أسبوع موريتانيا.. الغزواني يبدأ عهده بـ"الانفتاح" وعزلة الإخوان تتفاقم
كرست أحداث الأسبوع الماضي وتنصيب الرئيس محمد ولد الغزواني العزلة المتزايدة للإخوان وحزبهم "تواصل" وأبرزت تناقضهم وفشلهم
هيمن تنصيب الرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني والاستعدادات الممهدة له على مجريات أحداث الأسبوع في البلاد وسط اهتمام دولي وزخم شعبي وسياسي.
- وفد إماراتي رفيع يشارك في تنصيب "الغزواني" رئيسا لموريتانيا
- الغزواني عقب تنصيبه رئيسا لموريتانيا: الأولوية للمهمشين
وشغل أول خطاب ألقاه الغزواني بعد أدائه اليمين الدستورية جانبا كبيرا من الأهمية لما حمله من رسائل تكشف ملامح التعاطي مع الشأن السياسي وقيادة البلاد.
كما أبرزت رسائل الرئيس الجديد طابع الانفتاح السياسي على أطياف المشهد وإنصافه للشخصيات التي خدمت البلاد في مختلف الحقب التاريخية، وتثمين إنجازات سلفه الرئيس السابق محمد ولد العزيز لدوره في تعزيز تجربة البلاد الديمقراطية والالتزام بمبدأ التناوب السلمي على السلطة.
وكرست أحداث الأسبوع الماضي العزلة المتزايدة للإخوان وحزبهم "تواصل"، وأبرزت التناقض والفشل التي يتخبط فيها التنظيم منذ مدة، و هي الأزمات التي تجلت في احتدام حدة الصراع والانشقاقات والتراجع المريع في الأداء وفق ما أبانت كشفته الانتخابات الأخيرة.
عهد الانفتاح السياسي
مثّل تنصيب "الغزواني" حدثا بارزا في الحياة السياسية للبلاد، كخطوة هي الأولى من نوعها لانتقال السلطة بين رئيسين منتخبين، تمت بحضور عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية في موريتانيا.
وكانت مناسبة للرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني لاستعراض ملامح برنامجه للمرحلة المقبلة، وشكر الناخبين لثقتهم دون أن ينسى تثمين الحضور الإقليمي والدولي لمشاركة الموريتانيين أفراح اللحظة التاريخية للانتقال السلمي على السلطة.
ويشكل استلام الرئيس الجديد للسلطة في موريتانيا، في نظر المراقبين، بداية عهد جديد من الانفتاح السياسي وتكريس مبدأ الحوار والتشاور بين مختلف أطراف المشهد.
وهو عهد بدأت ملامحه تتضح من خلال الجهود الأخيرة لإطلاق حوار سياسي بين الأغلبية وبعض مرشحي المعارضة للرئاسيات الماضية.
انتقال الرئاسة إلى الغزواني عبر تناوب سلمي وسلس للسلطة يعد كذلك مكسبا للتجربة الديمقراطية للبلاد وتجسيدا لتألق وريادة التجربة الديمقراطية الموريتانية في محيطها الإقليمي والدولي، ينتظر أن ينعكس إيجابيا في نظر المراقبين على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية الاجتماعية والتنموية للبلد، مثلما يساهم في رفع التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها نظرا لموقعها الجغرافي.
واعتبر نقيب الصحفيين الموريتانيين محمد سالم ولد الداه، أن ما يميز مرحلة التناوب الجديدة على السلطة في موريتانيا كونها بين رئيسين منتخبين؛ ما يؤشر بنهاية مرحلة الانقلابات التي شهدتها البلاد في السابق.
وتوقع، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أن تكون البلاد مع تجربة الانتقال السلمي الجديدة "أمام مرحلة ديمقراطية أكثر حيوية تهتم بمعالجة ما وصفها بـ"التحديات الاجتماعية والسياسية التي تواجه موريتانيا".
ورأى أن الانطباع الإيجابي السائد في الأوساط السياسية والشعبية حول شخصية الغزواني يعزز الأمل في تحقيق ما يرمي إليه التداول السلمي والانتقال السلس للسلطة من تمسك بالحوار ومعالجة أولويات المرحلة.
بدوره يعد الكاتب الصحفي سيدي محمد ولد أبه، الملحق الإعلامي في ديوان الرئاسة الموريتانية، أن التداول السلمي للسلطة في البلا، كان مطلبا لدى النخبة السياسية منذ أكثر من 50 عاما.
وأضاف، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن هناك أسبابا داخلية وخارجية متعددة كانت تحول دوما دون تحقيق هذا المطلب، معتبرا أن "هذه التجربة الأولى من نوعها في موريتانيا سترسخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتشجع مناخ الاستثمار وتدفع رأس المالي الأجنبي للاستفادة من هذا المناخ".
الكاتب والمحلل السياسي أحمد مولاي محمد، يرى أن هناك مؤشرات بمرحلة جديدة يميزها انفتاح على المعارضة ومختلف ألوان الطيف السياسي.
