أشجار القرم بالإمارات.. كنوز بيئية تكافح التغير المناخي
كنز وظفته الإمارات في إطار جهودها لمواجهة التغير المناخي، نظرا لدور أشجار القرم، أو المانجروف المهم والفعال في تخفيض الانبعاثات الكربونية وإسهامه في التقليل من آثار الكوارث الطبيعية البحرية.
أيضا، يعد ارتفاع منسوب مياه البحر وتضرر البيئة البحرية من أهم تداعيات التغير المناخي، الأمر الذي تساهم أشجار القرم في خفض حدته وتأثيراته السلبية بشكل كبير، حيث تعمل كحواجز طبيعية لتأثيرات ارتفاع مياه البحر.
كما تعد أشجار القرم داعما قويا لمنظومات الكربون الأزرق، حيث تعد أكثر فاعلية بكثير من غابات الأشجار البرية، كما توفر موائل طبيعية تعزز تكاثر واستدامة التنوع البيولوجي البحري، وتخلق فرصا للسياحة البيئية، لذا فإن الحفاظ على النظم البيئية لهذه الأشجار يعد أحد الطرق الواعدة لتقليل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ومكافحة التغير المناخي.
30 مليون شجرة
نظرا لتلك الأهمية الكبيرة لهذه الأشجار في مكافحة التغير المناخي، تعهدت دولة الإمارات في مساهمتها الثانية التي سلمتها قبل 3 أشهر إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بزراعة 30 مليون شجرة بحلول عام 2030، لتضاف إلى الملايين من هذه الأشجار المنتشرة على سواحل الإمارات.
وتعد معظم غابات أشجار القرم في الإمارات بصحة وكثافة جيدة، وبلغت المساحة الكلية حوالي 183 كليومترا مربعا مقارنة بسنة عام 2013 التي بلغت مساحتها 136.16 كيلومتر مربع.
وتعتبر المساحة الأكبر في الإمارات لانتشار غابات القرم هي إمارة أبوظبي بنسبة 80% من المساحة الكلية لتوزيع غابات أشجار القرم.
وتنفذ وزارة التغير المناخي والبيئة برنامج إنتاج بذور شتلات القرم ورعايتها في مشتل الأبحاث وتجهيزها وزراعتها بهدف إعادة تأهيل الموائل المتضررة إلى جانب إنشاء مساحات جديدة من بيئة أشجار القرم في بعض المناطق الساحلية الأخرى.
ومع استضافة الإمارات، الأحد، الحوار الإقليمي حول العمل المناخي والذي ينعقد قُبيل قمة القادة للمناخ في العاصمة الأمريكية واشنطن في وقت لاحق من هذا الشهر، وتمهيداً لانعقاد مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP26"، تتواصل جهود الإمارات للتوسع في زراعة أشحار القرم، لتوجه رسالة للعالم أجمع بأهمية تلك الأشجار من جانب، ولتؤكد الأدوار الإماراتية المهمة على مختلف الأصعدة لمكافحة التغير المناخي، الذي يعد التهديد الأكبر للبشرية.
اتفاقيات دولية
وفي إطار جهودها للتوسع في أشجار القرم، عقدت الإمارات العديد من الاتفاقيات الدولية، أحدثها في في 17 فبراير/ شباط الماضي، عندما وقعت وجمهورية إندونيسيا مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال الإدارة المستدامة لأشجار القرم والحفاظ عليها.
وتشمل مجالات التعاون بموجب المذكرة، التوسع في زراعة أشجار القرم "المانجروف" وتطبيق نظم إدارة مستدامة لها لحمايتها والحفاظ عليها بما يدعم استدامة البيئة البحرية.
عن تلك الاتفاقية، قال الدكتور عبدالله بن محمد بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي، إن الوزارة ضمن جهودها لتعزيز العمل من أجل المناخ، وضمان استدامة البيئة البرية والبحرية ومكوناتهما، تعمل على تعزيز تعاونها مع الجهات والمنظمات الدولية ذات الصلة بهذا العمل، للاستفادة من التجارب الناجحة وبناء قدرات الكوادر البشرية والنظم الفنية والتقنية.
وأضاف: "يعد ارتفاع منسوب مياه البحر وتضرر البيئة البحرية من أهم تداعيات التغير المناخي، الأمر الذي تساهم أشجار المانجروف في خفض حدته وتأثيراته السلبية بشكل كبير".
واستكمل: "تعمل أشجار القرم كحواجز طبيعية لتأثيرات ارتفاع مياه البحر، وكداعم قوي لمنظومات الكربون الأزرق، وتعد أكثر فاعلية بكثير من غابات الأشجار البرية، كما توفر موائل طبيعية تعزز تكاثر واستدامة التنوع البيولوجي البحري، وتخلق فرصا للسياحة البيئية، لذا فإن الحفاظ على النظم البيئية لهذه الأشجار يعد أحد الطرق الواعدة لتقليل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وتعزيز الفرص الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بذلك".
أبحاث علمية
على الصعيد العلمي، أيضا يبرز الاهتمام الإماراتي بأشجار القرم، وفي هذا الصدد نشر باحثون من مركز علوم الجينوم والأنظمة الحيوية بجامعة نيويورك - أبوظبي، فبراير/شباط الماضي دراسة بحثية لتركيب جيني عالي الدقة لأشجار القرم الرمادي "أفيسينيا مارينا" في مجلة جي3: جينات/ جينوم/ جينيتكس العالمية.
وتساهم هذه الورقة البحثية في توفير مصدر مهم للباحثين حول العالم الذين يتخصصون بدراسة هذا النوع من أشجار القرم.
وقال جون بيرت الأستاذ المشارك في علم الأحياء في جامعة نيويورك - أبوظبي والمشرف على هذا المشروع، إن أشجار القرم الرمادي تعتبر من أكثر أنواع القرم انتشارا في العالم، مشيرا إلى أن هذا البحث يشكل أول عملية إعادة بناء مفصلة للتركيب الجيني لهذا النوع من أشجار القرم.
وأشار إلى أن الهدف الأساسي من البحث توفير مصدر عالي الدقة كمرجع للعلماء من جميع أنحاء العالم، الذين يحاولون فهم التركيب البيولوجي لهذا النوع الاستوائي المنتشر على نطاق واسع.
وأوضح: "من خلال الجمع بين تحليلاتنا الجينية ورصد الاستجابات الجزيئية والكيميائية الحيوية لقرم أبوظبي، سنتمكن من عرض كيف تمكنت أشجار القرم المحلية لدينا من تحمل الظروف الصعبة والتأقلم بل والازدهار في ظروف لا توجد في أي مكان آخر في العالم".
اهتمام متزايد
تنتشر أشجار القرم في العديد من المحميات الطبيعية في الإمارات وتصنف هذه الشجرة من جنس نباتات الأيكة الشاطئية التي تعيش على الماء المالح في منطقة المد والجزر عند الشواطئ.
وأولت الإمارات أهمية كبيرة لأشجار القرم "المانجروف" نظرا للدور الذي تلعبه كموائل طبيعية للكائنات البحرية والأسماك ومناطق تعشيش الطيور المحلية والمهاجرة في مناطق الأخوار والمناطق الرطبة.
وفي سبعينيات القرن الماضي، وضع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، برامج ضخمة لزراعة أشجار القرم، ساهمت إلى حد كبير في اتساع رقعة غابات القرم على مدى العقود الماضية.
وتتصف هذه الأشجار بسماكة أوراقها التي لا يوجد فيها أشواك بينما تمتد جذورها في قاع البحر، ويبلغ ارتفاعها من 2 إلى 4 أمتار وتجتذب أنواعا كثيرة من الطيور البرية والبحرية للاحتماء من الحيوانات وحرارة الشمس في وقت الظهيرة، إذ تحقق هذه الأشجار تكيفا طبيعيا عند مرور الهواء عبرها، كما تتجمع الأسماك قريبا منها، بالاضافة إلى أنها تحافظ على التوازن البيئي وحماية الكائنات من خطر الانقراض.
وتضم الامارات أحد الأنواع النادرة الذي يطلق عليه "القرم الرمادي" أو المعروف باسم "أفيسينيا مارينا".
وتنمو غابات القرم في المناطق التي تقع بين خطي المد والجزر وتسهم إسهاما كبيرا في الحفاظ على البيئة حيث تحمي السواحل من عمليات التعرية الناجمة عن الأمواج والتيارات البحرية وتلعب دورا فعالا في الحد من الانبعاثات الكربونية مما يسهم في خفض آثار تغير المناخ.
وتنمو أشجار القرم في درجات حرارة منخفضة لا تزيد على 35 درجة مئوية وفي مياه قليلة الملوحة.
تم استخدام أشجارها في الماضي كمواد خام لبناء البيوت والسفن بسبب صلابتها ومقاومتها العالية للتعفن والنمل الأبيض، فضلا عن كونها مصدرا رئيسا للغذاء والوقود والخشب.
وتعتبر أشجار القرم كنزا بيئيا فهي ذات أهمية اقتصادية وبيولوجية كبيرة لاحتضانها العديد من الكائنات البحرية حيث تقوم بيئة الجذور بوظيفة محاضن طبيعية للثروة السمكية، اذ تعتبر ملجأ للأسماك الصغيرة كما تعتبر الحاضن الطبيعي الوحيد للروبيان، وفي الوقت نفسه تحمي الشواطئ من التآكل وتستخدم مأوى لتعشيش الطيور.
وتصنف مستنقعات القرم على أنها من أغنى البيئات في البيئة البحرية وتتميز أشجارها بمقاومتها الشديدة للملوحة، كما تتميز بنمو جذور هوائية من مجموعها الجذري المتشعب المغمور تحت سطح الماء، حيث ترتفع فوق السطح بارزة كأعمدة صغيرة لتسهل للجذر المغمور الحصول على الهواء الجوي والقيام بالتنفس.
عام الخمسين
وبالتزامن مع عام الـ50 الذي يصادف مرور 50 عاما على تأسيس دولة الإمارات عام 1971، أطلق برنامج خليفة للتمكين "أقدر"، في يناير/كانون الثاني الماضي، مبادرة "مغامرات أقدر" الهادفة لزرع 50 ألف شجرة قرم في مختلف أنحاء الدولة في عام الـ50.
يأتي ذلك بهدف المحافظة على الحياة الفطرية في الـ50 عاماً القادمة، وذلك في إطار جهود الدولة الساعية لتقليل تداعيات التغير المناخي وتصميم مستقبل مستدام للأجيال الحالية والقادمة.
وتهدف المبادرة إلى المساهمة الإيجابية في تحسين البيئة المناخية في دولة الإمارات للخمسين سنة القادمة وتطوير مهارات الأفراد وتعزيز العمل الجماعي وترسيخ الوعي بأهمية المحافظة على البيئة وعلى شجرة القرم، باعتبارها من أهم الأشجار في المنظومة البيئية بدولة الإمارات، فضلاً عن أهميتها في تنقية الهواء من الملوثات ومساهمتها في مكافحة ظاهرة التغير المناخي وحماية الشواطئ من انجراف التربة.