لغز والدة ترامب .. هذه "ماري" التي يتجنب الرئيس الأمريكي ذكرها
أولوية وضع صور العائلة في مكتب ترامب، تؤكد التفاوت في علاقته مع والديه الواضح منذ عقود.
عندما انتقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض يناير الماضي، حرص على وضع صورة لوالده فريد ترامب، خلف مكتبه. ورغم إضافته صورة لوالدته ماري ترامب، مؤخرا، إلا أن صورة والده تظل الأكثر بروزا، على حد قول أحد الموظفين السابقين في البيت الأبيض.
وقال تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو الأمريكية، إن أولوية وضع صور العائلة لدى ترامب، تؤكد التفاوت في علاقته مع والديه الواضح منذ عقود، وملخصه "وجود والده المستمر وتذكر والدته المتأخر دائما".
عادة ما تكون أمهات الرؤوساء مؤثرات إلى حد كبير، من باربرا بوش (والدة جورج دابليو بوش)، إلى فيرجينيا كيلي (والدة بيل كلينتون)، وآن دنهام (والدة باراك أوباما)، والأثر الذي تركته هذه الأمهات على أبنائهن لا يقبل الجدل، ولم ينس الأبناء الاحتفاء بهن في حياتهم السياسية.
أما والدة الرئيس الأمريكي الحالي فكانت مختفية عن الأنظار لعدة سنوات من قبل أن يضع نجلها يده على نسخة الإنجيل التي منحته إياها، في يوم التنصيب.
كانت السيدة ماري ترامب، ربة منزل، تقبل أي شيء دون احتجاج، وزوجة لا تتشاجر مع زوجها الصارم، وأم غرست بذور فطنة ابنها الثاني التي قادته إلى ارتفاع الشأن والتميز، ولم يتحدث عنها الابن كثيرا في كتابه بعنوان "Think Big" الذي نشره عام 2007، رغم تحديثه عن تأثير والده العظيم عليه.
الانتقاص من دور ماري ترامب في تشكيل شخصية الرئيس، يعتبر بمثابة نكران لعقود من الدراسات التي أجريت حول ديناميكيات العائلة، ويتفق علماء النفس على أن الأم تساعد في جعل الابن على ما هو عليه، شئنا أم أبينا. فالأم تساعدك على تحديد مشاعرك وتنمية بناءك المعرفي.
من هي ماري ترامب؟
مهاجرة فقيرة جاءت من الركن الشمالي الغربي في اسكتلندا. ولدت في 1912، وكان ترتيبها العاشرة بين 10 أبناء لأب يعمل صيادا. وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، تأثر اقتصاد المنطقة بصورة كبيرة، فضلا عن مقتل 15% من رجالها في الحرب. ما دفع الكثيرين إلى الهجرة ومن بينهم ماري وبعض شقيقاتها.
سافرت ماري إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ووفقا لتصريحاتها، قالت إن أمريكا قدمت لها فرصا كثيرا أثناء المرحلة العصيبة التي كانت تمر بها. وخلال الفترة التي قضتها ماري هناك، ساعدتها شقيقتها في العثور على عمل كمديرة منزل ومربية لدى إحدى العائلات الثرية في ضواحي نيويورك.
تعرفت ماري على فريد ترامب، الذي كان عامل بناء ناجحا جدا في البلدة، في إحدى الحفلات التي ذهبت إليها مع شقيقتها، وتزوجا في يناير 1936، وأنجبا ماريان في 1937 وفريد الصغير في 1938 وإليزابيث في 1942 ودونالد في 1946 وروبرت في 1948.
ظلت ماري متزوجة من فريد ترامب لما يزيد عن نصف قرن، وعاشت معه هو وأطفالهما الخمسة دون أن تكل أو تمل، وتطوعت للعمل في أحد المستشفيات العامة، وظلت تمارس أنشطتها في المدارس والجمعيات الخيرية والنوادي الاجتماعية.
وفي ولادتها الأخيرة، تعرضت ماري إلى نزيف حاد تتطلب استئصالا سريعا للرحم ما أدى إلى عدوى خطيرة بالمعدة تطلبت جراحات عديدة، وكان من المحتمل أن تفارق الحياة. وفي هذه الأثناء، كان عمر دونالد لا يتجاوز العامين ونصف العام، وكانت هذه تجربة قاسية بالنسبة لطفل في عمره، لكن تعافت والدته وعادت إلى روتينها اليومي وأعمال المنزل.
وعن التأثير النفسي لهذه الفترة على نفس دونالد، يقول الأطباء النفسيون إن هذه المرحلة جعلته يمر بمرحلة الاستقلال بعض الشيء عن والدته، ما أثر على شعوره بالأمان والثقة بالذات.
وفي مقابلات أجراها ترامب على مدار العقود العديدة الماضية، وصف والدته ماري بـ"المذهلة" و"الرائعة" و"الرقيقة جدا" و"ربة منزل تحب عملها". وفي عام 2005، ظهر ترامب في حلقة من برنامج مارثا ستيوارت، وأبدى إعجابه الشديد برغيف اللحم الذي تعده والدته.
وعلى حسابه الشخصي عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وصفها بـ"الشخص المدهش" و"ذات الجمال الرائع"، كما غرد في يوم 5 فبراير 2013، قائلا: "نصيحة من والدتي، ماري ماكليود ترامب: ثق بالله وكن صادقا مع نفسك". وهو ما قام به أيضا في 30 يوليو 2013، و24 أكتوبر 2013، و25 أكتوبر 2013، وأيضا في 21 مارس 2014، و15 مايو 2014، و28 يناير 2015، كل ما يقوم به ترامب هو قص ولصق قول مأثور جاهز للنشر، حصل عليه من إحدى صفحات كتابه "How to Get Rich" الذي صدر في 2004.
ويصف الأصدقاء وأفراد العائلة السيدة ماري ترامب بأنها - بصفة عامة - "صامتة" و"محافظة" و"لطيفة" و"ودودة" و"ممتعة".
ويقول مارك جولدينج، أحد أصدقاء ترامب في مرحلة الصغر: "عندما كنت ألعب مع دونالد، يكون والده عادة في الجوار ويراقبه وهو يلعب، ولم تتفاعل والدته معه بنفس الطريقة"، لافتا إلى أن والد دونالد كان يبدي دائما رغبته في مشاركتهما اللعب
ويقول أحد أصدقاء شقيق ترامب، لو درويش، إنه ناردا ما كان يرى السيدة ماري، مضيفا أنها في بعض الأحيان كانت تعطيهم المال لشراء الآيس كريم
وأشار إلى أن السيدة ماري لم تكن تتحدث كثيرا مثل باقي الأمهات، على عكس الأب فريد، الذي كان يحب معرفة كيف سارت الأمور في يوم كل فرد من العائلة أثناء تناول العشاء، ولم تقم والدة دونالد بذلك
أضاف أن أبناء ترامب كانوا يتحدثون جيدا عن والدتهم ولا يقولون أي كلمة سيئة عنها، لكنها لم تكن متفاعلة معهم ومع أصدقائهم كما ينبغي، ومن المحتمل أن يكون تفاعلها كان أقل مع الأولاد، لأنها كانت تتفاعل أكثر مع الفتيات.
هذه المسافة بين دونالد ووالدته، وفقا لشريك عمل سابق، أصبحت ديناميكية لم تتغير أبدا. ويوضح: "كان دونالد في عهدة والده، ومنفصلا جدا عن والدته".
وحسب أصدقاء سابقين للرئيس الأمريكي، قالوا إنه حصل على ميداليات "النظام والأناقة" في المرحلتين الثامنة والتاسعة بالأكاديمية العسكرية في نيويورك، وكان يحب ممارسة الرياضة على وجه الخصوص، وكان يلعب كرة السلة وكرة القدم والبيسبول. وأشاروا إلى أن والده كان يزوره عادة في العطلات الأسبوعية، ويصطحبه لتناول العشاء في الخارج، ونادرا ما كانوا يرون والدته ماري.
وقال آخرون من أصدقاء الرئيس حينما كان صغيرا، إنه كان يتحدث كثيرا عن والده، وكيف أنه كان يطلب منه أن يصبح "ملكا" و"قاتلا"، بينما لم يذكر كلمة واحدة عن والدته، ولا عن نصائحها له.
من غير المفاجئ إذن، رفض الرئيس ترامب طلب الصحيفة التحدث معه عن والدته، وهو ما فعله أيضا ابنه دونالد الصغير وابنته إيفانكا وزوجته الأولى إيفانا، فقط ابنه إيرك قال هذه العبارات القصيرة عن جدته: "كانت جدتي سيدة مذهلة وقوية وذكية وذات كاريزما وحب كبير، كان لديها حس دعابة وابتسامة رائعة. بدون شك كانت ستكون فخورة بوالدي وبكل ما استطاع تحقيقه".
وبالفحص الشامل لحياته، بدا غياب القرب والتواصل بين الرئيس ترامب ووالدته جليا، حتى إنه صرح بطريقة مباشرة في أحد اللقاءات عام 2005 قائلا: "كان والدي أقرب إلي".
أضاف في كتابه Think Like a Champion: "كانت والدتي زوجة تقوم بأعمالها المنزلية على نحو رائع. أرادتني أن أكون سعيدا، لكن أبي كان يفهمني أكثر".
ويذكر أن دونالد أخطأ في كتابة الاسم الأوسط لوالدته في هذا الكتاب.
ولدى أطباء النفس تساؤلات كثيرة يريدون طرحها على الرئيس دونالد ترامب، أبرزها: "أي الوالدين أقرب إليك؟ لماذا لا تشعر بالقرب من الآخر؟ هل شعرت ذات مرة بالرفض أثناء الطفولة؟ كيف تعتقد أن تجاربك الكلية مع والديك أثرت على شخصيتك في البلوغ؟".. لكن لسوء الحظ لا يبدو الرئيس الأمريكي محبذا لفكرة الاستشارات النفسية.
توفت ماري ترامب عن عمر 88 عاما في عام 2000، بعد 10 سنوات عن سؤالها الذي طرحته بعد انفصال دونالد عن زوجته الأولى إيفانا: "أي نوع من الأبناء أنجبت؟"، وفقا لمجلة فانيتي فير الأمريكية.
وقام ترامب ببناء نادي جولف في اسكتلندا، بناء على رغبة والدته، وقال آنذاك إنه أراد عمل شيء مميز لوالدته. كما قام برحلة إلى قرية والدته تونج، وقضى هناك 3 ساعات، و97 ثانية داخل المنزل الذي ترعرعت فيه.