تعتبر إثيوبيا مجتمعا خصبا لاحتضان الأديان، إذ استضافت اليهودية والمسيحية والإسلام، وتعايش أتباع هذه الرسالات عبر قرون فوق أراضيها.
وقد قدمت مناطق إثيوبية مختلفة عبر تاريخها صورا رائعة من صور التعايش بين أتباع الأديان، خاصة الإسلام والمسيحية في شمال إثيوبيا، كذلك في مناطق "ولو" وبعض مناطق إقليم تيغراي.
ويحتضن الشمال الإثيوبي أتباع مختلف الديانات، فنجد أضرحة للصحابة، ومسجد النجاشي، "أصحمة"، بجانب معالم مسيحية مثل كنيستَي الصخرة ومريم.
وفي مناطق إثيوبية كثيرة، مثل "ولو"، تسمّي بعض الأسر المسيحية والإسلامية مواليدها أسماء متشابهة، إذ لا يجدون فرقا ثقافيا بين الإسلام والمسيحية ليفرقوا هم بين أبنائهم باختلاق تمييز عبر الاسم.
في عام 1985 ضرب الجفاف إحدى قرى مقاطعة "ولو" بإقليم أمهرا، شمال إثيوبيا، ما أدى إلى هجرة كم ضخم من المواطنين من تلك المقاطعة إلى الحدود الإثيوبية-السودانية، وعلى إثر ذلك قرر رجال الكنيسة الانتقال بأتباعهم وتوابيتهم وأغراضهم إلى المنطقة الحدودية أيضا، فيما كان في المنطقة التي ضربها الجفاف بعض التجار المسلمين، ميسوري الحال، والذين بادروا بطلب أن تظل الكنيسة والقساوسة باعتبارها جزءًا من إرث المنطقة وتاريخها وثقافتها، على أن يقوم المسلمون برعايتها وخدمتها وحمايتها، بمن فيها من قساوسة يشرفون عليها.. فهاجر الجميع وظلت الكنيسة بكامل ممتلكاتها تحت حماية وخدمة إسلامية صرفة، حتى استقرت الأوضاع في المنطقة، وعاد المواطنون إليها بعد سنوات.
هذه القصة يتم تداولها بين السكان في إثيوبيا كصورة بهية من صور التآخي بين المسلمين والمسيحيين هناك، وكمَلْمح مثالي يؤكد أن إثيوبيا هي فعلا أرض التعايش الديني بين أتباع الديانات المختلفة، والذين قد يصل الأمر بينهم إلى حد التصاهر بالزواج، ما يشكّل هوية خاصة لبعض المناطق في إثيوبيا، إذ لا يمكن تصور هذه المناطق دون هذا التداخل والتمازج الروحي بين أتباع الديانتين بإرثهما المختلف والمتشابه.
قصص التعايش بين مسلمي ومسيحيي إثيوبيا ليست نادرة، بل تتعدد صورها في نسيج المجتمع، فنرى اشتراك المسلمين والمسيحيين في تنظيف الساحات خلال الاحتفالات الدينية، كعيدَي الفطر والأضحى، فلا يعلو شيء في إثيوبيا على صوت التعايش.. ولا أحد ينظر إلى الآخر المختلف عقائديا عنه إلا بعين المحبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة