مياه مشعة في المحيط الهادئ.. ماذا يحدث في فوكوشيما؟
وكالة الطاقة الذرية تقر الخطة واعتراضات من الصين وكوريا الشمالية
بدأت اليابان اليوم الخميس، تنفيذ خطة مثيرة للجدل، بتصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما للطاقة النووية بالمحيط الهادئ.
تتضمن الخطة اليابانية، التي تحظى بموافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تصريف حوالي 1.34 مليون طن من المياه المشعة، التي جرى تخزينها في صهاريج بموقع المحطة النووية، التي شهدت واحدة من أسوأ الكوارث النووية في العالم، عندما ضرب زلزال قوي اليابان في عام 2011.
وفي أعقاب الإعلان عن خطة تصريف هذه الكمية الكبيرة من المياه الملوثة بالإشعاع، في المحيط الهادئ، شهدت اليابان احتجاجات واسعة، كما سادت مخاوف لدى عدد من دول شرق آسيا من وصول المياه المشعة إلى شواطئها ومياهها الإقليمية.
وتعتبر الحكومة اليابانية أن تصريف المياه، التي تم جمعها وتخزينها لأكثر من 10 سنوات، "خطوة ضرورية" ضمن عملية طويلة ومكلفة، لإيقاف تشغيل المحطة النووية، الواقعة على الساحل الشرقي للبلاد، على بعد حوالي 220 كيلومتراً من شمال شرق طوكيو.
وكالة الطاقة الذرية تصادق على خطة الحكومة اليابانية
ووافقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خطة اليابان لتصريف مياه فوكوشيما في المحيط الهادئ، بعد معالجتها وتخفيف كثافتها، خلال زيارة مدير عام الوكالة، رافائيل ماريانو غروسي، إلى فوكوشيما في يوليو/تموز الماضي، رغم مخاوف متزايدة في اليابان، ولدى عدد من دول الجوار، من بينها الصين وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى اعتراضات من جانب المنظمات البيئية.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، قال رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، إنه طلب من شركة طوكيو للطاقة الكهربائية "تيبكو"، التي كانت تتولى الإشراف على تشغيل محطة فوكوشيما النووية، بدء التخلص من المياه في 24 أغسطس/آب الجاري، إذا ما كانت الظروف الجوية والبحرية مواتية.
وتعهدت شركة "تيبكو" بأنها ستقوم بتصفية المياه الملوثة، لإزالة النظائر المشعة منها، عدا عنصر "التريتيوم"، وهو نظير مشع لغاز الهيدروجين يصعب فصله من المياه، ونقلت وكالة "كيودو" اليابانية للأنباء أنه سيتم تخفيف المياه، لخفض مستويات "التريتيوم" بها إلى أدنى حد ممكن، قبل تصريفها إلى المحيط الهادئ.
وتقضي الخطة المعلنة من جانب الحكومة اليابانية، بتصريف المياه المعالجة بمحطة فوكوشيما، على مدار 30 عاماً على الأقل، وتخطط شركة "تيبكو" للتخلص من 31 ألف طن من المياه خلال العام الحالي، منها 7800 طن سيتم تصريفها إلى المحيط خلال المرحلة الأولى، على مدار 17 يوماً.
وتصر الحكومة اليابانية على أن المياه المعالجة "آمنة"، خاصةً وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعطت الضوء الأخضر للخطة المثيرة للجدل، وأكدت أنها "تفي بالمعايير الدولية"، وأن تأثيرها "ضئيل" على الناس والبيئة، بينما تعارض جماعات بيئية الخطة، وتؤكد أنه لم يتم تقييم التأثيرات المحتملة عن تصريف المياه المشعة إلى المحيط.
ويشير تقرير سابق لمجلة "ساينتفك أمريكان" إلى أن عنصر "التريتيوم" غير ضار نسبياً، حيث أن الإشعاع الصادر منه ليس نشطاً بدرجة كافية لاختراق جلد الإنسان، إلا أنه في حالة التعرض لمستويات أعلى، فإنه يمكن أن يزيد مخاطر الإصابة بالسرطان.
وعبرت منظمة "السلام الأخضر" عن شعورها بـ"خيبة الأمل" إزاء إعلان الحكومة اليابانية عن خطتها لتصريف مياه المعالجة لمحطة فوكوشيما في المحيط، وأكدت في بيان حصلت عليه "العين الإخبارية"، إنه لم يتم تقييم كافة المخاطر المحتملة، وأن التأثيرات البيولوجية لعناصر "التريتيوم"، و"الكربون 14"، و"السترونتيوم 90"، و"اليود 129"، تم تجاهلها بشكل كامل.
لماذا التصريف في المحيط؟
تنتج محطّة فوكوشيما أكثر من مئة ألف لتر من المياه الملوّثة كمعدّل يومي، وهي تتألف من مياه الأمطار والمياه الجوفية والمياه اللازمة لتبريد قلب مفاعلاتها التي دخلت في حالة انصهار نووي بعد الحادث.
هذه المياه تُجمّع وتعالج وتخزّن في الموقع، إلّا أنّ هذا الموقع بلغ حدّه الاستيعابي الأقصى، فقد خزّن 1,34 مليون طن من المياه أي ما يعادل نحو 540 حوض سباحة أولمبياً، في أكثر من ألف خزّان عملاق.
وبعد سنوات من التفكير اختارت اليابان في العام 2021 حلّ المشكلة عبر تصريف المياه في البحر على بُعد كيلومتر واحد من الساحل، عبر قناة بنيت في الماء لهذا الغرض.
ومن المفترض أن تستمرّ عملية التصريف حتّى بداية العام 2050 تحت إشراف الوكالة الدولة للطاقة الذرية، بمعدّل 500 ألف لتر كحدّ أقصى للتصريف في اليوم، بحسب ما أشارت شركة تيبكو المشغلة لمحطة فوكوشيما.
هل الخطة بدون مخاطر؟
تعالج المياه عبر عملية ترشيح تسمّى "نظام معالجة السوائل المتطوّر" ما يؤدّي إلى إزالة معظم المواد المشعّة باستثناء التريتيوم الذي لم تتمكن التقنيات الحالية من إزالته.
والتريتيوم هو من النويدات المشعة الموجودة في مياه البحر وله تأثير إشعاعي منخفض.
ويشير الخبراء إلى أنّه من الممكن أن يشكّل خطراً على صحة الإنسان فقط إذا تمّ استنشاقه أو ابتلاعه بكميات كبيرة.
وعملت شركة تيبكو على تقليل مستوى النشاط الإشعاعي لهذه المياه إلى أقل من 1500 بيكريل لكل لتر، أي بنسبة أقل بكثير ممّا تنصّ عليه المعايير الوطنية (60 ألف بيكريل لكلّ لتر من هذه الفئة).
والخميس، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أعطت الضوء الأخضر للمشروع الياباني في يوليو/تموز، إن التحليلات التي أجرتها على عينة من المياه من التفريغ الأول كانت نتيجتها "أقل بكثير" من 1500 بيكريل/لتر.
وقال المتخصّص في الإشعاع في جامعة أديلايد في أستراليا طوني هوكر لوكالة فرانس برس، إنّ محطات الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم ظلّت لعقود من الزمن تصرّف التريتيوم في مياه البحر. بالإضافة إلى محطات معالجة النفايات النووية كمحطة لاهاي في فرنسا.
وقال لم نجد له أيّ "أثر يُذكر على الصحّة أو على البيئة".
تباين مواقف سول وبكين وبيونغ يانغ إزاء خطة اليابان
وبينما أعلنت حكومة كوريا الجنوبية ثقتها في أن إطلاق مياه محطة فوكوشيما "يتوافق مع المعايير الدولية"، وأنها تحترم تقييم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعربت الصين عن قلقها إزاء الخطة اليابانية، ووصفتها بأنها "غير مسؤولة وأحادية الجانب".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وينبين، في بيان أوردته وكالة "شينخوا" الرسمية للأنباء، إن "المحيط ملك عام لجميع البشر، وليس ملكاً لليابان لكي تقوم بتصريف مياه ملوثة بالإشعاعات النووية فيه بصورة تعسفية"، وأضاف أن بكين ستتخذ "الإجراءات الضرورية لضمان البيئة البحرية، وسلامة الغذاء والصحّة العامة".
وكذلك، انتقدت وزارة الخارجية في كوريا الشمالية قرار اليابان بتصريف المياه المشعة في المحيط، ووصفته بأنه "جريمة لا تغتفر ضد الإنسانية، ستتم محاسبة اليابان عليها"، وتابع البيان، الذي نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية، أنه "على اليابان أن تتوقف على الفور عن الإطلاق الخطير للمياه المشعة، الذي يهدد بشكل خطير حياة وسلامة ومستقبل البشرية".
وتعارض نقابات الصيد في اليابان خطة الحكومة لتصريف مياه محطة فوكوشيما في المحيط، واعتبرت أنه من شأن ذلك تقويض جهود تحسين السمعة المتضررة لمصايد الأسماك منذ كارثة 2011، وقال ماسانوبو ساكاموتو، رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات مصايد الأسماك، إنه رغم أن الاتحاد يدرك أن المياه "آمنة"، من الناحية العملية، إلا أنه يخشى الإضرار بسمعة المصايد.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن كثيراً من اليابانيين، بمن فيهم جماعات الصيادين بمنطقة فوكوشيما، يشعرون بالقلق من أن تؤثر المياه المشعة على سبل عيشهم، وأشارت إلى عدداً من المحتجين نظموا مسيرة خارج مقر الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء، بالعاصمة طوكيو، يوم الثلاثاء الماضي، وطلبوا وقف خطة تصريف المياه الملوثة في المحيط على الفور.
كما أشارت شبكة "يورونيوز" إلى أن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي كان في زيارة لمنطقة فوكوشيما هذا الأسبوع، حرص على لقاء مجموعات من السكان المحليين، لمحاولة طمأنتهم من أن خطة تصريف مياه المحطة النووية تفي بالمعايير الدولية، وأن المياه المعالجة "آمنة".
وتناولت صحيفة "أوبزرفر" البريطانية الجدال الدولي حول الخطة اليابانية، حيث أبرزت قرار السلطات الصينية بحظر واردات جميع أنواع المأكولات البحرية من اليابان، مشيرةً إلى أن الحظر بدأ تطبيقه على الفور، كما أعلنت بكين عن عزمها تعديل الإجراءات التنظيمية، من أجل تجنب مخاطر تصريف المياه المشعة على الصحة العامة والسلامة الغذائية.
وأشارت صحيفة "الإندبندنت" إلى أن السلطات في كوريا الجنوبية ألقت القبض على 16 شخصاً على الأقل، شاركوا في وقفة احتجاجية خارج سفارة اليابان في سيول، لإعلان رفضهم لخطة الحكومة اليابانية لتصريف مياه مشعة من محطة فوكوشيما النووية في المحيط الهادئ.
aXA6IDMuMTQ1LjEwOC40MyA=
جزيرة ام اند امز