طوق نجاة.. هل تتجاوز موريتانيا كبوة التغيرات المناخية؟
يحصل نحو 47% فقط من سكان موريتانيا على الكهرباء، وحوالي 5% فقط في المناطق الريفية (وفقًا لبيانات عام 2020).
موريتانيا من البلدان الأشد هشاشة تجاه التغير المناخي، فعلاوة على المخاطر المرتبطة بتحديات الاقتصاد الوطني تُجاه الصدمات خارجية المنشأ، فإنّ التأثيرات المناخية إجمالا تصيب القطاعات الحيوية في الاقتصاد الوطني، على نحو خاص.
وأصبحت الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ أكثر تواترا وشدة في موريتانيا، ما أدى إلى تفاقم التحديات طويلة الأمد مثل تدهور الأراضي والبنية التحتية، والإجهاد المائي، وانعدام الأمن الغذائي.
وفي ورقة بحثية عن الحالة الموريتانية نشرها صندوق النقد الدولي، على موقع الرسمي فبراير/شباط الماضي، وهل تستطيع هذه الدولة الشمال أفريقية المحدودة الموارد الاقتصادية، الحد من تأثير الكوارث المناخية على اقتصادها أكد أنه يمكن أن يقطع تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية والكهرباء شوطًا طويلاً نحو تقليل تكاليف النمو من الكوارث المناخية في موريتانيا.
تداعيات التغير المناخي
بعد الجفاف الشديد في عام 2021، واجه 20% من السكان انعدام أمن غذائي حادا، وهو أعلى مستوى في تاريخ البلاد.
كانت الأسر والنساء ذات الدخل المنخفض هي الأكثر تضررا، لأنها تعتمد بشكل غير متناسب على الموارد الطبيعية، ونتيجة لذلك، فإن تكلفة النمو في موريتانيا كبيرة.
وأظهر بحث حديث في هذا السياق أن معدل النمو السنوي للفرد متوسط الأجل في موريتانيا يمكن أن ينخفض بحوالي 0.8 إلى 1 نقطة مئوية إذا اشتد الجفاف بنسبة 10 نقاط مئوية.
ويُقاس معدل حالات الجفاف الشديدة على مدى خمس سنوات، بناءً على تأثيرها على أكثر من 0.01 في المئة من السكان.
وإذا اشتد الفيضان بنفس المقدار، فإن تأثير النمو على المدى المتوسط سيكون حوالي خمس إلى ربع التأثير المرتبط بالجفاف على نمو نصيب الفرد.
كما أن تغير المناخ يشمل الممارسات الاستغلالية غير المناسبة مثل الاستصلاح الزراعي والرعي الجائر وقطع الأشجار، والاستخراج المنجمي، والتلوث وكذلك التحضر الفوضوي.
ويزيد الطلب المتزايد على الغذاء والأعلاف والوقود والمواد الخام من الضغط على الأرض في موريتانيا.
ويؤثر تدهور الأراضي على الإنتاجية البيولوجية والاقتصادية للأراضي، وتوافر الموارد المائية، والتنوع البيولوجي، والقدرة على تخزين الكربون في التربة.
وإلى جانب الآثار البيئية، يزيد تدهور الأراضي من حدة الفقر وانعدام الأمن الغذائي والصراعات.
حلول ممكنة
وفقًا لأحدث الأبحاث يمكن التخفيف من هذه الخسائر من خلال تحسين الرعاية الصحية والكهرباء بما يؤدي إلى:
- توسيع نطاق الحصول على الكهرباء إلى خفض الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الجفاف إلى النصف.
- تساعد الكهرباء في التخفيف من نقص المياه عن طريق تشغيل أنظمة الري ومضخات الآبار الأنبوبية العميقة.
- يمكن محو معظم فقدان النمو على المدى المتوسط من الفيضانات من خلال تحسين الرعاية الصحية.
- نظام رعاية صحية أفضل من شأنه أن يحد من انتشار المرض بعد الفيضانات ويسمح للسكان المتضررين بالعودة إلى العمل في وقت أقرب.
- ويمكن أن يساعد الوصول الأفضل إلى التمويل أيضًا في تعويض الخسائر الناجمة عن موجات الجفاف والفيضانات من خلال توفير حاجز مالي للأسر والشركات أو عن طريق تمويل الاستثمارات في الزراعة المقاومة للكوارث.
في الوقت نفسه، تعمل الحكومة على توسيع إمدادات الكهرباء وتشجيع الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، بهدف الوصول إلى الوصول الشامل بحلول عام 2030.
كما التزمت نواكشوط بالتغطية الصحية الشاملة من خلال توفير الرعاية الصحية المجانية للفئات الأشد فقرا، وعلى ذلك فإن تحقيق تقدم في هذه المبادرات يمكن أن يساعد في الحد من تأثير تغير المناخ.
وتمثل استعادة النظم البيئية المتدهورة رهاناً حقيقيًا للتنمية المستديمة.
وتتيح استعادة الأراضي مزايا متعددة وتساهم في تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية الوطنية: الحفاظ على التنوع البيولوجي، والتخفيف من آثار تغير المناخ والتأقلم معه، والحد من مخاطر الكوارث، وخلق الأنشطة الاقتصادية والتشغيل المباشر، والأمن الغذائي والمائي وحماية الصحة.
خطة موريتانيا
منذ انضمامها للاتفاقية في 1994 لـ"الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغير المناخي" والمصادقة على اتفاق باريس في 2017، أعدّت موريتانيا "إسهامها المحدد على المستوى الوطني" في 2015، إسهاما منها في هذا الاتفاق.
ورفعت موريتانيا طموحها المناخي بهدف جديد لخفض انبعاثات الاحتباس الحراري بنسبة 11% في عام 2030.
ومع مزيد من الدعم يمكن للدولة أن تضمن حيادية الكربون، وربما تصل إلى 92% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
بالإضافة إلى زيادة أهداف التخفيف، عززت موريتانيا عنصر التكيف في مساهمتها المحددة وطنيا، بما في ذلك خلق وظائف خضراء.
وتهدف خطة موريتانيا الوطنية بشأن تغير المناخ إلى أن تكون بمثابة إطار عمل للتشاور والحوار لتصميم برامج المرونة التحويلية التي تلبي احتياجات السكان والنظم البيئية المتأثرة بتغير المناخ.
وهي تعتمد على توجّهات "الإطار الاستراتيجي لمكافحة الفقر" الذي تخلفه اليوم "استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك"، التي تتخذ من التأقلم أولوية. وعلى الرغم من المستوى المحدود جدا لانبعاثاتها، دخلت موريتانيا بعزم سنة 2015 (عبر تعهّد غير ملزم قانونيا) بالإسهام في المجهود العالمي لتخفيض غازات الاحترار، بتخفيض الانبعاثات من تلك الغازات إلى حدود 22,3% في أفق 2030، أي بتخفيض من مرتبة 33,56 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
وفي سنة 2018، قدرت الانبعاثات الصافية من غازات الاحترار في موريتانيا بـ9944,618 جيكاغرام مكافئ CO2، أي 2,5 طن مكافئ CO2 عن الساكن الواحد، ولهذه الانبعاثات مصدران أساسيان، هما قطاع الطاقة وقطاع التنمية الحيوانية (المواشي).
وتجدر الإشارة إلى أن قطاع الطاقات المتجددة -التي تمثل اليوم قرابة 40% من الدمج الطاقي الوطني- وقطاع "الزراعة والغابات واستخدامات أخرى للأراضي" يشكلان روافع هامة في تخفيض غازات الاحترار على المستوى الوطني.