مؤلف كتاب "25 يوما إلى عدن" يروي لـ"العين الإخبارية" بطولات الإمارات في اليمن (حوار)
لو سيطر الحوثيون على المدينة لوضعت إيران قدمها بخليج عمان وقناة السويس
في أواخر مارس/آذار 2015، سيطرت مليشيات الحوثي على مطار عدن الدولي ومناطق واسعة من المدينة الاستراتيجية المطلة على خليج عدن وبحر العرب، وذلك في ظل مساعيها حينها للسيطرة على اليمن بقوة السلاح، بعد الانقلاب على الحكومة الشرعية.
بعدها توجهت الحكومة اليمنية بطلب عاجل للدعم الدولي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجامعة العربية، وعلى الفور تشكلت قوات خليجية لإنقاذ اليمن ومنع مليشيات الحوثيين المدعومين من إيران من الهيمنة على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية والاستيلاء على الممرات الملاحية الرئيسية التي تربط نصفي الكرة الشرقي والغربي عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
وفي يوليو/ تموز 2015 انطلقت المعارك الضارية لتحرير مدينة عدن، حتى نجحت "المقاومة الجنوبية" في 14 يوليو/تموز بمشاركة قوية للقوات المسلحة الإماراتية في تحرير درة الجنوب اليمني، في معركة ملحمية وًصفت بأنها الأهم في تاريخ الصراع في اليمن.
ولعلها المرة الأولى التي يخرج فيها أحد الباحثين العسكريين الأمريكيين ذائعي الصيت، مثل الدكتور مايكل نايتس، ليوثق الدور الإماراتي الحاسم في عملية إنقاذ عدن، في كتاب جديد من المنتظر أن يصدر قريبا باللغتين الإنجليزية والعربية بعنوان "25 يوماً إلى عدن" أو " Days to Aden 25".
كتاب الدكتور نايتس، استغرق إعداده 5 سنوات كاملة، وسجل العديد من المقابلات مع رجال ونساء القوات المسلحة الإماراتية، الذين شهدوا معركة تحرير عدن، وسوف يكشف النقاب للمرة الأولى عن أحداث المعركة الحاسمة، وعن البطولات العسكرية الإماراتية في اليمن، التي وقفت كحائط صد منيع أمام محاولات الجماعة المتمردة للانقضاض على الشرعية، وتهديد حركة التجارة العالمية في أحد أهم الممرات الملاحية الدولية المتاخمة لمضيق باب المندب.
الدكتور مايكل نايتس، وهو زميل في برنامج الزمالة "ليفر" في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج، وعمل على نطاق واسع مع الوكالات العسكرية والأمنية المحلية في العراق ودول الخليج واليمن، وحصل على الدكتوراه من "قسم دراسات الحروب" بـ "الكلية الملكية في لندن" King's College London كشف لـ "العين الإخبارية"، من العاصمة الأمريكية واشنطن، تفاصيل للمرة الأولى عن معركة "إنقاذ عدن"، وكيف سطرت قوات النخبة الإمارتية حروفا من ذهب في التاريخ العسكري الدولي، وتفاصيل نجاح 8 جنود من قوات النخبة الإماراتية في قطع خطوط الإمداد الحوثية حول المدينة خلال المعركة.وفيما يلي نص الحوار..
* هل يمكن أن تخبرنا المزيد عن كتابك الجديد "25 يومًا إلى عدن"؟
" 25 يومًا إلى عدن" هي أول رواية شاهد عيان عن الجيش الإماراتي خلال حالة حرب، حيث رصدت من خلال الكتاب تغطية المعركة الحيوية الأولى لحرب اليمن التي بدأت عام 2015، إنها تاريخ عسكري مثير للأبطال العرب - يمنيون وإماراتيون - قاتلوا الحوثيين المدعومين من إيران بضراوة وحققوا انتصاراً عظيماً، لقد اخترت توثيق أحداث معركة عدن عن طريق تسجيل شهادات الجنود والبحارة والطيارين أنفسهم الذين شاركوا في المعركة الحاسمة.
والكتاب يروي أحداث معركة تحرير مدينة عدن الساحلية قبل حلول عيد الفطر في يوليو/ تموز 2015، لقد كانت معركة حاسمة، كما تعلم في الأيام الأولى للحرب، ساعدت الإمارات مقاتلي المقاومة اليمنية في السيطرة على مدينة عدن الساحلية الجنوبية، وهي موقع استراتيجي على المحيط الهندي كان أكثر الموانئ ازدحامًا في العالم قبل عقود فقط، وتم غزو عدن من قبل مزيج من عناصر الحوثيين الجبليين المدعومين من إيران والوحدات المدرعة التي كانت تابعة لعلي عبد الله صالح، الرئيس المخلوع، إذا استولوا على عدن، فسيكون انقلابهم ضد الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة قد اكتمل، وسيكون لإيران وكيل جديد قادر على تعطيل معبر حيوي في البحر الأحمر.
وكان الدفاع عن عدن، في بادئ الأمر، يبدو محكوما عليه بالفشل، حيث يتولى الدفاع عن المدينة اليمنية الاستراتيجية وحدات الجيش الباقية والمدنيون المحليون غير المجهزين، وبينما كانت قوات الحوثي تشق طريقها إلى المدينة، دخل لاعب جديد إلى المعركة، وهو التحالف الخليجي الذي تم تشكيله من 10 دول في أسبوع واحد فقط وكُلف بشن ربما أكبر عملية عسكرية له على الإطلاق.
بدأ تحرير عدن مع تقهقر المقاومة اليمنية باتجاه البحر قبل أيامٍ من الهزيمة. فأجريتُ مقابلات مع أولئك المقاتلين اليمنيين وعناصر القوات الخاصة الإماراتية الذين تسللوا إلى ذلك الموقع الدفاعي في عدن. وتنطوي قصة معركة عدن على الشراكة بين اليمنيين والإماراتيين، الذين صمدوا أولاً ثم عززوا المنطقة الدفاعية بواسطة حراس الفرسان الإماراتيين والمدفعية الإماراتية للقوات البرية، وشنوا أخيراً هجوماً مفاجئاً على الحوثيين أدى إلى إخراجهم مهزومين من عدن، ومطاردتهم على بُعد مائة كيلومتر في جميع الاتجاهات، وعملت القوات البحرية والجوية وقوات الدفاع الجوي التابعة للإمارات العربية المتحدة على مدار الساعة وفي ظل ظروف مروعة، لإبقاء خطوط الإمداد مفتوحة ومواصلة القصف الدقيق والمكثف على العدو.
وتكمن خطورة معركة عدن، أنه إذا تمكن الحوثيون من السيطرة عليها، فلن يقتصر الأمر على سيطرتهم على ثاني أكبر مدينة في اليمن، بالإضافة إلى سيطرتهم على العاصمة صنعاء، ولكنهم كانوا سيسيطرون أيضًا على جانب نقطة اختناق بحرية تسيطر على 20٪ من حركة النفط العالمية، لقد كانت حرب اليمن قصة قوات النخبة العربية "التي تقاتل شبحًا من الجبل، بجوار أهم ممر بحري في العالم"، حيث يمكن للمرء رؤية التضاريس المتطرفة في عدن، من خلال الطريق المؤدي إلى مطار عدن الدولي، حيث هناك طريق واحد يؤدي إلى المطار عبر جسر قرب بحيرة بركانية عميقة تحيط بها منحدرات شاهقة يفوق ارتفاعها 300 متر.
وفقط من خلال الجسر المكشوف يمكن الاقتراب من التضاريس الرئيسية في عدن - المطار الدولي – حيث يمكن تقدير مدى أهمية المركبات المدرعة الإماراتية في التغلب على قوة النيران الحوثية التي دافعت عن المطار.
وتكمن أهمية العملية العسكرية لإنقاذ عدن، في أنه لو سقطت عدن لكان للحوثيين وإيران موقع قدم على المدخل الجنوبي لقناة السويس وخليج عمان، إذا كان الحوثيون انتصروا في معركة عدن، فكان من المحتمل أن يكون لدينا اليوم سفن بحرية إيرانية راسية في شبه الجزيرة العربية وليس بعيدًا عن مصر أيضًا، هل يمكن أن تتخيل ذلك؟!
وكان الدفاع الناجح عن عدن ضد الحوثيين بمثابة علامة فارقة في غزواتهم، بعد نجاح الدفاع عن عدن، نجح اليمنيون في الدفاع عن مركز النفط والغاز في مأرب أيضًا، وأظهرت معركة عدن أنه يمكن إيقاف الحوثيين وإيران وإرسالهم إلى الخلف.
