منذ تأسيسه في عام 1928، شكّل تنظيم الإخوان مشروعًا أيديولوجيًا شموليًا خطيرًا ويطمح إلى إعادة صياغة المجتمعات والدول، وتغليب "الجماعة" على الدولة.
وكذا السعي إلى إقامة بنى موازية تستبدل المؤسسات الوطنية، وتعتمد الولاء التنظيمي معيارًا أساسيًا للانتماء، بدلاً من الهوية المدنية الجامعة.
وتكمن الخطورة القصوى لهذا التنظيم في قدرته العالية على التغلغل داخل النسيجين المجتمعي والمؤسسي، مستفيدًا من خطاب مزدوج يُظهر الاعتدال في العلن، بينما يُخفي في العمق نزعة إقصائية ترفض التعدد والاختلاف، وتختزل الهوية الوطنية في عقيدة التنظيم وأهدافه العابرة للحدود. وقد استطاع، عبر عقود، أن يوظف أدوات العمل الخيري والتربوي والدعوي كوسائل ناعمة لبناء نفوذ متصاعد، لم يقتصر تأثيره على المساجد والمدارس، بل امتد ليشكّل قناعات وولاءات موازية تهدد التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي للدول المستهدفة.
وفي ظل هذا التهديد المركب، لم يعد من الممكن الركون إلى المقاربات الأمنية وحدها لمجابهته، بل بات الأمر يتطلب استجابة فكرية واستراتيجية بعيدة المدى، تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الأيديولوجية والثقافية والتنظيمية لهذا المشروع الشمولي.
وقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الخطر مبكرًا، وتمكنت من بلورة مقاربة شاملة ومتكاملة للتصدي له، شكّلت نموذجًا في الحزم والوعي والفاعلية.
فقد كانت الإمارات من أولى الدول التي أعلنت، بوضوح وجرأة، تصنيف تنظيم الإخوان جماعة إرهابية عام 2014، واضعة بذلك حدًا فاصلًا بين منطق المهادنة والانخراط الجاد في مجابهة هذا التهديد.
ولم تقتصر جهودها على المجال الأمني، بل دشّنت مسارًا فكريًا ومؤسساتيًا غير مسبوق، تمثّل في تأسيس عدد من المراكز البحثية والفكرية التي اضطلعت بدور محوري في تفكيك سرديات الجماعة، وكشف زيفها الأيديولوجي، وإبراز تناقضاتها الفكرية والسياسية.
وفي موازاة ذلك، عملت الإمارات على تجفيف منابع التمويل التي يستخدمها التنظيم للتمدّد، من خلال ضبط الجمعيات الوهمية، ومراقبة تدفقات الأموال، ومنع استغلال الفضاءين الخيري والدعوي لأغراض حزبية متطرفة. وقد عزّزت هذه الجهود من خلال شراكات دولية فعالة، جعلت منها شريكًا محوريًا في الجهود العالمية لمكافحة التطرف، سواء عبر التحالفات الأمنية، أو من خلال المنصات الفكرية التي تسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الدين والدولة على أسس عقلانية وحداثية.
إن التجربة الإماراتية في مواجهة تنظيم الإخوان تُمثّل نموذجًا متقدّمًا يجمع بين الحزم السياسي والعمق الفكري، وبين الاستراتيجية الأمنية والرؤية الثقافية، وبين تمكين الدولة وتحصين المجتمع. وهي بذلك لا تكتفي بحماية حدودها من خطر التطرف، بل تسهم في إعادة صياغة الخطاب العربي والإسلامي المعاصر، وبلورة مشروع حضاري يقوم على المواطنة، والانتماء الوطني، وسيادة الدولة، في مواجهة كل المشاريع الأيديولوجية العابرة التي أثبتت كل التجارب أنها مدمرة للمجتمعات، والأوطان، والإطار الأخلاقي والقيمي للدين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة