قارا.. قصة سجن مغربي لم ينجح أحد في الفرار منه
شًيّد ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي، في عهد السلطان المولى إسماعيل، ويحوم حوله الكثير من الغموض.
تبدو الأوضاع على ما يُرام، الساحة فسيحة، والشوارع المجاورة تضج بالزوار، أجانب كانوا أم مغاربة جذبتهم مدينة مكناس بسحرها وتاريخها.
- دار الدباغ بفاس المغربية.. "أغلق أنفك وافتح عينيك" أنت في حضرة الإبداع
- العيطة المغربية.. شبح الاندثار يلاحق "موسيقى" قاومت الاستعمار
كمُشعوذة شمطاء، ينتصب في الزاوية باب طويل يشع ظلاماً، يفوح صمتاً، ويجثم على الصدور مجهولاً ومرعباً.
كُلما تقدمت نحوه خُطوة، إلا وازدادت الغُمة والخوف، كُلما نزلت في أدراجه المتهالكة، إلا وازداد الصوت في أذنيك "احذر.. فالداخل مفقود والخارج من هنا مولود. إنك في سجن قارا".
سجن متشعب
أقواس مُتداخلة في أخرى، سراديب تدلف بك إلى متاهات أكثر تشعباً، لا يبدو للمكان نهاية، وحتى العودة إلى نقطة البداية غير ممكنة بتاتاً، فتشابه الأقواس، وغياب النوافذ يجعلك تُحس وكأنك تدور بين الأزقة، ثُم تعود إلى نقطة البداية.
منذ سنوات طويلة، تتجاوز المائة أو أكثر بقليل، وهذا المكان لم يعد سجناً، خلا من مُعتقليه، لكن الغموض لازال ساكناً بين أعمدته القديمة، والقصص المتناثرة هُنا وهناك تزيد المكان رهبة وخوفاً.
يتداول أهل المدينة أن تأسيس هذا السجن يعود إلى عهد السلطان المولى إسماعيل، وهو سلطان حكم المغرب قبل ثلاث قرون، خصص المكان للخارجين عن القانون، أو المعارضين لحُكمه آنذاك.
لا توجد تقديرات مضبوطة لمساحته، كما تغيب عن الخزائن التاريخية مخطوطات توثق لتصميمه، يعرف الجميع مدخله، لكن تتناسل الروايات والشائعات حول وجود مخرج له في مكان ما خارج المدينة.
تقول الأسطورة إن السلطان الذي أنشأ السجن قريباً من قصره، كان يضع المساجين فيه، وبين متاهاته يبحثون عن مخرج، وإذا وجدوه تكون الحرية جزائهم، لكن لا أحد يتذكر قصة مُعتقل نجا من هذا السجن.
حتى الباحثون، أصابتهم "لعنة قارا"، ففي تسعينيات القرن الماضي، قدم إلى المملكة فريق من المستكشفين الفرنسيين الذي قادهم الفضول لسبر أغوار السجن الفريد، لكنهم دخلوه بدون عودة، إذ انقطعت معهم الاتصالات ولم يظهر لهم أثر.
هذه الحادثة، دفعت السلطات المغربية إلى بناء سور داخل هذا السجن، يحد المسافة المسموح بزيارتها في أمتار قليلة لا يتيه فيها الزائر، مع تزويده بالإنارة.
روايات متعددة
تتعدد الروايات حول حقيقة هذا السجن، بين من يقول أن الأصل في إحداثه هو حفظ المواد الغذائية، خاصة الحبوب وما يُجاورها، وأن تحوله إلى سجن كان حادثاً عرضياً، في أعقاب أحداث سياسية شهدتها المدينة.
لكن روايات أخرى، وهي الأغلب، ونجدها في كتب التاريخ، والتي تتحدث عن أن الغاية منه منذ أول يوم هو إحداث سجن رهيب، يخاف الناس حتى من ذكر اسمه، فما بالك الدخول إليه.
ومن هذه الروايات، ما تقول إن السجن كان مُخصصاً لأسرى الحرب من البرتغاليين والإسبان، ومن يتم اعتقالهم. هذه الرواية تُعزز فرضيتها بوجود بناية قريبة تُدعى "قاعة السفراء"، والتي كانت مخصصة لاستقبال السفراء والزوار.
هذه القاعة توجد مباشرة فوق السجن، وتتداول الألسن أن الغاية من إحداثها هناك، هو التفاوض مع سفراء البلدان حول السجناء، دون أن يعلموا أن سجناءهم يوجدون تحت أقدامهم.
في ظل غياب معطيات دقيقة عن هذا السجن الأسطوري، إلا أن هناك تقدير لطاقته الاستيعابية بأكثر من 40 ألف سجين، في حين تقول وزارة الثقافة المغربية إن هذا السجن "صُمّم على شكل شبه مستطيل مُقَسمٍ إلى ثلاث قاعات واسعةٍ جداً، حظيت كل واحدة منها بمجموعة من الأقواس والدعامات الضخمة".
هذا التصميم التقديري الذي تتحدث عنه وزارة الثقافة المغربية، يمتد على مسافة كيلومترات عدة تحت الأرض، فيما هُناك روايات أخرى تفيد أن مساحته تُعادل مساحة مدينة مكناس القديمة بالكامل.
تسمية غامضة
الغموض والجدل يلف هذا السجن بكُل تفاصيله، فلا يوجد تفسير واضح لسبب هذه التسمية ومعناها، ما يفتح باب الاجتهاد والتأويل على مصراعيه.
قارا، يقول البعض إن أصل هذه الكلمة هو عبارة "الأقرع"، وذلك نسبة لرجل ضخم أصلع الرأس كان يعمل سجانا هُناك، ونُسب السجن إلى وصف شعره الخالي من الشعر.
أصحاب هذه الفرضية يُعززونها بكون أغلب المسجونين هناك كانوا أجانب، ولا أحد منهم كان يعرف اسم السجان، وبالتالي كان الجميع يُناديه بعبارة الأقرع، التي تم تحريفها نظراً لعدم إتقان الأجانب اللغة العربية.
روايات أخرى تُحيل التسمية إلى المهندس الذي شيد هذا المُعتقل، إذ تقول أن مُعتقلاً بُرتغالياً حصل على وعد من السلطان المولى إسماعيل بتحريره، إذا ما نجح في تصميم سجن ضخم للمدينة.