واعتبر، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "المؤشرات تكشف تبني سياسة تصالحية شاملة ترتكز على التهدئة والبناء بمشاركة الجميع".
وبدوره يتوقف الإعلامي محمد الأمين خطاري عند الظروف التي جرى فيها حدث الانتقال السلمي للسلطة في موريتانيا، معتبرا أنه يأتي وسط حالة من الهدوء والاستقرار وصلت لحد اعتراف الطيف المعارض ضمنيا بالنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات.
ووصف خطاري، في تدوينة بحسابه على فيسبوك، الحدث بـ"الاستثنائي" معتبرا أنه "يعد محطة ذات دلالة عميقة في الجوار والمحيط الإقليمي في ظل وضع بات فيه مجرد الحفاظ على استقرار البلدان وأمنها الاجتماعي مكسبا يستحق الإشادة والتنويه بفعل أمواج ما يعرف "بالربيع العربي" التي جلبت الدمار إلى مجتمعات ودول لا تزال جراحها مفتوحة".
عزلة وتخبط الإخوان
وفي استمرار لحالة العزلة والتخبط التي يتردى فيها حزب إخوان موريتانيا عقب الهزيمة الساحقة لمرشحهم الرئاسي، كان لافتا خلال الأسبوع المحاولة الفاشلة من التنظيم للالتحاق بالمشاورات الجارية بين الأغلبية ومرشح المعارض بيرام الداه أعبيد من أجل إطلاق حوار وطني.
ففي وقت تمسك فيه الإخوان بالمعارضة كنهج خلال المرحلة المقبلة من خلال بيان حزبهم "تواصل" ظهر التناقض والتخبط على التنظيم عندما ظهر في فقرة أخرى من البيان نفسه كمن يستجدي الحوار ويطالب به بين أطراف المشهد السياسي.
موقف اعتبره بعض المراقبين استمرارا لحالة التصدع والانقسامات والتباين في الآراء بين قيادات الإخوان خاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها محمد ولد الغزواني.
وظهرت الانقسامات بداية من الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية رشح فيها رئيس الوزراء الموريتاني آنذاك محمد ولد بوبكر نفسه لمنافسة محمد ولد الغزواني.
واختلف أعضاء التنظيم حينها على المرشح الذي سيؤيده الحزب، حيث فضل محمد جميل منصور القيادي المؤسس للتنظيم دعم محمد ولد الغزواني، فيما أيد أعضاء آخرون رئيس الوزراء محمد ولد بوبكر.
وظهرت الانقسامات للعلن حينما هنَّأ محمد جميل منصور، الغزواني إلى جانب عدد كبير من قيادات التنظيم، في حين ذهبت القيادة الحالية للحزب في اتجاه معاكس عندما وقَّعت مع عدد من أحزاب المعارضة بيانا يرفض نتائج الانتخابات.
كما وجه محمد جميل منصور، الرئيس السابق المؤسس لحزب إخوان موريتانيا (تواصل)، في الفترة الأخيرة انتقادات ضمنية إلى قيادات الإخوان، على خلفية موقفهم من دعم المرشح الرئاسي رئيس الوزراء محمد ولد بوبكر.
وشكلت سلسلة تدوينات ولد منصور- أكبر منظري التنظيم في موريتانيا، المنتقدة لخطه السياسي- ضربة قوية لوحدة التنظيم الداخلية، ووجهت له أكبر صفعة لحزبه منذ إنشائه عام 2007.
أزمة الإخوان في موريتانيا عكستها أخيرا نتائج الانتخابات الرئاسية بالتراجع المريع للتنظيم وخروجه بشكل كلي من نواكشوط التي كان يسيطر على اثنتين من بلدياتها التسعة.
فيما حلّ المرشح المدعوم من التنظيم في المرتبة الثالثة متراجعا إلى الخلف، عكس أغلب التوقعات.
وتوالت خلال الأشهر الأخيرة الانشقاقات التي دبت في التنظيم بعيد إعلان حزبهم "تواصل" دعم المرشح المهزوم في الانتخابات الرئاسية المنصرمة محمد ولد بوبكر.
وهي الخطوة التي أدت إلى تمرد العديد من القيادات المؤسسة للتنظيم والأطر الشبابية والكتل الانتخابية عن الحزب والتحاقها بالرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني غداة ترشحه للرئاسيات.
ولا يعد انشقاق القيادات وتمرد الكتل الشعبية عن السيطرة، المأزق الوحيد الذي يتردى فيه التنظيم الإرهابي على الساحة الموريتانية؛ بل تأتي هذه الانشقاقات متناغمة مع استمرار حملة الهدم والإغلاق ضد الجمعيات المحسوبة عليه التي بدأت هي الأخرى تسقط تباعا وبوتيرة متصاعدة في قبضة الأمن.
وبين مطرقة الانشقاقات وسندان إغلاق الجمعيات يترنح التنظيم ويتلقى الضربات التي تهدد كيانه، وفق ما يخلص إليه كثير من المراقبين للوضع الموريتاني.