لطالما أولت دولة الإمارات اهتمامًا بالإنسان، من إيمانها التام بأنه الأساس لبناء الأوطان، ومن منطلق حرصها على إرساء نهج الإنسانية والتسامح، نراها تسارع إلى مد يد العون للمحتاجين في أنحاء العالم.
وخير دليل على ذلك ما قامت به من دعم لكثير من الدول خلال جائحة كورونا، حيث قامت بتلبية أكثر من 85% من عمليات الدعم للدول بالمواد الأساسية عالميًا.
ومن أكبر هذه العمليات، عملية الفارس الشهم، التي تعد نموذجًا رائدًا للعمل الإنساني والإغاثي الذي تتبناه دولة الإمارات العربية المتحدة في مناطق النزاعات والكوارث حول العالم. ولكن لماذا هذا الاسم بالذات، الفارس الشهم؟
يرمز اسم "الفارس الشهم" إلى القيم النبيلة التي تحرص الإمارات على ترسيخها، من خلال الإيحاء بالأصالة والشهامة العربية، الفارس الذي يمتطي صهوة جواده، إذ تستلهم بشعارها مآثر المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أرسى ثقافة العطاء بلا حدود، وجعل منه ركيزة أساسية في سياسة الدولة، منبعها الخير والإنسانية، تتجلى في مقولة الشيخ زايد، طيب الله ثراه: "الثروة الحقيقية هي العمل الصالح الذي نقدمه للإنسانية".
من أفغانستان إلى سوريا وتركيا، وصولًا إلى غزة، أضحت عملية الفارس الشهم عنوانًا للعطاء ومثالًا يُحتذى في الإنسانية، ترتكز على استجابة عاجلة وشاملة لإنقاذ الأرواح وتقديم الدعم للمتضررين، مما يعكس التزام الإمارات بدورها الإنساني العالمي.
أفغانستان انطلاقة الفارس الشهم
أولى عمليات الفارس الشهم هي عملية الفارس الشهم 1 في أفغانستان، وبالتحديد أغسطس/آب 2021، إبان سقوط كابل، ومع تصاعد الاضطرابات وتفاقم الأزمة الإنسانية، سارعت الدولة لتقديم الدعم للأشقاء في أفغانستان، وقامت بإطلاق عملية الفارس الشهم 1، حيث تم تشكيل جسر جوي، من خلاله تم إجلاء أكثر من 15,000 شخص من جنسيات مختلفة، من خلال تسيير 71 طائرة، حيث قدمت لهم الإمارات الدعم الإنساني، وقامت باستضافة الآلاف في مدينة الإمارات الإنسانية مؤقتًا، حيث أضحت هذه العملية نموذجًا للتعاون الدولي لإنقاذ المدنيين والتخفيف عنهم في ظل الأزمات.
زلزال سوريا وتركيا وانطلاقة الفارس الشهم 2
في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير/شباط 2023، سارعت الإمارات بإطلاق عملية الفارس الشهم 2، من منطلق واجبها الإنساني والأخلاقي تجاه الأشقاء في سوريا وتركيا تخفيفًا عنهم، حيث اشتملت العملية على إنشاء مستشفى ميداني متكامل في تركيا لتقديم الرعاية الطبية العاجلة. وقامت بإنقاذ 36 شخصًا من تحت الأنقاض عبر فرق البحث والإنقاذ الإماراتية، ناهيك عن توفير أكثر من 15 ألف طن من المساعدات التي تضمنت معدات طبية ومواد غذائية وإيوائية، وتوفير 1500 وحدة سكنية للمشردين، فضلًا عن حملة "جسور الخير" التي أُطلقت في مدن الدولة، وهرع أبناء المجتمع الإماراتي من مختلف الجنسيات والأعمار لتجهيز المساعدات والطرود الإغاثية العاجلة، مما يؤكد على روح التعاون والإخاء بين أفراد المجتمع الإماراتي، وروح الإنسانية التي تسود في الإمارات.
عملية الفارس الشهم 3.. غزة في وجدان الإمارات
تصاعدت الأزمة الإنسانية في غزة، وعانى منها الصغير والكبير، فما كان من الإمارات إلا أن أطلقت عملية الفارس الشهم 3 كأكبر حملة إغاثة تم إطلاقها وما زالت مستمرة، وفيما يلي أبرز ما تم تحقيقه حتى الآن:
الدعم الطبي والصحي:
إنشاء مستشفى ميداني داخل غزة في ديسمبر/كانون الأول 2023، وعمل على تقديم العلاج لأكثر من 51 ألف حالة، ويحتوي على 200 سرير.
المستشفى العائم في العريش، تم تدشينه في فبراير/شباط 2024، ويضم 100 سرير للمرضى ومثلها للمرافقين، ومجهز بأحدث التقنيات ووحدات العناية المركزة وأقسام الأشعة والمختبرات، حيث تم تقديم الخدمات لأكثر من 10,870 حالة.
إرسال 17 سيارة إسعاف لدعم منظومة الصحة الميدانية في قطاع غزة.
نقل أكثر من 2,374 مريضًا للعلاج في مستشفيات الدولة.
مشاريع المياه:
تدشين 6 محطات لتحلية المياه لتوفير مياه الشرب النظيفة.
مشاريع صيانة الآبار المركزية التي تساهم في إيصال المياه للقطاع.
البنية التحتية والخدمية:
إرسال 12 صهريج مياه لدعم الخدمات الأساسية.
صيانة خط أنابيب المياه والصرف الصحي في خان يونس.
المساعدات اللوجستية:
بحرًا، أرسلت الإمارات 14 سفينة إغاثة محملة بالمساعدات التي تنوعت بين طرود غذائية وطبية، وسيارات إسعاف، ومواد إيواء، ومواد ومستلزمات شخصية لجميع أفراد الأسرة.
جوًا، أكثر من 610 رحلات جوية ساهمت في إيصال هذه المساعدات.
برًا، 4,000 شاحنة نقل ساهمت في إيصال الدعم بشكل فعّال ومنتظم.
مبادرات أخرى:
استقبال 33 طالبًا فلسطينيًا من غزة للدراسة في مؤسسات الدولة التعليمية، ضمن برنامج استثنائي تتكفّل به دولة الإمارات دعمًا لمستقبل الشباب.
دعم 21 مخبزًا بالطحين وتشغيلها لتوفير الخبز لأهالي القطاع، وأيضًا تدشين عدد من المخابز الأوتوماتيكية التي أرسلتها الإمارات وتقدم الدعم لأكثر من 420 ألف شخص، حيث تبلغ طاقتها 17,500 رغيف في الساعة وتعمل على مدار الساعة.
تشغيل 50 مطبخًا خيريًا ميدانيًا في القطاع.
تنفيذ عملية “طيور الخير” لإسقاط المساعدات جوًا إلى المناطق المحاصرة أو التي يصعب الوصول إليها.
وفي الختام، يتجلّى لنا مما ذُكر أن عملية الفارس الشهم ليست مجرد مبادرات إغاثية عابرة، بل هي إرث إنساني يعكس رؤية الإمارات في مد يد العون لكل محتاج، بغض النظر عن الحدود أو الخلافات السياسية. من خلال هذه العملية، تؤكد الدولة مجددًا أنها الفارس الشهم، الذي يتجلّى بروح زايد وبقلب إنساني وعزيمة لا تلين، لمواجهة المعاناة وتقديم الأمل حيثما تدعو الحاجة، لتبقى الإمارات منارة للخير والعطاء، تُغيث الملهوف، وتُداوي الجريح، وتُخفف عن من تقطعت بهم السبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة