"حصن وينبوع وكهف".. قصص الإنسان الأول في "مليحة"
على أرض تعبق برائحة الأصالة وزخم الحضارة الإنسانية، تسرد منطقة مليحة في إمارة الشارقة، حكايات الإنسان قبل 130 ألف عام
على أرض تعبق برائحة الأصالة وزخم الحضارة الإنسانية، تسرد منطقة مليحة في إمارة الشارقة، حكايات الإنسان قبل 130 ألف عام وتؤكّد بمكوناتها الأثرية الفريدة على كثافة عناصرها الجاذبة، وضخامة إرثها الطبيعيّ الساحر الدّال على أهميتها التاريخية وفي كونها واحدة من أبرز الملامح الطبيعية النادرة في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة.
وتنبع قيمة مليحة في كونها عنصرَ جذب ثقافي وحضاري هام ومتجدد، نظراً لأنها واحدة من المناطق القليلة في المنطقة التي تحتضن دلائل واكتشافات تشير إلى حياة سكنت المكان وجابت معالمه وأركانه، تاركة آثارها تحكي حكايات العصور الخمس التي تعاقبت عليها.
وتتفرّد مليحة بثرائها الغنيّ بالعناصر البصرية، والجمال الطبيعي الخلّاب الذي عزّزته المكتشفات الأثرية الفريدة المكتشفة خلال عمليات بحث وتنقيب واسعة من قبل خبراء محليين وأجانب في علوم التاريخ والآثار، تؤكد جميعها على حضارة ضاربة جذورها في عمق التاريخ الإنساني.
ومن بين هذه العناصر الجمالية المكتشفة "ينبوع المياه الأثري"، الذي تشكّل بفعل مياه الأمطار الرعدية منذ آلاف السنوات، إذ تشير الدراسات إلى أن الينبوع كان يزوّد السكّان بالمياه العذبة، كما يتحدث بعض علماء الآثار عن أن الينبوع تشكّل بفعل السيول التي فاضت من أعلى جبل الحجر على سهول مليحة العشبية، ما يدلل على مصادر المياه، وأساليب الريّ المستخدمة آنذاك.
وسيكتشف الزائر إلى مليحة تفاصيل العصور، وخصائصها وأدواتها، حيث دلّت المكتشفات التاريخية في جبال الفاية على "كهف الفاية"، التحفة الفنية الطبيعية ، الذي عثر بداخله على أدوات تعود إلى العصر الحجري تؤكد على أن المكان كان مأهولاً بسكانٍ من قاراتٍ أخرى، مشيرةً بذلك إلى الاستراتيجية الجغرافية التي تتمتّع بها مليحة كبوابة عبور للشرق من القارة الأفريقية، بالإضافة إلى ما تبرهنه المكتشفات على قدرة وبراعة الإنسان في استغلال الطبيعة كملجأ للعيش والاحتماء من الظروف والعوامل الجوية القاسية، حيث تروي آثار مليحة حكايات الكفاح والحياة على مر السنين.
وبأبراجه الثمانية، يدلل "حصن مليحة الأثري" الذي بني باستخدام الطوب اللبن – الطوب المصنوع من الطين والقشّ- على تمتّعه بمكانة سياسية واقتصادية آنذاك، وإلى أن المنطقة كانت تخضع لما يشبه الحكم العسكري القديم، حيث أن عمليات الحفر أشارت إلى آثار حرق وكسر في جدرانه السميكة من الخارج ما يلفت إلى كونه قد تعرض إلى غزو ما، كما يحتوي الحصن على حجرات مخصصة للجنود ومواقد للطبخ، وقوالب لصكّ العملات و بالإضافة إلى العديد من المكتشفات الأثرية الهامة .
ومن منطلق الحرص على المحافظة والاهتمام بهذا الإرث التاريخي النادر، أخذت هيئة الشارقة للتطوير والاستثمار (شروق) على عاتقها جهود تطوير المكان لتهيئته بما يتناسب مع قيمته التاريخية والحضارية، وبما ينسجم مع رؤيتها واستراتيجيتها التي تنعكس في حفاظها على الموروث الثقافي وتحويله إلى وجهةٍ سياحية تجتذب أنظار العالم، لتكون مليحة بذلك واحدةً ، من أبرز مواطن الجذب السياحي في إمارة الشارقة.
وقال مدير مشروع مليحة للسياحة البيئية والأثرية، محمود راشد السويدي:" عمدنا في الهيئة إلى استغلال كافة العناصر الفريدة التي تحتوي عليها مليحة، لذا نفذنا العديد من المشاريع التطويرية والخدمية في المكان، كان أبرزها إنشاء مركز مليحة للآثار، المستوحى في تصميمه من جمال الطبيعة المحيطة به، والذي يشكّل حاضنة للآثار والمكتشفات التاريخية وجامعاً للصور التي تعكس روعة المكان، وكونه بوابة تربط الماضي بالحاضر هدفنا إلى جعله مركزاً حيوياً للزوّار يشتمل على خيارات ترفيهية ومغامرات فريدة، عديدة تتيح لهم اكتشاف مليحة بالطريقة المثلى ، كما قمنا بتطوير عدد من المرافق المخصصة للمبيت في مواقع مختلفة، بالإضافة إلى مقهى مليحة الأثري الذي يخدم زوار الوجهة، ومناطق مخصصة للأنشطة والفعاليات".
أضاف:" دللت جهود التنقيب عن اكتشافات ثمينة ونادرة شملت العثور على أدوات تعود إلى العصر الحجري، ومصنوعات يدوية تشير إلى حِرف يدوية اشتهرت بها المنطقة، وموروثات لغوية منقوشة على قطع من الجبس برموز قديمة، كما وجدت أدوات نحاسية وأخرى فخّارية تعكس طابع العيش القديم، فضلاً عن ألواح جنائزية من الطوب واللبن كانت توضع على القبور كشواهد لها".
وتعد "مليحة للسياحة البيئية والأثرية" إحدى الوجهات السياحية الرائدة التابعة لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، حيث تم افتتاح المرحلة الأولى منها في يناير 2016، لتعكس بذلك رغبة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في تسليط الضوء على المواقع الأثرية القديمة في إمارة الشارقة، والتي تم الكشف عنها بعد سنوات من البحث والتنقيب من قبل هيئة الشارقة للآثار، بهدف حماية الآثار والبيئة والحياة البرية في منطقة مليحة.