يذهبون في مهمة إطفاء الحرائق في مناطق النزاعات، لكن النيران تزداد اتساعاً، يتبدلون في وقت قياسي.
المبعوثون الأمميون أطباء سياسيون مندوبون عن منظمة مريضة، منظمة الأمم المتحدة، وهي منظمة حكومية دولية تأسَّست عام 1945، بعد الحرب العالمية الثانية، وقد حدد ميثاق الأمم المتحدة الهدف من تأسيسها، وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
الجدل الدائر حول المبعوث الأممي في السودان يفتح شهية الكتابة حول تجارب الحلقات المفرغة التي يقيم فيها هؤلاء المبعوثون.
نادي مناطق النزاع والصراع لا يزال يفتح أبوابه لتجارب التاريخ.
ما أشبه الليلة بالبارحة، أعود إلى قضية القضايا، وأم النزاعات والصراعات، لأتوقف عند مرحلة ما بعد انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين، حيث ظهر المبعوث الأممي الكونت النمساوي فولك برنادوت، أول مبعوث أممي إلى العالم العربي، حاول القيام بمهمته بإغلاق باب الهجرة اليهودية، وجعل القدس تحت السيادة الفلسطينية، لكنه تعرض لعملية اغتيال في القدس الغربية على يد العصابات الصهيونية يوم 17 سبتمبر/أيلول 1948، وقضى عن عمر 53 عاما، ومنذ ذلك التاريخ تعاقب المبعوثون لكن من دون جدوى، ولم تتوقف جولات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لم تكن هذه المهمة غامضة في إخفاقاتها المتتالية، فلعلني أتوقف أيضا أمام السادس من أبريل/نيسان عام 2011، عندما تم إرسال وزير الخارجية الأردني الأسبق عبدالإله الخطيب، مبعوثاً لدى ليبيا لإجراء مشاورات عاجلة، عقب إسقاط نظام العقيد القذافي، لكنه لم يبق في مهمته أكثر من أربعة أشهر.
ثم توالت رحلة المبعوثين، بدءا من البريطاني إيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني مارتن كوبلر، والأمريكية ستيفاني ويليامز، واللبناني غسان سلامة، وصولا إلى السنغالي عبدالله باتيلي.
ما شهدته الأزمة الليبية مع كل هذه الأسماء لم يختلف عن تجارب المبعوثين في سوريا ولبنان والعراق واليمن والسودان، والنزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، تختلف الأسماء وتتباين الجنسيات لكن النتائج واحدة، لم ينجح أحد، ولم يحاسَب أحد، وحدها الشعوب تدفع الثمن، وتقاذفها أمواج التجارب ولغة المصالح، ومهام إعادة ترتيب الخرائط.
هنا ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا نجحت تجارب المبعوثين الأمميين في مناطق نزاعات مثل البوسنة والهرسك، وكمبوديا، ورواندا، بينما تفشل في مناطق النزاعات العربية؟
لا شك أن منطقتنا العربية يراد لها أن تكون قلقة ومتشظية، وأن استقرارها ليس على هوى القوى الكبرى التي تبعث مندوبيها، وبالتالي فإن المبعوث الأممي لديه حدود في جدول أعمال تحركاته في تسوية النزاعات، بما يتماشى مع مصالح الدول الخمس الكبرى، ومن ثم يجب علينا -نحن العرب- أن نستفيد من هذه التجارب، وأن تكون المبادرة والمبادأة في الحل من داخل الدول ذاتها، وبإرادة شعوبها، ومن دون ذلك ستظل مناطق النزاعات العربية مرهونة بقوة خارجية, تعيش دوامات بلا نهاية.
** الكاتب: رئيس تحرير الأهرام العربي
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة