شبح كارثة ميناماتا البيئية يطل من جديد.. زئبق قاتل يغزو أجساد أطفالنا
سباق مع الزمن لمنع استخدام الزئبق بأجهزة الرعاية الصحية قبل 2030
في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في تاريخ البشرية، أصيب أكثر من 50 ألف شخص بتسمم كيميائي أسفر عن مقتل الآلاف.
هذه الكارثة التي شهدتها اليابان قبل ما يقرب من 7 عقود، كانت نتيجة تناول الضحايا أسماك ملوثة بالزئبق، وغيره من العناصر الثقيلة، بعد قيام أحد مصانع الكيماويات الكبرى بالتخلص من مخلفاته السامة، ولفترة طويلة، في خليج "ميناماتا"، الذي يعتمد عليه غالبية السكان في صيد الأسماك.
ويسهم النشاط البشري في الجزء الأكبر من إطلاق مركبات الزئبق في البيئة، ففي كل عام، يتم إطلاق ما يصل إلى 9000 طن من الزئبق في الغلاف الجوي، وفي الماء، وعلى سطح الأرض.
ويتمثل أكبر مصدر لانبعاثات الزئبق في تعدين الذهب الحرفي والضيق النطاق، يليه عن كثب احتراق الفحم، وإنتاج المعادن غير الحديدية وإنتاج الإسمنت، كما تحتوي بعض المواد المستخدمة يومياً، مثل مستحضرات التجميل ومصابيح الفلورسنت والبطاريات وحشوات الأسنان، على الزئبق ومركباته.
ويحدث التسمم بالزئبق في معظم الأحيان عن طريق ابتلاع الأسماك الملوثة، أو استنشاق مركبات الزئبق، خاصةً وأن الزئبق السائل، الذي يستخدم عادةً في أجهزة قياس درجة حرارة الجسم "الترمومتر"، وفي أجهزة قياس ضغط الدم، يمكنه أن يتبخر في درجة حرارة الغرفة.
67 عاماً على كارثة ميناماتا
رغم مرور نحو 67 عاماً على كارثة ميناماتا، التي هزت الضمير الإنساني العالمي، ووثقتها الأمم المتحدة عبر اتفاقية دولية تحمل اسم نفس المدينة، وهي اتفاقية "ميناماتا"، التي تم الإعلان عنها في عام 2013، بهدف حماية صحة الإنسان والبيئة من أضرار الزئبق ومركباته وإطلاقاته بشرية المنشأ.
وبينما دخلت اتفاقية ميناماتا حيز التنفيذ في أغسطس 2017، بعد مصادقة 50 دولة عليها، إلا أن مخاطر التلوث بالزئبق مازالت تهدد بحصد مزيد من الضحايا، خاصةً وأن هذا المعدن السام مازال يُستخدم على نطاق واسع في كثير من الأغراض الصناعية والطبية.
وبعد نحو 5 سنوات، وافقت أكثر من 100 دولة، بما فيها غالبية الدول العربية، على تعديل الاتفاقية في 25 مارس 2022، بإضافة نص يدعو إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمنع استخدام حشوات الأسنان الزئبقية، المعروفة باسم "أملجم"، في علاج أسنان الأطفال أقل من 15 عاماً، والنساء الحوامل والمرضعات.
ومن المقرر أن يبدأ تطبيق هذا التعديل، المعروف باسم "تعديل الأطفال"، الذي جاء بعد جهود شاقة بقيادة التحالف العالمي لطب أسنان بدون زئبق، اعتباراً من 28 سبتمبر 2023.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن التعرض للزئبق ومركباته المختلفة قد تكون له آثار خطيرة على الصحة العامة، بما في ذلك تلف الدماغ والجهاز العصبي، والإضرار بالكلى والجهاز الهضمي، مما دعا المنظمة الأممية إلى إطلاق مبادرة للتخلص من الزئبق بأجهزة القياس الطبية.
- مجتمع خال من السموم.. التحديات الصحية أمام COP28 "مقابلة"
- نفوق جماعي لأسماك نهر في ألمانيا وبولندا.. هل الزئبق السبب؟
مبادرة الرعاية الصحية الخالية من الزئبق
تدعو مبادرة "الرعاية الصحية الخالية من الزئبق"، إلى التخلص التدريجي من موازين الحرارة وأجهزة قياس ضغط الدم المحتوية على الزئبق، عن طريق وقف تصنيع واستيراد وتصدير هذه الأجهزة، ودعم نشر بدائل خالية من الزئبق دقيقة، وبأسعار معقولة، وأكثر أمناً.
وبينما تسمح اتفاقية ميناماتا للبلدان بالاستمرار في استخدام الزئبق في أجهزة القياس الطبية حتى عام 2030، في ظل ظروف خاصة معينة، تعتقد منظمة الصحة العالمية أن العواقب الصحية السلبية المحتملة للزئبق كبيرة، بحيث يمكن للبلدان أن تسعى إلى تحقيق الهدف الرئيسي حتى قبل الموعد المحدد.
وتحذر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية من أن استخدام الزئبق في حشوات الأسنان الفضية "أملجم"، قد يتسبب في أضرار صحية بالغة للأشخاص الذين يعانون من فرط الحساسية للزئبق، بما في ذلك النساء الحوامل، والنساء اللواتي يخططن للحمل، والنساء المرضعات، والأطفال دون سن السادسة.
يقول شارلي براون، رئيس التحالف العالمي لطب أسنان بدون زئبق، إن أطباء الأسنان بدأوا في استخدام الحشوات الفضية، التي تحتوي على الزئبق، منذ أكثر من 200 سنة، ويحتوي هذا النوع من الحشوات على عنصر الزئبق بنسبة تصل إلى 50%، بينما النصف الثاني عبارة عن خليط من مكونات وعناصر أخرى، منها الفضة والنحاس والقصدير.
يوضح براون، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن تأسيس التحالف العالمي لطب أسنان بدون زئبق، جاء كمحاولة للفت أنظار العالم إلى المخاطر الناجمة عن استخدام حشوات الأملجم، مشيراً إلى أن التحالف يحظى باعتراف دولي كأحد الأطراف الفاعلة في اتفاقية ميناماتا، كما بدأ في إطلاق شبكات إقليمية في مختلف أنحاء العالم، من ضمنها المنطقة العربية.
أول شبكة عربية لمنع حشوات الزئبق
ويعتبر رئيس التحالف العالمي لطب أسنان بدون زئبق إطلاق أول شبكة عربية لمنع استخدام الزئبق في علاج الأسنان، في شهر مايو/آيار الماضي، بأنه خطوة على الطريق الصحيح، نحو الالتزام باتفاقية "ميناماتا"، لحماية صحة الإنسان والبيئة، وكذلك للالتزام بالتعديل الأخير، الذي تم إقراره العام الماضي، بمنع استخدام حشوات الزئبق للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
يؤكد الدكتور عماد الدين عدلي، المنسق العام للشبكة العربية للبيئة والتنمية "رائد"، والتي شاركت في إطلاق أول شبكة لمنظمات المجتمع المدني في الدول العربية لمنع استخدام حشوات الزئبق في علاج الأسنان، أن هذه الشبكة هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية للتحذير من مخاطر الزئبق، ومنع استخدام حشوات "أملجم" بالنسبة للفئات الثلاثة التي تحددها اتفاقية ميناماتا، وهم النساء الحوامل والمرضعات والأطفال.
ويقول "عدلي" لـ"العين الإخبارية" إنه نظراً لأن التعرض لمركبات الزئبق، حتى الكميات الصغيرة منها، قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة لبعض الفئات المعرضة للخطر، فقد اعتبرته منظمة الصحة العالمية أحد أكثر 10 مواد كيميائية تؤثر على الصحة العامة للبشر.
ضمت قائمة المنظمات المشاركة في إطلاق الشبكة العربية لمنع استخدام الزئبق في علاج الأسنان، كلاً من الشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد»، ومنظمة الأرض والإنسان لدعم التنمية في المملكة الأردنية، وجمعية النادي المغربي للبيئة والتنمية، ومؤسسة إبداع للبيئة والتنمية المستدامة من اليمن، ومركز ياس للبيئة والصحة من سلطنة عُمان، وجمعية التربية البيئية للأجيال القادمة من تونس.
aXA6IDMuMTQ1LjguMiA=
جزيرة ام اند امز