في مثال صارخ على الدعاية الإرهابية يأتي "داعش" الذي أحدث نقلة في شكل البروباجندا، مُضخِّماً نفسه في العقول وعلى الأرض.
يعتمد أغلب المتلقين على الإعلام لتشكيل وجهات نظرهم ورؤاهم تجاه العديد من القضايا، ويشكّل الإعلام المصدر الرئيس لبناء القناعات وتغيير الاتجاهات والمواقف والسلوكيات الإنسانية بشكل عام، وفي الحالة العربية ساهم الإعلام بشكل أو بآخر في تشييد المفاهيم السياسية والاجتماعية والثقافية إيجاباً وسلباً، وكما أنه يؤثر فإن الإعلام يتأثر بالأحداث المحيطة والقضايا الراهنة كالإرهاب، لتنشأ علاقة بين الإعلام والإرهاب في حالة مُركّبة ومُعقّدة، هذه العلاقة استغلتها وسائل إعلام عربية بطريقة مشبوهة؛ لتفرض نتائج وعواقب تركت أثراً عميقاً في آليات التعامل مع الفعل الإرهابي، وحولت مفاهيم الرعب والخوف إلى ظواهر ملموسة.
إن هدف الإرهاب هو إثارة الرعب والخوف بين أعداد كبيرة من الناس من أجل التأثير فيهم، وفي حالات الإعلام المهووس بأفعال الإرهابيين فإن النتيجة واحدة، حيث تسهم وسائل إعلام عربية في خدمة الجماعات الإرهابية عبر ترسيخ وجودهم وتضخيم صورتهم قصداً؛ بهدف بث الرعب في نفوس الناس من جهة، والترويج لهم عند من تساوره أفكار الانضمام لهم من جهة أخرى، فمن دون الإعلام لن يكون الإرهاب إلا جريمة عادية تشبه مئات الجرائم اليومية التي لا تتناهى إلى علم المتلقي ولا تؤثر فيه.
المراقب لوسائل الإعلام العربية يجد أن هنالك قنوات ومؤسسات إعلامية نذرت نفسها للحدث الإرهابي بهدف الاكتساب منه جماهيرياً وسياسياً بطرح يخلو من التعمق ويميل إلى التهويل والمبالغة وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً لتبادل المنفعة
وقد أدركت الجماعات الإرهابية منذ نشأتها أهمية الإعلام في الدعاية لأفكارها، وهو ما جعل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي ينظم سلسلة من اللقاءات الصحافية مع من يختارهم هو بعناية لإيصال رسائله إلى العالم، كما قدم دعوة لصانعي الأفلام لقضاء بعض الوقت معه؛ ليستولي على الاهتمام الذي تنشده جميع الجماعات، وقد جسد أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أهمية الإعلام بمقولته: "إننا نخوض أكثر من نصف معركتنا في الساحة الإلكترونية والإعلامية".
وفي مثال صارخ على الدعاية الإرهابية يأتي "داعش" الذي أحدث نقلة في شكل البروباجندا، مُضخِّماً نفسه في العقول وعلى الأرض؛ باستخدام الصورة العالية الحرفية والسيناريو المعدّ إعداداً دقيقاً، وكأنها صُنعت بأكثر التقنيات تطوراً. إضافة إلى استخدام الرعب والوحشية المبالغ فيها؛ مثل عمليات ذبح الضحايا الأجانب بيد الإرهابي "جون"، وعمليات الحرق؛ لتبعث الصدمة.
قد ينسى الفرد حادثة إطلاق نار قام بها مختلٌّ عقلياً مثلاً، وراح ضحيتها بضعة أشخاص، لكن الصورة تبقى محفورة إذا ما ربط الإعلام أي حادثة وإن صغرت بالإرهاب؛ وذلك لتأثير البروباجندا الإعلامية، حيث يترسخ في الأذهان الكثير من تفاصيل الحدث، وتبقى صورته منقوشة في الوعي راسخة في الإدراك، وهو ما يجعل نقل الجريمة أخطر من الجريمة ذاتها؛ لتضاعف قوة تأثير الفعل الإرهابي في حالة الترويج.
والمراقب لوسائل الإعلام العربية يجد أن هنالك قنوات ومؤسسات إعلامية نذرت نفسها للحدث الإرهابي؛ بهدف الاكتساب منه جماهيرياً وسياسياً بطرح يخلو من التعمق ويميل إلى التهويل والمبالغة، وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً لتبادل المنفعة، فالإرهاب يقدم لهم ما يبحثون عنه، فيما يمثلون هم -أي وسائل الإعلام- السلاح الذي يستخدمه الإرهابيون لنشر وتوجيه رسائلهم إلى قاعدة جماهيرية عريضة لتحقيق الانتشار.
وقد تجسدت جهود "إعلام الإرهاب" في:
1. بث أخبار الجماعات الإرهابية ونقل رسائلها إلى العالم.
2. استضافة المتطرفين وإتاحة المجال لهم لطرح وتكريس أفكارهم.
3. تسويق مناخ التهديد وثقافة الخوف عبر تضخيم الجماعات الإرهابية.
4. مناقشة قضايا فئوية على حساب المصلحة الوطنية.
5. التشكيك في قدرة الجيوش العربية على مواجهة الإرهاب، وفي نوايا هذه الجيوش بعد مواجهته.
6. تسمية الجماعات الإرهابية كـ"داعش" بأسماء تروج لها هذه الجماعات.
شاع مصطلح غسيل الأموال للتعبير عن عمليات إضفاء شرعية قانونية على الأموال المكتسبة من وسائل محرمة كالسرقة وتجارة الممنوعات، وكما أن للمال غاسلين فإن الإرهاب وجد مُبيِّضين لصفحته ومُروِّجين له؛ فالاستضافات المتكررة والتناول الإعلامي للجرائم الإرهابية يؤدي بالضرورة إلى اعتبار الفعل الإرهابي "عادياً" على أقل تقدير، وقد تؤدي، بحسب المختصين في علم النفس، إلى مزيد من البحث عن هذه المشاهد العنيفة وممارستها. إن تعاطي وسائل إعلام عربية مع قضايا "داعش" و"القاعدة" لا بد أن يُجرّم كما تُجرّم عمليات "غسيل الأموال"؛ لفداحة تأثير هذا النوع من الغسيل في وعي مشاهدي هذه الوسائل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة