تراخيص الهاتف النقال.. هل يوقف القضاء المستعجل نزيف المال العراقي؟
يعد ملف التراخيص الممنوحة لشركات الهاتف النقال واحدا من أكثر الملفات جدلاً الذي تشوبه صفقات فساد.
فتح النائب المستقل محمد شياع السوداني، النار مؤخراً على شركات الاتصال الثلاث العاملة في العراق منذ 15 عاماً، بالتحرك قضائيا واستصدار أمر ولائي بوضع اليد على عقد تجديد العمل لتلك الشركات لخمس سنوات.
ويعد ملف التراخيص الممنوحة من قبل هيئة الإعلام والاتصالات الممنوحة إلى الشركات العاملة في مجال الهاتف النقال في العراق، واحدا من أكثر الملفات جدلاً الذي تشوبه صفقات فساد واتهامات لأذرع الظل في توفير الحماية السياسية وتحصين المسؤولين في هذا القطاع من المسألة القانونية والقضائية.
ووقع العراق عام 2007، في العاصمة الأردنية عمان، عقداً مع شركات آسيا سيل وتليكوم والأثير بقيمة 1.250 مليار و250 مليون دولار لمدة 15 عاماً.
وتثار جدلية ذلك الملف، بشأن أن العقود التي أبرمت مع تلك الشركات، جاءت في حين كان العراق لا يتجاوز مشتركيه المليوني مشترك بقيمة مليار وربع المليار دولار، وبقاء العقد ساري المفعول لغاية الآن دون النظر بازدياد عدد المشتركين الذين وصلوا إلى ما قرابة نحو 39 مليون مشترك، بحسب تقارير لجهاز الإحصاء المركزي.
واتسمت طبيعة الخدمة المقدمة من خلال تلك الشركات طوال تلك الأعوام بالضعف والرداءة والأساليب غير الشرعية في محاولة استنزاف أرصدة المشتركين، فيما لم تستطع الجهات الرقابية والتشريعية من ملاحقة التلكؤ وفرض الشروط الجزائية والقانونية على جهات الاتصال الثلاث.
في 9 من يوليو/تموز الماضي، حصلت الشركات العاملة في قطاع الهاتف النقال، على رخصة تجديد لثماني سنوات بدءاً من عام 2022 ولغاية 2030، من بينها ثلاث سنوات جاءت بتبويب قانوني تحت مسمى التعويضات، جراء الأحداث التي شهدها العراق إبان اجتياح تنظيم داعش للمدن في يونيو/ حزيران 2014.
ويبدي السوداني، استغرابه من الذهاب باتجاه التمديد من قبل هيئة الإعلام والاتصالات لتلك الشركات رغم عدم التزامها بتسديد الديون التي بذمتها إلى الآن، وضعف الخدمة المقدمة للمشترك.
وتابع: "لقد عوضت الدولة شركات الاتصال عن الأضرار التي لحقت بها جراء عمليات الإرهاب، ومع هذا يصار إلى تعويضها مرة أخرى رغم أن ادعاءها بالتضرر خلال فترة داعش كلام غير دقيق وبعيد عن واقع الأرقام".
وقال في حديث مع "العين الاخبارية"، إن "قيمة الأموال التي من المفترض أن يتم تحصيلها من مجال الاتصالات مقارنة بأعداد المشتركين في العراق تصل إلى ملياري دولار شهريا، وهو ما يعظم في موارد الموازنة وخصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي يعيشها العراق".
وقاد وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق، محمد شياع السوداني، إن حملة قضائية وممانعة حكومية لتعطيل الموافقات الممنوحة الى شركات الاتصالات، بدأت منذ أكثر من شهرين، عبر إرسال تقرير موقع من قبل 85 نائبا الى مجلس الوزراء والهيئة الاقتصادية في الـ29 من يونيو/حزيران الماضي، يطالبه بسحب تراخيص التجديد "لإيقاف الهدر بالمال العام".
والسوداني، نائب مستقل، أوكلت إليه أربعة ملفات يعلوها الفساد والتلكؤ في خضم الازمة الاقتصادية، وظروف جائحة كورونا، التي ضربت العراق وهي نافذة بيع العملة والصناعات الحكومية والمنافذ الحدودية وشركات الاتصال.
ويوضح النائب المستقل: "لم نستلم أي إجابات بشأن تقريرنا المرسل حتى اضطررنا إلى اللجوء للقضاء تبعها تقديم دعوى مدنية ضد شركات الاتصال لسوء الخدمة والتعثر في تنفيذ التزاماتها، بحسب العقد المبرم، وقد استحصلنا الأمر الولائي بإيقاف العمل بتجديد التراخيص".
ويلفت النائب المستقل إلى أن "العراق إلى الآن يعمل بخدمة 3G، رغم أن العالم غادرها منذ سنوات ودخوله في الحزمة الخامسة عالية التقنية".
وأثار توجه مجلس الوزراء لتجديد رخص شبكات الاتصال في العراق، في يوليو/تموز الماضي غضباً عارماً على المستوى الشعبي والبرلماني، فيما دعت مطالبات نيابية إلى عدم تجديدها، ومحاسبة هيأة الإعلام والاتصالات لعدم قيامها بدورها في مراقبة عمل الشركات.
وأعلن المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء، أحمد ملا طلال، عقب تلك التطورات، أن الحكومة ستجدد الرخص، شرط تسديد الشركات 50% من الديون المترتبة بذمتها.
واتهمت أوساط نيابية، هيئة الاعلام والاتصالات المعنية بتراخيص العقود والتمديد بـ"التستر على تلكؤ شركات الهاتف، وتعمد التغطية على سوء الخدمة ومخالفاتها الكثيرة ".
ويرى الخبير القانوني طارق حرب في حديث إلى "العين الاخبارية"، أن "الأمر الولائي الذي استحصله النائب محمد السوداني لن يستطيع من إيقاف تجديد الترخيص للشركات، كون العقود قد وقعت، حيث كان من المفترض أن تقام الدعوى بطلب إيقاف الآثار المترتبة على التجديد وليس على التمديد".
والأمر الولائي أو ما يسمى بـ"القضاء المستعجل"، هو قرار قضائي أقرب إلى الإجراءات الإدارية يتم البت في إصداره دون إشعار أو تبليغ الطرف المدعى عليه وهو لا يمس جوهر القضية وإنما يبحث في تحديد إجراءاتها.
وأصدر القضاء العراق أمس الثلاثاء، قرار ولائياً يتضمن إيقاف إجراءات تمديد رخصة الشركات الخاصة بالهاتف النقال في العراق لحين حسم القضية.
فيما أكدت عضو لجنة الخدمات النيابية النائب منار عبد المطلب، أن الحكم القضائي الأخير أسهم في إيقاف "أكبر نزيف في الأموال العراقية".
وهيئة الإعلام والاتصالات، هي الجهة المخولة قانونيا والممنوحة دستوريا في حق التعاقد مع شركات الهاتف النقال وفقاً للمادة 103 من الدستور العراقي والأمر التشريعي رقم 65 لسنة 2004 وقرار مجلس الوزراء 422 لسنة 2015.