تشهد منطقة الخليج العربي العديد من التهديدات الإيرانية والحوثية للملاحة الدولية.. برأيك كيف حالت عملية عدن دون زيادة مثل هذه التهديدات؟
دعني أوضح لك، لقد رأينا ما هو الاضطراب العالمي والأضرار الاقتصادية التي لحقت بمصر والعالم والتي حدثت نتيجة جنوح سفينة حاويات Ever Given في قناة السويس، وتعطيل حركة الملاحة في الشريان الملاحي الأهم للتجارة العالمية، وقدرت قائمة Lloyds لويدز التكلفة على العالم بـ 200 مليون جنيه مصري عن كل دقيقة تغلق القناة، تخيل معي هذا النوع من الضرر يلحق بالعالم من قبل إيران والحوثيين، إذا كانوا قد سيطروا على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر في باب المندب وخليج عمان.
لقد سمح تحرير عدن بتحرير باب المندب بعد ذلك ثم البدء في تطهير ساحل البحر الأحمر من قوارب الحوثيين الملغومة والصواريخ المضادة للسفن، ربما يوما ما قد يتم تطهير البحر الأحمر بالكامل من هذه التهديدات الحوثية، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا لأن اللبنات الأساسية وُضعت في معركة عدن في عام 2015.
توثيق معركة عدن عمل شاق.. كم من الوقت استغرقت لإعداد مثل هذا العمل؟
استغرق الأمر أكثر من خمس سنوات للبحث الدقيق والكتابة والتحقق من الحقائق، " 25 يومًا إلى عدن" ليس مجرد توثيق وتسجيل للمعركة، إنما هو محاولة لفهم المعركة حقًا، حيث يجب على المؤرخ والباحث العسكري التحدث إلى العديد من المشاركين في الأحداث، والاطلاع على السجلات، وهناك العديد من الشهادات التي لم تصل إلى السجلات الرسمية، هذه أمور ينساها البشر، وهي بنفس القدر من الأهمية ، ويحتاج المؤرخ أيضًا إلى دراسة خريطة للتضاريس ثم السير على الأرض، وهذا ما فعلته بالضبط في عدن.
وأمضيت عامًا في إجراء مقابلات مع جنود وبحارة وطيارين يمنيين وإماراتيين، وعسكريات إماراتيات، كما أمضيت بعض الوقت في مقابلة عناصر من القوات السعودية والبحرينية التي قاتلت في اليمن، لقد تعلمت كل هذه الجيوش قدرًا هائلاً من شن حملة عسكرية معًا وبدون دعم أمريكي كبير في الوقت نفسه، بعد أن دعا اليمن إلى دعم عسكري من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، كان العرب فقط هم من تقدموا لمساعدة إخوانهم في اليمن لمنع الحوثي وإيران من السيطرة على اليمن، بينما كان القادة الإيرانيون يتفاخرون في ذلك الوقت بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية - بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.
لقد قضيت مئات الساعات في المقابلات والعيش جنبًا إلى جنب مع عناصر من الجيش الإماراتي، في كثير من الحالات، جمعت قصصهم أثناء انتشارهم على جبهات القتال في اليمن، خلال زياراتي إلى الخطوط الأمامية، وقد تفضلوا بتخصيص أمسياتهم وأوقات فراغهم لإعادة سرد قصة عدن من وجهة نظرهم، في أوقات أخرى، قمت بزيارتهم مع عائلاتهم في الإمارات.
ما أكثر شيء تأثرت به خلال تغطية معركة عدن؟
لقد أمضيت سنوات حول جنود أمريكيين وبريطانيين وغيرهم من جنود الناتو في مناطق الحروب، وفي الحقيقة لقد تأثرت بمدى فعالية التحالف الخليجي في اليمن.
دعني أكون صريحا معك في الخمسينيات من القرن الماضي، نشرت الأمم المتحدة قوات في كوريا لمنع الكوريين الشماليين المدعومين من الصين من الاستيلاء على كوريا بأكملها، لقد حافظوا على الخط الدفاعي، واليوم فإن كوريا الجنوبية ليست موجودة فحسب، بل هي أكثر تقدمًا ونجاحًا من الشمال، هذا ما فعله التحالف الخليجي في حرب اليمن.
يتحمل المؤرخ العسكري مسؤولية كبيرة لأنه يحافظ على ذكرى أولئك الذين ضحوا بأرواحهم من أجل بلدهم ومن أجل زملائهم المحاربين، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون التاريخ دقيقًا تمامًا قدر الإمكان لأنه هديتنا للأجيال القادمة.
وهذا لا يعني فقط الاحتفال بالانتصارات والإنجازات التي تفتخر بها، ولكن أيضًا مواجهة الحقائق الصعبة واللحظات الحزينة، وتعلم الدروس التي يمكن أن تساعد الوطن وجنوده وبحارته وطياريه على مواجهة أي تحديات جديدة.
كيف ترى الدور الإماراتي لدعم الشرعية في اليمن ومساعدة الشعب؟
تعد دولة الإمارات العربية المتحدة فعالة للغاية في التعاون مع اليمنيين، حيث تمتلك دولة الإمارات أقوى جيش قتالي في الخليج، حيث تقوم بعمليات إلى جانب قوات الناتو في البلقان والصومال وأفغانستان وليبيا واليمن، وعلاوة على ذلك، استثمرت الإمارات في قدرات الدعم بعيدة المدى مثل طائرات النقل الجوي الثقيلة C-17، وقد سمح ذلك للإمارات بدعم اليمنيين الذين كانوا على في أبعد نقطة من الخليج، شعب جنوب اليمن.
هل يمكن أن تخبرنا بقصة واحدة فقط تُكشف للمرة الأولى عن سير العمليات العسكرية في عدن؟
بصراحة لا أخفيك سرا، أن هناك الكثير من القصص، بعضها سوف يتم سرده في الكتاب والبعض الآخر سيتم حفظه للكُتب المستقبلية عن الحرب في اليمن، لقد بدأ تحرير عدن مع تثبيت المقاومة اليمنية ظهورهم إلى البحر بعد أيام من الهزائم المتتالية، كما ذكرت لقد أجريت مقابلات مع هؤلاء المقاتلين اليمنيين والقوات الخاصة الإماراتية الذين تم إدخالهم سراً في الجيب الدفاعي في عدن، دعنا لا ننسى أن حكاية معركة عدن هي قصة هذه الشراكة بين اليمنيين والإماراتيين الذين صمدوا أولاً ثم عززوا المنطقة الدفاعية بحراس الفرسان الإماراتيين ومدفعية القوات البرية، وأخيراً شنوا هجومًا مفاجئًا على الحوثيين طردهم خارج عدن وطاردتهم حتى مائة كيلومتر في كل الاتجاهات.
ولكن من كل الشهادات واللقاءات التي وثقتها، هناك قصة بعينها وثقتها وقعت خلال الأيام الأولى لـمعركة "إنقاذ عدن" وتوصف بأنها معركة البطولة الكبرى، وهي إحدى القصص التي أحبها بشكل شخصي، عن أول ثمانية جنود من القوات الخاصة الإماراتية الذين تم إدخالهم سراً في عدن، خلف خطوط العدو الحوثي، وإسقاطهم في البحر في جوف الليل بواسطة طائرات الهليكوبتر وإحضارهم إلى الشاطئ من قبل يمنيين متنكرين في شكل صيادين، وبمجرد وصول المحاربين الإماراتيين، قالت المقاومة اليمنية "عليكم الرحيل، لأن دبابات الحوثي تتقدم، ولا سبيل لإيقافها، ودفاعاتنا في الطريق إلى الانهيار"، وعندئذ قال قائد الفريق الإماراتي، والذي كان بلا لحية في تلك المرحلة، وبدا صغيرا جدا في عيون اليمنيين: لا تقلقوا... دعونا نتعامل مع الوضع.
ولم يعتقد أحد أن الإماراتيين يمكن أن يوقفوا الدبابات، كما قال لي اليمنيون خلال شهاداتهم: "ماذا يمكنه أن يفعلوا؟ كانوا ثمانية رجال وجهاز راديو"، لكن في غضون ساعات قليلة، حطم هؤلاء الإماراتيون عشرين دبابة معادية بضربات جوية محكمة، وصدوا الهجوم الأول للحوثيين تمامًا، وظهر على الفور للقوات الجنوبية ما يمكن أن يفعله هؤلاء الإماراتيون الشباب.
بعدها كنت سعيد الحظ حيث جلست مع أحد قادة المقاومة اليمنية والقائد الإماراتي المسؤول عن تلك العملية وتحدثنا عن ذكرياتهم: حيث قال القائد اليمني كانوا ثمانية لكن بعد صد الهجوم الحوثي نظرنا إليهم وكأنهم 8 آلاف.