رغم انعدام الأدلة الأثرية.. لماذا يصر علماء الدين على خروج موسى من مصر؟ (خاص)
جدل لا ينتهي، وقضية ليس لها حكم حاسم، تثار بين الحين والآخر، ويحاول كل طرف إثبات وجهة نظره.
اتفاق شعبي وديني متوارث على وجود سيدنا موسى عليه السلام في مصر، وخروجه منها بمعجزة شق البحر للنجاة من بطش فرعون، من الناس من يقول شق له فرع من فروع النيل الشرقية، ومنهم من يقول شق له خليج السويس وخرج إلى منطقة عيون موسى، التي حدثت فيها المعجزة الشهيرة، ومنهم من يقول شق البحر الأحمر وذهب إلى الجزيرة العربية.
لكن مؤخرًا خرج عالم الآثار المصري الأبرز، ووزير الآثار السابق، الدكتور زاهي حواس، وقال إنه لا يوجد دليل أثري يجزم بخروج النبي موسى وقومه من مصر.
هذا التصريح فتح باب الهجوم على حواس، من المسلمين واليهود، فخرج ليؤكد إيمانه بما جاء في الكتب السماوية، ويبرر تصريحه بأنه لا يوجد دليل أثري.
دراسة إسرائيلية جديدة
رغم الاتفاق الكبير في الأدبيات الإسرائيلية وعند علماء اليهود على أن النبي موسى خرج من مصر إلا أن بعضهم يختلف في وجهة الخروج، الغالبية تقول بالطبع بالتوجه إلى سيناء، لكن هناك دراسة جديدة قدمت وجهة مختلفة.
قام موقع "والا" الإسرائيلي، مؤخرًا بنشر نتائج دراسة جديدة تشير إلى أن بني إسرائيل عبروا البحر الأحمر من منطقة نويبع عبر خليج العقبة ثم وصولًا إلى جبل اللوز في المملكة العربية السعودية.
هذه الدراسة تنسجم مع الافتراضات السابقة التي تشير إلى أن جبل سيناء المذكور في التوراة قد يكون في المملكة العربية السعودية، وهو المكان الذي يُعتقد أن سيدنا موسى تلقى فيه الوحي.
وأشارت الصحيفة البريطانية "ديلي ستار" إلى أن الباحثين، بقيادة المحلل ريان مورون، قاموا بتوثيق نتائجهم في فيلم وثائقي بعنوان "لنجد جبل سيناء.. جبل سيناء الحقيقي في المملكة العربية السعودية".
يعتقد هؤلاء الباحثون أن جبل اللوز في السعودية هو الموقع الذي وصل إليه بنو إسرائيل بعد عبورهم البحر الأحمر، ويرون أن هناك جسرًا بريًّا تحت الماء تم تشكيله بطريقة غير متوقعة وقت الحاجة، وهو ما سمح بعبور اليهود بأمان.
ويؤكد الباحثون أن التكوينات المرجانية في المنطقة تدل على الحوادث التاريخية التي وقعت هناك، مثل غرق مراكب الفرعون خلال عبور بني إسرائيل البحر.
ويشير الباحثون إلى وجود صور للعجول داخل المغارات تتماشى مع القصة التي ذُكرت في التوراة حول العجل الذهبي، مما يزيد من مصداقية فرضية وجود جبل سيناء في المملكة العربية السعودية.
وهذه الدراسة رغم تقديمها وجهة مختلفة، إلا أنها تتفق على وجود النبي موسى في مصر، وخروجه منها.
موسى خرج من اليمن
الجدل الدائر بسبب تصريح حواس، سبقه جدل آخر فجره المفكر العراقي فاضل الربيعي في كتابه "بنو إسرائيل وموسى لم يخرجوا من مصر".
في الكتاب، قدم الربيعي أدلة جغرافية على أن خروج بني إسرائيل كان من اليمن بدلاً من مصر، وفق أدلة وبراهين قام بسردها.
هل خرج موسى من مصر؟
يؤكد خبير الآثار المصري الدكتور عبدالرحيم ريحان أن الحقائق المتعلقة بالقرآن والأدلة الأثرية تثبت أن نبي الله يوسف عاش في مصر مع إخوته.
