خبراء تونسيون: "وثيقة مكة" مرجعية القرن الـ21 للوسطية والاعتدال
الوثيقة التي تحمل في جوهرها مضامين إنسانية مهمة خلقت ردود فعل إيجابية لدى العديد من الأكاديميين التونسيين والعلماء الدينيين
قال خبراء تونسيون إن "وثيقة مكة" تعد مرجعية القرن الـ21 للوسطية والاعتدال، وتساهم في مقاومة الغلو والتشدد الديني الذي تعاني منه المنطقة العربية في الآونة الأخيرة.
وأقرت، أمس الأربعاء، 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة، يمثلون 27 مكونا إسلاميا من مختلف المذاهب والطوائف، وثيقة مكة المكرمة ضد العنصرية والكراهية.
هذه الوثيقة التي تحمل في جوهرها مضامين إنسانية هامة خلقت ردود فعل إيجابية لدى العديد من الأكاديميين التونسيين والعلماء الدينيين.
وتعد بمثابة دستور تاريخي يرسي قيم التعايش بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب في البلدان الإسلامية من جهة، وتحقيق السلم والوئام بين مكونات المجتمع الإنساني كافة من جهة ثانية.
وتسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود "وثيقة مكة المكرمة"، الصادرة عن المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي.
وقال خادم الحرمين عقب تسلمه الوثيقة "يسعدني الترحيب بكم، وأنتم تجتمعون في هذه الرحاب الطاهرة والأيام والليالي المباركة حول موضوع مهم، يتناول قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة، التي جاءت بالرحمة والخير للإنسانية جمعاء، ودعت إلى مكارم الأخلاق، وأوضحت منهج الإسلام المعتدل، فنحن أمة وسط، فلا تشدد ولا غلو، قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}".
الأكاديمي التونسي عبد السلام القرطبي قال إن وثيقة مكة الداعية للتعايش السلمي تتنزل ضمن جوهر قيم التسامح التي أتى بها الدين الإسلامي.
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن هذه الوثيقة ضرورية في هذا الظرف الذي يعيش فيه العالم تحديات الإرهاب والتقاتل على الهوية.
وأوضح القرطبي، رئيس جمعية "مالك بن أنس" (أهلية) التي تأسست سنة 1985 من رحم جامع "الزيتونة" المعمور، أن الوثيقة تنتصر لقيمة الإنسان بعيدا عن التعصب المذهبي والطائفي، مشيرا إلى أن الجمعية تعتبرها خطوة رئيسية في تكريس فلسفة التعايش بلا فتنة ولا اقتتال.
وأشار أستاذ الحضارة العربية بالجامعة التونسية إلى أن الجمعية ستقوم بتنظيم ندوات فكرية في القريب العاجل لقراءة أبعاد هذه الوثيقة الكونية، ودورها في تقريب وجهات النظر بين مختلف الحساسيات الدينية، مؤكدا في الاتجاه نفسه أن المملكة العربية السعودية تلعب دورا مهما في نبذ العنف والتطرف.
مرجعية القرن الحادي والعشرين
بدوره، رحب عز الدين العرباوي، الإمام بجامع الزيتونة، بهذه الوثيقة قائلا إن "وثيقة مكة" ستشكل مرجعية القرن الحادي والعشرين في التعايش السلمي، خاصة أنها تنبعث من مكان مفعما بالروحانيات في هذا الشهر الكريم.
وأوضح العرباوي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أنه بإمكانها أن تساهم في مقاومة الغلو والتشدد الديني الذي تعاني منه المنطقة العربية الإسلامية.
وأضاف العرباوي، وهو أحد شيوخ المدرسة الزيتونية في تونس، أن أهمية الوثيقة تكمن في عدد الشخصيات الإسلامية المشاركة فيها وفي قيمتهم العلمية والأكاديمية في اختصاص الشريعة وأصول الدين.
وأكد أن جامع الزيتونة باعتباره معلما إسلاميا ضاربا في التاريخ (تأسس سنة 698 ميلادي) يبارك هذه الوثيقة التي تجعل من التسامح جوهرا أساسيا للتعايش المشترك بين مختلف المذاهب والطوائف والأعراق.
خدمة الإنسانية ضد الإرهاب
جلال القاسمي، الأكاديمي التونسي، قال إن وثيقة مكة بإمكانها أن تلعب دورا تاريخيا في إنهاء الصراعات الدينية، قائلا إنها تشبه ميثاق "واست فالي" الذي تم توقيعه في أوروبا سنة 1648 لإنهاء الحروب الدينية في ذلك الوقت.
وأوضح أستاذ التاريخ، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الأمم المتحضرة هي التي تصنع مرجعيات لتحديد أسس التعايش، وهي التي تدفع نحو إرساء معايير الاحترام بين الأفراد بعيدا عن خطابات الهيمنة والتدخل في شؤون الغير للتأثير الطائفي أو العرقي.
ودعا القاسمي إلى ضرورة تعميم هذه الوثيقة على المعاهد والكليات والمراكز الأكاديمية لجعلها موضوع نقاش جماهيري ونخبوي في نفس الوقت، متوقعا أن تكون هذه الوثيقة مادة دسمة خلال الأيام القادمة لمراكز البحث في الجامعات التونسية والمغاربية عموما.
وأشار إلى أن التسامح والاعتدال يبنيان "رقي الإنسان" في ظل المنسوب العالي للتوحش الإرهابي الذي يضرب أكثر من بلد ومنطقة.
وأكد أن الأكاديميين في تونس عانوا كثيرا من انعكاسات التطرف والتكفير والاعتداءات الإرهابية، وأن المفتاح الوحيد للتقليص من حدة العنف المذهبي والطائفي هو العمل على نشر التسامح.
وجاءت أبرز بنود الوثيقة، والتي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها، أن مكافحة الإرهاب والظلم والقهر ورفض استغلال مقدرات الشعوب وانتهاك حقوق الإنسان واجب على الجميع، كما حثت الوثيقة على الاقتداء بتجارب التنمية الناجحة عالمياً في ردع أشكال الفساد وإعمال مبدأ المحاسبة.
واستعرضت الوثيقة أيضاً طريق الخلاص من التطرف عبر تحصين المجتمعات المسلمة، في مسؤولية ملقاة على عاتق مؤسسات التربية والتعليم والمجتمع المدني، ومنصات التأثير خاصة منابر الجمعة.
جاء ذلك في البيان الختامي لمؤتمر "قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة"، الوارد تحت اسم "وثيقة مكة" ضمنه المجتمعون عصارة 3 أيام من الاجتماعات المكوكية في 29 بنداً.
aXA6IDE4LjExOC4xNDkuNTUg جزيرة ام اند امز