجارب وتقوم بشراء عدة أندية وصل عددها للرقم 9 العام الماضي، لتبدأ المجموعة في منافسة نفسها في الاستثمارات الرياضية الناجحة.
ففي عام 2020 نجحت مجموعة السيتي في شراء ملكية فريق لوميل البلجيكي، لينضم إلى الإمبراطورية المكونة من مانشستر سيتي، ونيويورك سيتي الأمريكي وملبورن سيتي الأسترالي ويوكوهاما مارينوس الياباني وجيرونا الإسباني وسيشوان الصيني ومومباي الهندي ومونتيفيديو توركي الأوروجواياني.
وتحاول كل تجربة من تلك التجارب شق طريقها بنجاح في الدولة التي تنافس فيها، أملا في السير على خطى التجربة الأم في مانشستر سيتي، وإضافة المزيد من الإنجازات إلى المجموعة الإماراتية ذات الفكرة الاستثماري القويم.