لم تعد علاقة الحركة الإسلامية السودانية بالمؤسسة العسكرية موضع جدلٍ بين السودانيين.
فالسؤال لم يعد عن مدى تغلغل الإسلاميين داخل الجيش، بل أصبح السؤال: أين هم أولئك الذين ليسوا من الإسلاميين داخل الجيش؟!
يتساءل البعض، والحال كذلك، أليس من الأفضل لهم، ولنا، وللعالم كله، أن تُسمّى الأشياء بأسمائها، ويُعلنوه رسمياً: "الجيش الإسلامي السوداني"، على غرار شقيقه "الحرس الثوري الإيراني"؟ خصوصاً وأن في "جيشنا" اليوم وليّاً، وفقيهاً، وعقيدته التقيّة!
أمس الأول، انهارت المفاوضات غير المباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في واشنطن، والتي كانت تهدف إلى التوصل إلى هدنة إنسانية تتيح إدخال المساعدات إلى المدنيين المنكوبين بالجوع والمرض. وقد جاءت هذه المفاوضات كمخرجٍ من مخرجات اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، والإمارات، والسعودية، ومصر)، في اجتماعها السابق بتاريخ 12 سبتمبر الماضي، والتي أعلن الطرفان حينها موافقتهما عليها.
لكن المفاوضات لم تستغرق يوماً واحداً، وربما جلسة واحدة، حتى ظهر ما وراء الأقنعة. فوفد الجيش رفض التوقيع على هدنة لثلاثة أشهر، معرقلاً الوصول إلى أيّ اتفاقٍ إنسانيٍّ محتمل!
لم يكن ذلك مفاجئاً، إذ لا الوفد يملك قراره، ولا قائده يملك أمره؛ فالأمر - كل الأمر - بيد "الوليّ الفقيه"، ذلك الذي يقف خلف الستار، ممسكاً بزناد الحرب، يطلق رصاصتها الأولى، فتتداعى خلفه الكتائب والمليشيات خراباً ودماراً!
الحقيقة التي لم تعد تحتمل الإنكار هي أن قيادة الجيش مختطفة بالكامل بيد الحركة الإسلامية، التي أشعلت الحرب لا دفاعاً عن وطنٍ، بل شهوة في عودة مفقودةٍ إلى السلطة. ويرى قادتها في استمرارها وقوداً لمشروعهم السلطويّ المتهاوي، لا يوقفهم في مسعاهم المدمر هذا أنينُ مريضٍ ولا جوعُ طفلٍ.
إن من ينتظر من الإخوان المسلمين - ليس في السودان فحسب، بل أينما كانوا - رحمة أو إنسانية، كمن يكلّف "جاك السفّاح" بإدارة ملجأٍ للأيتام، ثم ينتظر منه رعاية وعطفاً!
بسقوط جولة مفاوضات واشنطن، سقطت آخر أوراق التوت عن الإسلاميين/الجيش، وانكشف وجههم الحقيقي: لا يريدون سلاماً ولا استقراراً، بل يسعون إلى سلطةٍ تُقام على أنقاض الوطن وجثث أبنائه. تلك هي الحقيقة العارية التي ينبغي للعالم أن يراها كما هي، لا كما تُرسم في مخيّلته، المستمدّة من البيانات الدبلوماسية الباردة.
على المجتمع الدولي، إن كان جاداً في إنقاذ السودانيين ومساعدة السودان، أن يُعيد النظر جذريّاً في نهجه، وأن يرقى إلى مستوى مسؤوليته الأخلاقية قبل السياسية. فلم يعُد مقبولاً التعامل مع هذه الجماعة المختطفة للجيش كما لو كانت جيش دولة، بل كتنظيمٍ إرهابيّ يملك السلاح ولا يملك العقل، وله امتدادات خارجية خطيرة لا تخفى.
إن ما يجري في السودان اليوم ليس حرباً أهلية، بل حرب يشنها تيار إسلامي هو الأخطر والأكثر تنظيماً بين تيارات الإسلام السياسي، ضد شعب بأكمله، ويسعى إلى تحويلها إلى حرب أهلية لإخفاء أجندته السلطوية. والسكوت عنه، بعد كل هذا الخراب، لم يعُد تدخلاً دبلوماسياً ولا حياداً، بل مشاركة في الجريمة ذاتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة