حضرتُ اليوم الأول من قمة الإعلام العربي في دبي، والتي شهدت زخماً لافتاً في الطروحات وتنوعاً في الجلسات، وسط حضور كثيف من الإعلاميين والصحفيين من مختلف الأقطار العربية.
إلا أن القاسم المشترك الذي خيَّم على معظم النقاشات، بل وتكرر حضوره في كل جلسة، كان الدعوة إلى ضرورة تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديث التشريعات المنظمة للإعلام الجديد، وتوعية الصحفيين والناشطين بأسس النشر الأخلاقي والمهني والقانوني.
هذه الدعوات، على الرغم من أهميتها، تكشف عن أزمة أعمق نعيشها اليوم؛ إننا أمام متلازمة ثلاثية الأبعاد يتداخل فيها الإعلام بالقانون وبالأخلاق، في معادلة شديدة الحساسية، تتطلب توازناً دقيقاً يصعب تحقيقه في ظل فوضى النشر المفتوح والتدفق المعلوماتي غير المسبوق.
لقد تحول الإعلام من أداة لنقل الأخبار إلى سلطة مؤثرة في تشكيل الرأي العام، وفي بعض الحالات، إلى سلاح يُستخدم لزعزعة الاستقرار، أو للتأثير في سياسات الدول والمجتمعات. ومن هنا تأتي خطورة المرحلة، ومن هنا أيضاً تظهر أهمية أن يكون الإعلامي اليوم ليس فقط ناقلاً للمعلومة، بل مسؤولاً قانونياً وأخلاقياً عن أثرها ونتائجها.
ففي كل جلسة من جلسات القمة، كان النقاش يدور - بشكل أو بآخر - حول فوضى منصات التواصل، وما تبثه من إشاعات وأخبار زائفة؛ إذ نحن اليوم أمام تحول جذري في طبيعة الإعلام نفسه، حيث لم يعد الصحفي هو "بوابة الحقيقة" الوحيدة، بل أصبح كل ناشط رقمي صحفياً افتراضياً، يمارس التأثير، وربما التضليل، دون تدريب مهني أو وعي قانوني.
وكذلك، فالصحفي اليوم بحاجة إلى أدوات جديدة ومهارات عصرية، ليس فقط في التحقق من الأخبار، بل في فهم القوانين الناظمة لعمله، وفي إدراك الحدود الفاصلة بين حرية التعبير والمسؤولية القانونية. وهنا، تبرز مسؤولية الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والأكاديميين والقانونيين في تطوير مناهج التأهيل والتدريب، وتحديث التشريعات لتواكب التحولات الرقمية دون أن تمس بحرية الرأي أو تُستخدم كذريعة للرقابة.
لكن، بالرغم من ذلك كله، فالقانون وحده لا يكفي. وما لم تُبنَ أخلاقيات المهنة على أسس راسخة، وما لم يُحصّن الإعلامي بثقافة المسؤولية، فإن أية قوانين تنظيمية ستظل عاجزة عن ضبط الفوضى؛ فنحن بحاجة إلى تجديد مواثيق الشرف الإعلامي، وتوسيع الحوار حول القيم التي ينبغي أن تحكم العمل الإعلامي في زمن الذكاء الاصطناعي.
في المحصلة، فإن الإعلام، في صيغته الحديثة، لم يعد وظيفة ناقلة للحدث، بل أصبح بنية اجتماعية وثقافية وقانونية معقدة. وهذه البنية لن تستقيم إلا إذا أدركنا أن الإعلام "لا يعيش في فراغ"، بل هو نتاج بيئة قانونية، وممارسة أخلاقية، وثقافة مهنية. ومن هنا، فإن متلازمة الإعلام والقانون والأخلاق ليست أزمة، بل فرصة لإعادة تعريف العلاقة بين المجتمع ووسائل إعلامه.
فقط حين يتحقق هذا التكامل، يمكن أن نؤسس لإعلام عربي قادر على مواكبة العصر دون أن يفقد بوصلته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة