الكاكائيون.. شارب طويل واستحقاق مفقود في العراق
تتناقص أعداد الكاكائيين في العراق يوماً بعد يوم منذ أكثر من عقدين جراء جملة من الأحداث التي قست عليهم، ودفعتهم إلى مهاجرة الديار.
وتشير إحصائيات شبه رسمية بحسب تعداد سكاني أجراه العراق عام 1997، وتؤكدها جهات معنية بأحوال أبناء ذلك المكون، أن أعداد الكاكائيين تقترب من الـ230 ألفا، فيما تتضارب الأنباء عن أعدادهم المتبقية ولكن تذهب أغلبها نحو 200 ألف نسمة.
ويتوزع الكاكائيون في العراق عند جنوب كركوك في القرى التابعة لقضاء داقوق، وعند نواحي خانقين والسعدية ومندلي في ديالي، وكذلك في السليمانية وأربيل وحلبجة.
وقدم الكاكائيون أكثر من 340 قتيلاً جراء الظروف التي ترافقت مع احتلال داعش لمدن العراق في أحداث يونيو/حزيران 2014، والتي أجبرت مئات العوائل الكاكائية على مغادرة القرى التي تسكنها والواقعة قرب خطوط التماس مع التنظيم.
وشهدت ناحية النمرود التابعة لقضاء الحمدانية بمحافظة نينوى، موجة النزوح الأكبر حيث غادرت أكثر من 30 ألف عائلة باتجاه مناطق إقليم كردستان هرباً من بطش تنظيم داعش الإرهابي الذي أصدر فتوى تبيح قتل الكاكائيين بعد أيام من سيطرته على مدينة الموصل، عاصمة خلافته المزعومة.
وحتى ما بعد استرجاع المدن من قبضة التنظيم الإرهابي، وإعلان العراق الانتصار الكامل على داعش قبل 4 سنوات، إلا أن أبناء ذلك المكون لم يكونوا بمأمن من ضربات داعش والسياسة.
وشهدت المناطق التي تشكل أغلبية كاكائية، طيلة السنوات التي أعقبت عام التحرير 2017، مضايقات متفرقة شنها تنظيم داعش تضمنت حرق مزارات دينية وسقوط عدد من القتلى والجرحى كان أشهرها ما تعرضت له قرية دارا التابعة لقضاء خانقين بمحافظة ديالى خلال يونيو العام الماضي.
وتشكل الطبيعة الجيوسياسية لمناطق الكاكائيين تحدياً آخر في عدم استقرار أوضاعهم العامة والشعور المزمن بالقلق على مصير أبنائهم، لكونها تقع عند الأماكن المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل.
وتعيش سلطة المركز منذ أكثر من عقدين حالة خلاف وجدل مع صناع القرار الكردستاني بشأن عدد من القضايا العالقة بينها النفط والصلاحيات الممنوحة لإدارة الإقليم من قبل بغداد والمناطق المختلف على ضمها شمالاً أو الإبقاء على شدها نحو الداخل الاتحادي.
وبشأن ذلك الأمر يقول الأكاديمي والمسؤول عن ملف نازحي الكاكائيين، إسماعيل صالح كاكائي: في الحقيقة "لم يحصل استهداف مباشر للكاكئية من قبل داعش، ولكن حصل مناطقياً وجغرافياً في الرقعة الجغرافية في قضاء الحمدانية بنينوى وجنوب قضاء داقوق بكركوك وخانقين بشرق ديالى، حيث كل هذه المناطق هي ضمن المتنازع عليها بين المركز والإقليم والتي تسببت أن تکون تلك المناطق رخوة أمنياً".
ولفت إسماعيل كاكائي خلال حديث لـ"العين الإخبارية" إلى أن "تنظيم داعش استهدف هذه المناطق كرقع جغرافية كاملة بتركيبة سكانها المتنوعة خصوصاً سهل نينوى الذي شهد نزوحا من كل الأقليات بما فيها الشبك والمسيحيه والتركمان والإيزيدية والكاكائية والكرد عدا العرب السنة بالكامل تقريبا".
وأكد مدير ناحية مصيف صلاح الدين في أربيل حامد إسماعيل كاكائي التحديات وتداعياتها على أبناء المكون، موضحاً أن "مناطق الكاكائيين المتنازع عليها تشهد مشاكل أمنية كبيرة، نظراً لكونها على الخط الفاصل بين القوات الاتحادية وإقليم كردستان".
ويلفت حامد إسماعيل كاكائي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "الكاكائيين تعرضوا للعديد من المشاكل الأمنية على يد تنظيم داعش، وعلى يد الفصائل المسلحة التي هيمنت على قراهم بعد أحداث 16 أكتوبر".
وحرك رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، قطعات عسكرية تجاه مدنية كركوك في الـ16 من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، سميت بعمليات "فرض القانون"، استهدفت إخراج قوات البيشمركة وتسلم مهام حماية المحافظة من قبل القوات الاتحادية.
ولغاية الأن لا يوجد تمثيل حكومي أو برلماني للكاكائيين في العراق رغم المطالبات التي عرضها أبناء تلك الطائفة ولم تجد استجابة من بغداد.
وأوضح إسماعيل كاكائي أنه "لا يوجد أي اعتبار أو اعتراف رسمي من قبل الحكومة العراقية بالكاكائيين كأقلية على الرغم أننا من الناحية الدينية نعد مسلمين ومحسوبين على الفرقة الصوفية العرفانية فضلاً عن كوننا ننتمي للقومية الكردية".
واستدرك: "قدمنا عشرات الطلبات إلى مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية والبرلمان وأجرينا مقابلات مع شخصيات مسؤولة لكن لم نجد أذانا صاغيه ولم تكن هنالك أي استجابة".
ونوه: "نحن ضحايا للتجاذبات السياسية التي جعلت المكون خارج نطاق الحسابات ومعايير الإنصاف والعدل"، ومن جانبه اتهم هوشيار خليل، وهو حقوقي مهتم بمصالح الكاكائيين، الحكومة بالإهمال تجاه ذلك المكون وسلبه كل مكتسبات المواطنة والأرض.
وتابع هوشيار كاكائي: "أبلغنا الأمم المتحدة بهذا الإهمال في التمثيل رغم العديد من المطالبات باعتمادنا أقلية إثنية أسوة بالشبك والفيلية ومنحنا كرسي (كوتا) في البرلمان ومجالس المحافظات حسب كثافتنا السكانية ونحتفظ بنسخ من تلك الطلبات".
والكاكائيون بحسب ادعائهم، ديانة ظهرت قبل أكثر من 5000 عام، تعود جذورها إلى الديانة اليزدانية أو المثرائية التي ظهرت بين الشعوب الهندو-أوروبية. وعن طريقهم انتشرت في غرب آسيا ومنها إلى كردستان، لكن أول تأصيل رسمي معروف لها، كان في القرن الرابع عشر الميلادي، عن طريق السلطان إسحق مؤسس الديانة.
وكلمة "كاكا" تعني باللغة الكردية الأخ المحترم، وديانة الكاكائية يمكن أن تسمى أيضا ديانة الأخوة، ولأتباعها اسم آخر متداول هو "اليارسانية"، أو "أهل الحق".
والكاكائيون يتميزون بالشارب الطويل الذي يعد إرثاً ثقافياً ودينياً لدى أتباع هذه الديانة، كما أن زيهم المميز يتكون من "الصاية"، و"الجاكيت"، وربطة الرأس التقليدية.
ولدى الكاكائيون مزارات مقدسة لشخصيات دينية في منطقة هاوار التابعة لحلبجة، وقبر الإمام أحمد في كركوك، وقبر "زاوا شاسوار" في كفري، وقبر "بافي ميهمي" في خانقين، و"الشاه إبراهيم" في بغداد، بالإضافة إلى خمسة مزارات أخرى في محافظة نينوى.
ويؤدي الكاكائيون عبادتهم بلغتهم الأم وفي أماكن العبادة التي يسمونها "Cemhane" باستخدام الآلات الموسيقية ويؤدون عبادتهم معاً من دون تمييز بين النساء والرجال.