دخلت إسرائيل إلى المنطقة بحزمة جديدة من اتفاقات السلام مع دول عربية لها وزنها في المسار السياسي العربي.
وقد احتفت إسرئيل بتلك الاتفاقات، وهذا وضع متوقع لدولة عاشت بعيدة عن المنطقة من حيث المشكلات السياسية البنيوية، إذ كانت تراقب المنطقة من خلال القضية الفلسطينية فقط، فمنذ عام 1948م وإسرائيل تقيّم المنطقة من منطلق واحد، هو علاقة الدول العربية بالقضية الفلسطينية وتطوراتها، لذلك كانت الأزمة الوحيدة، التي تناقشها إسرائيل مع المنطقة طوال ثمانية عقود تقريبا، هي القضية الفلسطينية.
سيكون من الخطأ أن تعتقد إسرائيل أن مشكلة فلسطين هى الأزمة الوحيدة في هذه البقعة من العالم، فالشرق الأوسط والعالم العربي كم كبير من المشكلات والأزمات المرتبطة بالمكانة الاستراتيجية للمنطقة، ولن يكون من السهل التعامل مع كل المشكلات القائمة دون تغيير في الاستراتيجيات العميقة لإسرائيل، التي تنتظر منها دول المنطقة أن تكون جزءا حقيقيا من المنظومة السياسية القائمة.
سيكون من المستحيل القول بتلاشي القضية الفلسطينية، وسوف يكون الخيار النهائي لإسرائيل أن تفكر جديا في أن حل الدولتين سوف يشكل بوابة دخول كبرى لها في المنطقة.
في بعض المناقشات، التي كنت قريبا منها، كنت أستمع لبعض المفكرين الإسرائيليين، الذين فاجأتهم المنطقة وتفكيرها الجديد، ويبدو أن إسرائيل عليها أن تدرك أن العرب، خاصة في دول الخليج العربي، يدركون ويتطلعون إلى الإيجابيات المحتملة من اتفاقات السلام مع إسرائيل، وقد تذكرتُ بهذه المناسبة كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حين قال إن اتفاق السلام مع إسرائيل "لصالح الفلسطينيين أنفسهم"، فهذا مؤشر يتوجب على إسرائيل أن تفكر فيه جليا، فالمنطقة تغص بالأزمات والمشكلات، لذا عليها أن تكون شريكا فاعلا إذا أرادت أن تدخل فعلا إلى المنطقة.
حتى في أمريكا هناك مؤشرات قوية لوجه مختلف من السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وإسرائيل، فأمريكا اليوم أصبحت تقيّم وضع المنطقة بشكل مختلف، خاصة أن التقدميين في الحزب الديمقراطي يدفعون بقوة في هذا الاتجاه.. من هنا فالخيارات أمام المنطقة تضيق، خاصة أن سباق التسلح النووي يلوح في الأفق، وهذا ما يخشاه العالم، وهذا بالتأكيد مؤشر مقلق للجميع هنا في الإقليم، فهناك تنبؤات استراتيجية تطرح أسئلة مصيرية.
بالنسبة لإسرائيل، لن تكون اتفاقات السلام نهاية المطاف، فبركان المنطقة مخيف ومقلق ويستطيع أن يبتلع القوة والنفوذ بسرعة، ومن المؤشرات المهمة التي يجب أن تلتقطها إسرائيل المسارعة في ترسيخ فكرة حل الدولتين، فالمعايير الدولية بالنسبة للشرق الأوسط تتغير، حتى في واشنطن، حليف المنطقة التاريخي، كما أن الانتقال من مرحلة البحث عن البقاء إلى مرحلة المشاركة في البقاء ثم الرغبة في الاستقرار والمشاركة، يتطلب أن تكون إسرائيل ضد أشياء كثيرة كانت تؤيدها.
قضايا السلام معادلة سياسية لا تنتهي بالمراسم الدبلوماسية، بل تمتد إلى أن تتحمل إسرائيل مع الجميع مشكلات المنطقة، وأن تكون شريكا أساسيا وفاعلا فيها، فهل النهج السياسي الإسرائيلي صار قادراً على أن يكون جزءا من هذه المنطقة بشكل حقيقي بعيدا عن الصورة الدبلوماسية؟
على إسرائيل أن تفكر بأن الدول العربية، التي أقامت علاقات معها، هي دول لديها من الخبرة السياسية في المنطقة ما يؤهلها لتكون ناصحا جيدا في كيفية التعامل مع المشكلات، التي يبدو أنها لا بد أن تمر من على جسر حلّ الدولتين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة