يتحوّل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي إلى ميدانٍ يتنافس فيه الفكر والمهارة أكثر من المنصب أو المعرفة الشخصية.
ومع هذا التحوّل، تبرز الحاجة إلى معايير جديدة لاختيار الإعلاميين القادرين على قيادة المشهد العالمي بمهنية ووعي وإنسانية. كما ينبغي على أقسام الإعلام في الجامعات أن تعمل على إعداد جيلٍ جديدٍ من الإعلاميين المؤهلين لعصر إعلام الذكاء الاصطناعي .
في زمنٍ تتسارع فيه التقنيات وتتشابك فيه الثقافات، لم يعد يكفي أن يكون الإعلامي فقط صاحب لسانٍ فصيحٍ أو قلمٍ قوي، بل يجب أن يمتلك عقلًا رقميًا يفهم التكنولوجيا، وقلبًا إنسانيًا يدرك أثر الكلمة. فالإعلام اليوم لم يعد مجرد نقلٍ للحدث، بل أصبح تحليلًا واستشرافًا وصناعةً للسرد المؤثر.
أولى معايير الإعلامي المستقبلي هي الكفاءة والمعرفة الرقمية؛ فالإلمام بالذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والتعامل مع المنصات المتعددة، أصبحت متطلبات أساسية. ومن لا يجيد أدوات العصر سيتجاوزه الزمن سريعًا. أما المعيار الثاني فهو التفكير التحليلي والاستراتيجي؛ فالمهارة لم تعد في سرعة النشر، بل في القدرة على فهم خلفية الخبر وربط الأحداث ببعضها لبناء وعيٍ جماعيٍ ناضج.
ولا يقل عن ذلك أهميةً معيارُ النزاهة والمسؤولية؛ فالإعلامي اليوم يحمل أمانة الكلمة في زمنٍ أصبحت فيه الشائعات تنتشر أسرع من الضوء. المصداقية ليست خيارًا بل هوية، والالتزام بالقيم الوطنية والإنسانية هو ما يمنح المحتوى قوته واحترامه.
وفي عالمٍ متنوع الثقافات، تبرز الحاجة إلى إعلاميين من خلفياتٍ متعددة، يتم اختيارهم بناءً على الكفاءة لا الجنسية، وعلى المهنية لا المعرفة الشخصية. فالتنوع في الفرق الإعلامية يعزّز المصداقية الدولية ويضيف عمقًا إلى السرد والرؤية. ومع ذلك، تبقى القيادة التحريرية الوطنية ضرورةً لترسيخ الهوية وحماية الخطاب الوطني.
الإعلامي في المستقبل هو مزيجٌ من المفكر والمبدع والمبرمج؛ يعمل بلغة العالم ويحمل روح وطنه، يجمع بين العلم والضمير، بين التقنية والقيم. ومع كل هذا التطور، تظل الحقيقة البسيطة قائمة:
الكلمة تبقى أقوى من التقنية، حين تصدر عن عقلٍ ناضجٍ وقلبٍ صادق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة