ذكرى كارثة درنة.. «الجثث المفقودة» جرح غائر في قلوب ذويها
أيام قليلة تفصل الليبيين عن الذكرى الأولى لأكبر كارثة مدمرة ضربت شرق بلادهم، وخلّفت وراءها آلاف الضحايا، من أكثر قصصها ألما فقد البعض للعديد من أقاربهم دفعة واحدة، ودون أن يبقى حتى لجثثهم أثر.
في يومي 10 و11 سبتمبر/أيلول 2023 ضرب "إعصار دانيال" مدن ومناطق ساحل المتوسط، الواقعة في شرق ليبيا، وتركّز على مدن بنغازي البيضاء وسوسة ودرنة ومناطق أخرى، محدثا دمارا مهولا حصد معه أرواح الآلاف، أكثرهم في درنة، ومحى أحياء سكنية بشكل كامل.
فقد معظم الأسرة
صبري مسعود شارك "العين الإخبارية" قصّته بعد عام من المأساة، وأخبرنا عن مصير شقيقته وأسرتها التي فقد معظمها في فيضان درنة.
بداية يقول صبري "آخر تواصل مع شقيقتي وأسرتها، المكونة من 5 أفراد، كان قبل حدوث الكارثة في درنة بأقل من ساعة، عند نحو الساعة الثانية من صباح يوم 11 سبتمبر/ أيلول 2023، وبعدها بدقائق فقدت الاتصال بهم".
وتقيم شقيقته غريبة مسعود بالحسن الغيثي، وزوجها سعد الأمين علي الغيثي، وأبناؤهما حاتم (30 سنة)، وأمين (24 سنة)، وسليمان (23 سنة) في عمارة العبيدي بأحد أزقة "ذيل الوادي" بوسط المدينة، وفُقدوا جميعا، ولم يبقَ إلا الابنة ريم (26 سنة)؛ حيث كانت في بيت الزوجية البعيد عن وسط المدينة، وهو ما حدّثنا به "صبري" المقيم في مدينة البيضاء التي نالت نصيبا كذلك من فاجعة "دانيال".
بعد فقدان الاتصال وتعذّر معرفة ما آلت إليه الأسرة، يقول الشقيق المكلوم: "اضطررت للسفر إلى درنة للاطمئنان على شقيقتي وأسرتها، بعد الأنباء المفزعة التي سمعناها عن انهيار السدّين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وحين وصلت وجدت العمارة التي تسكنها أختي وكامل المنطقة المحيطة بها جُرفت بالكامل، ولم يكن لها أثر.. لقد مُسحت بالكامل".
يعمل صبري صحفيا، لكنه في تلك الأثناء لم يستطع التقاط الصور للدمار الذي حلّ بالمنطقة، انشغل آنذاك بمعرفة المصير الذي وقع لشقيقته وأسرتها، لقد كان مصدوما.
وعن تلك اللحظة يُكمل ما يتذكره: "انطلقت في رحلة غاية في الصعوبة، بحثا عما يمكن أن يوصلني لمعرفة المصير الذي حلّ بأختي وأسرتها، وبدأنا رحلة البحث عنهم في كل مكان، لكن دون جدوى، لقد كان ما تبقى من المدينة يعج بجثث الضحايا، كان المشهد مفزعا، وبعد أيام فقدت الأمل في العثور على جثثهم".
أدّت الفيضانات المدمرة إلى مقتل 4352 شخصا على الأقل بشكل موثّق، بينما يرى صبري أن العدد ربما يفوق ذلك بكثير.
شهادة وفاة
بعد مرور نحو 6 أشهر من المأساة تواصلت السلطات المحلية مع أسرة صبري لأخذ عينات الـ(DNA)، لكن إلى الآن لم يتلقوا أي نتيجة، ويقول "ربما ذلك يعود لعدم العثور على شيء من رفاتهم".
وبعد فترة أدى صبري "اليمين القانونية" على فقدان شقيقته وأسرتها، وبناء على ذلك استلموا شهادات الوفاة الخاصة بهم من قبل مصلحة السجل المدني.
الإعمار وتخفيف الأحزان
بعد استكمال عمليات البحث عن الناجين والمفقودين انطلقت الحكومة المكلفة من مجلس النواب في شرق البلاد ويقودها أسامة حماد، في وضع الخطط لتنفيذ المشروعات الكبرى لإعادة العمران والحياة للمدينة المحطمة، من خلال "صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا".
وفي 14 سبتمبر/أيلول 2023، أقرّ مجلس النواب ميزانية طوارئ بقيمة 10 مليارات دينار ليبي (مليارا دولار)، لمعالجة الآثار المدمرة للفيضانات في كامل المناطق؛ إذ يعمل صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا على تنفيذ مشروعات سكنية وصحية وتعليمية وإصلاح شبكات الطرق.
وفي فبراير/شباط الماضي، نجح المؤتمر الدولي لإعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة، في جذب وفود شركات عربية ودولية من أكثر من 26 دولة، للاستثمار في مشروعات إعمار وتنمية هذه المناطق.
وتعليقا على ذلك، يقول صبري "حكومة حمّاد تبذل جهدا غير عادي لإرجاع المدينة لطبيعتها، كمنارة للثقافة والعلم والفن في البلاد، وهذا ما يخفف عنا بعضا من ثقل الأيام وأحزاننا على من فقدنا من أحبة".
ووجّه التحية "لكل جهد يرفع المعاناة عن أسر المفقودين أو عن مدينة درنة.. الإعصار أثّر على مدن كثيرة في الشرق، لكن تركّز بشكل مؤلم على درنة".
aXA6IDE4LjExNy43MC42NCA= جزيرة ام اند امز