إيران والإعلام الأجنبي.. قوانين "على المقاس" تخمد الحقائق
"قوانين على المقاس" تضبط بها طهران تحركات مراسلي وسائل الإعلام الأجنبي، في دائرة مغلقة يزيد قطرها أو يضيق بحسب طبيعة المستجدات بالبلاد.
مراقبة مستمرة وتضييقات ومنع من التنقل بين المدن، وقوانين تعجيزية تضعها السلطات الإيرانية بهدف عرقلة عمل مراسلي وسائل الإعلام الأجنبي على أراضيها.
"قوانين على المقاس" تضبط بها طهران تحركات هؤلاء الصحفيين، في دائرة مغلقة يزيد قطرها أو يضيق بحسب طبيعة المستجدات بالبلاد، وبحسب الزاوية التي تريد السلطات تغطية الأحداث عبرها.
- تحالف الإخوان-إيران.. مشروع الإرهاب لغزو العالم برعاية بريطانيا
- خبير أمريكي: نهج جديد لترامب في مواجهة التهديد الإيراني
تضييقات تفرض على هؤلاء المراسلين، سواء كانوا محليين أو أجانب، للحصول على ترخيص من السلطات الإيرانية للخروج من طهران والتنقل من مدينة لأخرى، ما عقد تغطيتهم للاحتجاجات التي اندلعت في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي جراء الفساد السياسي والاقتصادي.
مريم بيرزاده، مراسلة وسيلة إعلام فرنسية بالعاصمة الإيرانية طهران، كانت من بين الصحفيين المعنيين بتغطية تلك الاحتجاجات، في إطار تغطية موسعة لتطور الأحداث في بلد لا يخشى قادته أمرا مثل خوفهم من الصحفيين ومن نقل حقيقة ما يحدث للخارج.
مريم تحدثت عن عملها كمراسلة للصحافة الفرنسية في إيران، قائلة إن طبيعة المكان تجعل من عملها مفتوحا على جميع الاحتمالات، ومحكوما بقرارات لا تنضب من قبل سلطات البلاد.
شروط "غير بريئة"
ففي إيران، تفرض السلطات على الصحفيين المتعاونين العمل مع وسيلة إعلام أجنبية واحدة فقط، رغم أن نظراءهم في شتى أنحاء العالم يعملون في الآن نفسه مع أكثر من وسيلة إعلامية؛ تلفزيون وراديو وصحافة مكتوبة وغيرها، سعيا نحو تأمين احتياجاتهم.
لكن في إيران، تفرض السلطات قوانين خاصة بالعمل الصحفي، وخصوصا بالنسبة للمتعاونين مع وسائل الإعلام الأجنبية، حتى أن مراقبين يرجعون ذلك إلى أن طهران ترمي من وراء ذلك لضمان استمرار حالة الفاقة والاحتياج للصحفي، ما يجعل أول اهتماماته تلبية احتياجاته عوض الاهتمام بالإشكالات السياسية والواقع المعقد بالبلاد.
شروط تفرضها طهران على مراسلي الصحافة الأجنبية، وصفتها مريم بـ "غير البريئة"، خصوصا وأن اكتفاء أي مراسل حر بالعمل مع وسيلة إعلامية واحدة أمر من الصعب ضمانه، ومع ذلك تشترط السلطات أن يكون جميع مراسلي الصحافة الأجنبية مسجلون لديها، وأن يكون عملهم لفائدة وسيلة إعلامية واحدة.
مريم أشارت أن مجال تحرك مراسلي الصحافة الأجنبية في إيران محدود للغاية، حيث تخضع جميع تحركاتهم ومقابلاتهم للمراقبة، وفي حال أردوا التنقل من مدينة لأخرى، فعليهم الحصول على ترخيص، وغالبا لا يحصلون عليه في واقع الحال.
الحصار الإعلامي
الصحفية استشهدت بالاحتجاجات التي هزت إيران مؤخرا، تنديدا بغلاء الأسعار، قبل أن تتخذ منحى سياسيا بلغ حد الدعوة إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه.
فخلال هذه الأحداث، قالت الصحفية إن المراسلين الموجودين بطهران لم يحصلوا على تراخيص تغطية الاحتجاجات التي امتدت لأكثر من 80 مدينة إيرانية، ليجدوا أنفسهم بذلك مجبرين على البقاء في العاصمة حيث لم تكن وتيرة الغضب على أشده كما كانت في مدن أخرى.
مريم لفتت أيضا إلى أن القنوات الأجنبية حرمت بذلك من تصوير تلك الأحداث.
وبفعل الحصار الإعلامي المفروض، كان من البديهي أن تنتشر الأخبار المزيفة ومقاطع الفيديو المشكوك بأمرها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما زرع نوعا من الخلط في عقول الناس، وأخمد، في النهاية، أنفاس حراك اجتماعي لم يكن خاضعا لأي املاءات إيديولوجية أو لتعليمات من أي جهة كانت.
مريم، الصحفية الفرنسية التي تعيش في طهران، عادت، في تصريحات إعلامية، على خفايا احتجاجات بلغت أوجها بشكل سريع للغاية، قبل أن تخمد بفعل أسباب عديدة.
ورغم محاولات نظام الملالي التقليل من أهمية هذا الحراك، وتقزيم أبعاده، إلا أنه فشل في إخفاء درجة الغليان بالشارع الإيراني التي أظهرتها الاحتجاجات.
"الإيرانيون لا يريدون ثورة"، تقول مريم، "فلقد حصلوا على واحدة منذ نحو 40 عاما، ولا يريدون فعل ذلك مرة أخرى، لأن ما يريدونه فعلا هو تطوّر مجتمعهم، والمظاهرات هي أداتهم لإيصال رسائلهم للسلطات".