يقصُر الناس مفهوم الإرهاب على الهجمات والاغتيالات والتفجيرات، ولا يُولون أهمية للمخاطر التي تأتي عبر تمويل الإرهاب بتهريب المخدرات.
ومعروف أن للعمليات الإرهابية تأثيرا مزدوجا على المجتمعات.. فمن ناحية تُعتبر تمويلا لنشاطات الإرهابيين، ومن ناحية أخرى تستنزف موارد البلدان التي تروج فيها، وتُعرف مثل هذه العمليات باسم "الحرب غير النظامية".
والحرب غير النظامية هي استخدام استراتيجيات التخريب والاستنزاف والإنهاك الجسدي والاقتصادي والنفسي لتقويض وإضعاف نفوذ الدول وحلفائها الاستراتيجيين.
ففي القارة الأمريكية، على سبيل المثال، توجد العديد من الجماعات الإرهابية، التي تنشط في مجال تهريب المخدرات، وهي على النحو الآتي:
في كولومبيا: جيش التحرير الوطني، حركة فارك، وقوات غايتانيستا للدفاع عن النفس، وفي البرازيل: الكوماندو الأول للعاصمة والقيادة الحمراء، وفي السلفادور: مارا سالفاتروشا 13 وباريو 18، والمكسيك: كارتيل سينالوا، كارتيل خاليسكو الجيل الجديد وكارتيل الخليج.
وقد نتساءل عن عدم تصنيف كل هذه الجماعات كمنظمات إرهابية من قبل منظمات المجتمع الدولي، لكن الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت فقط، لأنه من خلال إلقاء نظرة على أنشطة هذه العصابات، يتضح أنها تستوفي جميع المتطلبات لاعتبارها إرهابية.
هناك جماعة أخرى تنشط في القارتين الأمريكيتين وتعمل كحلقة وصل ومزوِّد للجماعات الإرهابية الأفريقية بالمخدرات، إنها مليشيا "حزب الله" الإرهابية، التي تضمن إرسال المخدرات من أمريكا الجنوبية إلى أفريقيا وأمريكا الشمالية وأوروبا، وبمجرد وصول شحنات المخدرات إلى القارة الأفريقية، فإنها تحتاج إلى مساعدة تنظيمي "القاعدة" و"داعش" الإرهابيين لعبور أراضي سيطرتهما في القارة.
وإذا انتقلنا إلى آسيا، سنجد تشابهاً معيناً مع الحالة الأمريكية.. حيث تنشط منظمة "دي كومباني"، بقيادة داوود إبراهيم، وهي جمعية صنّفتها الولايات المتحدة على أنها منظمة إجرامية، وتعمل كحلقة وصل وتنسيق مع تنظيم "القاعدة" في عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات، وتُعتبر بمثابة نقابة إجرامية عابرة للحدود، إذ تنشر أذرعها في كل من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
وكما الحال في أمريكا، تحتاج "دي كومباني" إلى تعاون العناصر الإرهابية المحلية لعبور أراضي سيطرتهم، وبالتالي فهي تساعد في تمويل الجماعات الإرهابية.
وبالإضافة إلى وجود "دي كومباني"، تشير تقارير إلى انتشار "لوس زيتاس" و"كارتيل دي سينالوا" و"مارا سالفاتروشا"، MS-13، في آسيا، وتغلغلها في الشبكات الإجرامية، التي تعبر أفغانستان وباكستان وإيران وآسيا الوسطى، والتي تنشط أيضاً في جميع أنحاء الدول الغربية.
في السنوات الأخيرة، تم فتح طريق جديد لتهريب المخدرات ينطلق من لبنان ليستمر إلى أوروبا، وهو الطريق الذي ينقل مخدر "الأمفيتامين"، المعروف باسم "الكابتاجون".
هذا الطريق تديره مليشيا "حزب الله"، وبالتالي فإن عائدات استخدامه تعود على الحزب بفوائد مالية ضخمة.
وتتزايد وتيرة هذه الحرب غير النظامية كل عام بحسب الأرقام، التي تنشرها المنظمات الأوروبية، والتي تشير إلى أنه أصبح بإمكان المستهلكين الوصول إلى مجموعة أكبر من المواد المخدرة مع مرور كل عام، وهو ما تؤكده أيضاً الكميات المصادَرة من المخدرات سنوياً.
من الخطأ عدم التعامل مع تجارة المخدرات، التي تديرها الجماعات الإرهابية على هذا النحو، فعلى الرغم من أنها لا تسبب وَفَيات مباشرة، فإن التقديرات تُشير إلى أنه في عام 2019 أحصى الاتحاد الأوروبي والنرويج وتركيا 5769 حالة وفاة، وفي الولايات المتحدة أكثر من 93000 وفاة بسبب المخدرات، وهو رقم آخذ في الازدياد.
وبالموازاة مع ذلك، لقي 112 شخصاً مصرعهم في أوروبا في أعمال إرهابية في 2019، و119 شخصاً في 2020.
ويُعدّ عدم ربط الوفيات الناجمة عن المخدرات بالإرهاب مباشرة خطأً كبيراً، لأنه في مرحلة ما من مسار الاتجار بالمخدرات، كانت 75٪ من هذه المواد في أيدي الإرهابيين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة