لا تزال القوى السياسية، وفي طليعتها الأحزاب الدينية الشيعية، تفرض إرادتها، ما أدى إلى إقصاء النساء وتسليم الثقافة لتيار ديني متشدد
في بدء تشكيل الحكومة، فتح رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي باب الترشح لجميع المواطنين العراقيين "إلكترونيا"، ومن المفارقات الطريفة أن أول من ترشح إلكترونيا لهذه اللعبة الفكاهية امرأة عراقية تُدعَى داليا العقيدي، تعمل في الإعلام، وبلغ عدد المسجلين في الموقع أكثر من 36 ألف متقدم، من ضمنهم 15 % من النساء، ويعلم الجميع كيف انتهت هذه المسرحية الهزلية بضحك الجمهور على الترشح الإلكتروني، وبفرض الأحزاب الدينية والكتل السياسية ممثليهم رغما عن أنف الترشيحات الإلكترونية، وتم تنصيب الوزراء العراقيين في مناصبهم حسب المحاصصة الطائفية، ولا تزال وزارات عديدة، والسيادية منها، شاغرة مثل وزارتي الدفاع والداخلية اللتين ما تزال الأحزاب الدينية والكتل السياسية تتنازع حولها بكل قوة وشراسة، وكل فصيل يعتبر هاتين الوزارتين حصته وغنائمه التي لا يتنازل عنها.
لا تزال القوى السياسية، وفي طليعتها الأحزاب الدينية الشيعية، تفرض إرادتها، ما أدى إلى إقصاء النساء وتسليم الثقافة لتيار ديني متشدد هم عصائب أهل الحق، وتم استبعاد الأقليات من التمثيل
والمرأة العراقية التي تقدمت للترشيح الإلكتروني أصيبت بخيبة أمل رغم تاريخها العريق في السياسة، ولم تجد لها موطأ قدم في حكومة عادل عبد المهدي التي لم تستكمل نصابها حتى الآن. ومن المعروف أن المرأة العراقية خرجت إلى الحياة العامة أثناء الحكم العثماني في نهاية القرن التاسع عشر، وتم افتتاح أول مدرسة للبنات في بغداد عام 1890، وسطع صوت الشــاعــرة فدعة الزيرجية ابنة مدينة العمارة، التي زغردت بالشعر في القتال ضد قوات الاحتلال البريطاني أثناء ثورة العشرين، وأول مجلة نسائية انطلقت باسم "ليلى" من أجل نهضة المرأة العراقية كانت في عام 1923، وكانت الأديبة يولنيا حسون رئيسة تحريرها، وكانت الدكتورة نزيهة الدليمي أول وزيرة عراقية في الوطن العربي، ساهمت في إصدار قانون الأحوال الشخصية في العراق عام 1959، وهو القانون الأكثر تقدما في الشرق الأوسط لمناصرة المرأة، آنذاك.
أما اليوم، فقد تم تهميش المرأة كليا من التمثيل في الحكومة العراقية الجديدة، ما دفع النائبة عن تحالف البناء، زهرة البجاري، إلى معاتبة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي؛ كونه لم يختر أي مرشحة ضمن كابينته الوزارية، متهمة إياه بتهميش المرأة العراقية، وقد جاءت التشكيلة الوزارية خالية من أسماء النساء التي تُفترض أن تكون في مقدمة من يهتم بحقوق المرأة العراقية والأسرة بعد ما أصابها من التفكك نتيجة الحروب والتطرف، كما أن تهميش النساء وصل كذلك إلى البرلمان الذي لم يعتمد نسبة ٢٥ % في لجانه النيابية، وذلك من خلال تغييب المرأة عن رئاسة اللجان، وإبعادها عن الدورين التشريعي والتنفيذي. وهذا ليس ناتجا عن الحاضر، بل يمتد إلى 2003، حيث تراجع وضع المرأة العراقية بشكل مضطرد في الوقت الذي تشكل فيه النساء العراقيات 57 % من مجموع السكان، وتُعيل أرملة أسرة من كل 10 أسر، على الرغم من نص الدستور العراقي الجديد على منح المرأة "كوتة" ـ النسب ـ الانتخابية.