ويستشهد بسورة يوسف، الآية 55، حيث قال يوسف: "اجعلني على خزائن الأرض"، للإشارة إلى وجود خزائن في مصر تحتوي على معادن نفيسة وبترول ومصادر طاقة ومياه جوفية، وهذه الخزائن كانت معروفة في عصر الملك خوفو، الذي وضع في قائمة عصور مصر الذهبية، وأطلق عليه اسم العصر الفيروزي نسبة لمناجم الفيروز التي اكتشفها.
وأوضح أن كلمة "بني إسرائيل" في القرآن نسبة إلى النبي يعقوب، مؤكدًا أنه عندما جاء يوسف أمينًا على خزائن مصر، جاء أبواه وإخوته ليعيشوا في مصر آمنين، وعاش بنو إسرائيل في أرض جوشن أو جاسان، المعروفة الآن بوادي الطميلات.
وأضاف ريحان أن نبي الله موسى، الذي جاء من نسل لاوي بن يعقوب، وُلد وتربى وعاش في مصر، وخرج منها مرتين، مرة وحيدًا إلى أرض مدين، ومرة مع شعب بني إسرائيل.
ويتحدث ريحان عن رحلة بني إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى، فيقول إنها تمت في ليلة الخامس عشر من شهر نيسان (أبريل) في عام 1468 قبل الميلاد، وقد أمضوا في مصر مدة تصل إلى 430 عامًا، وفقًا لما ذُكر في التوراة في سفر الخروج.
وأوضح ريحان أن النقطة الأقرب لخروجهم المألوف تقع عند رأس خليج السويس، وتُعرف حاليًا بموقع "نقطة الشط"، كما ورد في التوراة: "أدار الله الشعب في طريق برية سوف وصعد بنو إسرائيل متجهزين من مصر من أرض رع مسيس فارتحلوا منها إلى سكوت ثم ارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيتام" (خروج 13:14).
ومن جانبه، أشار الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إلى وجود لوحة في المتحف المصري تتناول قصة خروج بني إسرائيل، مؤكدًا أن الأنبياء والرسل كانت الأنظمة الحاكمة تتوجس منهم شرًا وتعتبرهم خارجين عن القانون.
واستشهد كريمة ببلاغة القرآن في وصف فرعون بـ"ذي الأوتاد"، وهو مصطلح يشير إلى الأهرامات، والتي تعتبر موجودة حتى الآن.
وأضاف أن القرآن أشار أيضًا إلى طريقة بناء الأهرامات، فأشار إلى وجود نار شديدة على أحجار الأهرامات التي صُنعت من طين، وقد أُوقدت عليها بدرجة حرارة عالية، ومنها بُنيت المسلات والمعابد والأهرامات، في قوله تعالى: " فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ".
واعتبر كريمة أن هذه الأدلة القرآنية تؤكد وجود سيدنا موسى في مصر.
مناظرة تاريخية
يستدل الدكتور رفعت صديق، الأستاذ بجامعة الأزهر، بمناظرة شهيرة في التاريخ الإسلامي، وهي مناظرة الإمام علي الرضا لأصحاب الشرائع الأخرى، ومن بينها اليهودية، والتي كان يمثلها فيها: رأس الجالوت، وهي رتبة كانت لذرية النبي داود عليه السلام، ومن يتولاها يكون كبير اليهود في أي أرض مكثوا فيها.
يقول صديق، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إنه في المناظرة قال الرضا لرأس الجالوت: "هل تنكر ان التوراة تقول لكم: جاء النور من قبل طور سيناء وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران"؟ قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها، قال الرضا: "أنا أخبرك به أما قوله: جاء النور من قبل طور سيناء فذلك وحى الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى عليه السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء لنا من جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم عليه السلام وهو عليه، وأما قوله: واستعلن علينا جبل فاران فذلك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم (إشارة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).
ويختم صديق: "من هذه المناظرة ثبت أن علماء المسلمين في القرون الأولى اتفقوا مع التوراة على أن التجلي كان في سيناء على جبل الطور، بما يؤكد أن الخروج كان من مصر باتجاه سيناء، وليس من اليمن كما قال الربيعي، ولا إلى الجزيرة العربية كما تقول الدراسات الإسرائيلية الجديدة".