وأدى ذلك إلى مطالبة بعض النائبات بضرورة إعادة وزارة المرأة بحقيبة كاملة تضطلع بملفات وبرامج للنساء الأرامل والمعيلات لأسرهن والناجيات من إرهاب داعش وملفات كثيرة أخرى، ما يجعل إشراك المرأة في العملية السياسية وإعطائها المناصب الحكومية والقيادية أمرا ضروريا.
يُضاف إلى ذلك، أن المرأة العراقية لا تتمتع بأية حماية إذ توالت حوادث مقتل ناشطات عراقيات وموت أخريات في ظروف غامضة كانت آخرهن عارضة الأزياء تارة فارس، والتي حظيت بشعبية كبيرة ومتابعين على فيسبوك وتويتر ويوتيوب، وصل عددهم إلى 2.7 مليون متابع على أنستقرام! وتكررت تلك الحالات، منها مقتل الناشطة في حقوق المرأة في البصرة سعاد العلي، ووفاة رشا الحسن ورفيف الياسري العامتين في مراكز التجميل، في ظروف غامضة. كما تلقت شيماء قاسم، ملكة جمال العراق للعام 2015، رسائل تهديد بالقتل، وكل ذلك بحجة تجاوزهن المعايير الاجتماعية، خاصة أن تشكيلة الحكومة الجديدة تتكون من الأحزاب الدينية المتطرفة، والميليشيات الموالية لها. وفي ظل ارتفاع أصوات المدافعين عن حقوق المرأة التي بلغت ذروتها بعد حرق قنصلية إيران في البصرة.
لم يعد موضوع تمثيل المرأة العراقية مقتصرا على الصعيد المحلي، بل تعداه إلى الصعيد العالمي، حيث دعت بعثة الأمم المتحدة "يونامي" لمساعدة العراق إلى تمثيل واضح للمرأة في الحكومة العراقية الجديدة. ولم تنفع ورش العمل مع الأمم المتحدة من اجل دعم المرأة. فهل يُعقل أن لا تكون هناك امرأة واحدة ممثلة في الحكومة الجديدة؟
وتأتي أهمية تمثيل المرأة في المناصب الحكومية القيادية لما يعانيه العراق من مشكلة الأرامل والأيتام التي أصبحت ظاهرة كبيرة، وتتضارب الإحصائيات الرسمية مع إحصائية المنظمات الدولية بشأن أعداد الأرامل والأيتام، ففي الوقت الذي تصرّ فيه وزارة التخطيط على أن "عدد الأرامل لا يتجاوز المليون أرملة، وعدد الأيتام يقترب من المليونين"، تؤكد منظمة "اليونسيف" المعنية بالأسرة والطفولة أن "عدد الأرامل وصل إلى 3 ملايين أرملة، وأكثر من 6 ملايين يتيم".
لا تزال القوى السياسية، وفي طليعتها الأحزاب الدينية الشيعية، تفرض إرادتها، ما أدى إلى إقصاء النساء وتسليم الثقافة لتيار ديني متشدد هم عصائب أهل الحق وتم استبعاد الأقليات من التمثيل.
لا تعاني الحكومة العراقية من مشكلة تمثيل النساء في التشكيلة الوزارية فحسب، بل هناك مشكلات خطيرة تواجهها وهي: إعمار المحافظات المحررة من داعش، وقضية الماء والكهرباء، والعلاقة مع ايران، وطغيان المليشيات المتطرفة، وانتشار السلاح غير المرخص، حتى تم مؤخراً فتح محلات بيع الأسلحة الصغيرة والمتوسطة بصورة علنية. ولا يزال رئيس الوزراء عاجل عبد المهدي يسعى إلى ايجاد حلول للمشكلات لكنه عاجز لأنه تحت هيمنة الأحزاب الدينية والكتل السياسية التي لا يمكن أن يخطو خطوة واحدة بدون موافقتها وتبريكاتها، رغم ادعائه الليبرالية التي لم تنفعه السنوات التي عاشها في فرنسا في رؤية أفق أوسع من المليشيات والأحزاب الدينية والكتل السياسية المحكومة هي الأخرى بعوامل إقليمية ودولية لا فرار منها. فهل تستطيع المرأة أن تعتلي منصبا حكوميا تدافع فيه عن حقوقها المكتسبة في العهود الماضية، والتي ضاعت في خضم السياسة الحالية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة