الواقعية السياسية تقتضي بأن ينظر كل منا إلى معطيات الواقع الذي نعيشه من متغيرات وثوابت
الواقعية السياسية تقتضي بأن ينظر كل منا إلى معطيات الواقع الذي نعيشه من متغيرات وثوابت، والمتغيرات لا شك أنها أكثر بكثير من الثوابت للأسف الشديد، وأكبر دليل على ذلك المتغيرات المتسارعة في القضية الفلسطينية وعلى رأسها محاولات المحتل الإسرائيلي الحثيثة لحرف الأنظار عن مبادرة السلام وفرض واقع جديد على الفلسطينيين والعرب.
أما حين الحديث عن الثوابت في ذات القضية عربية الاهتمام فإن الأمر الثابت والمبدئي هو التزام العرب بخيار السلام ولا شيء غيره، ليس لأن العرب في حالة ضعف أو أنهم ليسوا بالقوة التي لدى المحتل، بل لأنه حقاً الخيار العاقل والأقل كلفة والأكثر تحقيقاً للمنفعة، والأكثر منطقية وقرباً من الواقعية السياسية التي تفرض علينا تفاصيلها والانخراط فيها والتكيف معها كل يوم، فإما نتكيف مؤثرين أو يؤثر فينا غيرنا.
تصريحات محمد بن سلمان التي صرح فيها بأحقية أي شعب - بما فيه الشعب الإسرائيلي- أن يعيش على أرضه، لا يمكن وضعها إلا في إطار واحد يؤدي إلى المزيد من الإحراج لهذا الكيان ومن يقف إلى جانبه بشكل مباشر أو غير مباشر.
كيف لنا أن نحقق خيار التأثير آخذين في الاعتبار كل ما حول منطقتنا من أعباء ومتغيرات جيوسياسية تفرض علينا واقعاً يحتم علينا التعامل معه دون أن ننسى ما يفعله المحتل بأهلنا في فلسطين من جرائم وانتهاكات وهضم للحقوق وتغيير للديمغرافيا وتهويد للقدس وغير ذلك من جرائم وانتهاكات.. الإجابة تكمن في التمسك بخيار السلام المتمثل في المبادرة العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك السعودية، في عام 2002، وأيدها العرب أجمعون. ولكن للأسف الشديد لا يريد المحتل أن يلتفت إلى مبادرة بهذا القدر من الإنسانية ستجلب السلام للمنطقة ويستطيع بفضلها أن يعيش الجميع جنباً إلى جنب بسلام.
ما فعلته إسرائيل منذ إطلاق هذه المبادرة وإلى هذه اللحظة كان كفيلاً بأن يتجاوز الفلسطينيون والعرب مرحلة التفاؤل التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها بشأن إمكانية تحقق هذا السلام، ولذلك فإن تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي صرح بها لصحيفة بوليتيكو كانت مثار جدل غربي قبل أن يتم تداول احتمالاته وتفسيراته عربياً وكانت طرحاً جديداً في جميع الأوساط السياسية والاجتماعية عربياً وإقليمياً وغربياً.
غربياً تم تناول الأمر من ذات الزاوية التي بدأت بها مقالي وهي الواقعية السياسية، ردود الفعل الغربية - التي انحصرت في نطاق التحليل السياسي والتناول الإعلامي - كانت من الوضوح بقدر وضوح تصريحات ولي العهد السعودي، إلا أنه تم تضخيم احتمالات وتفسيرات تحملها التصريحات المقتضبة والواضحة، ومن وجهة نظري فإن تلك التصريحات فاجأت الكثيرين غربياً وعربياً لسبب بسيط وهو توقيت التصريح المتزامن مع التطورات الدراماتيكية التي تشهدها القضية الفلسطينية، المتأثرة بالمتغيرات الدولية التي تصب بعضها نظرياً في صالح القضية الفلسطينية. الطابع الذي غلب على ردود الأفعال.
أما عربياً وإقليمياً فجاءت ردود الأفعال متفاوتة ومتأرجحة بين التأييد والانتقاد والامتناع والرفض على مستويات متعددة سياسياً واجتماعياً وإعلامياً، من امتنع أو رفض التصريحات تأثر رأيه بالتناول التحليلي الغربي في كثير من الحالات وبالولاءات الإقليمية في أخرى خاصة من تفاعل كأنه لا يعرف شيئاً عن المبادرة العربية التي حظيت بموافقة وإجماع العرب منذ ما يقرب من عقدين، إضافة لتأييد المجتمع الدولي كذلك، ثم لماذا لا يتحدث من ينتقد هذه التصريحات عما حملته التصريحات من تأكيد على كامل حقوق الفلسطينيين.
تصريحات محمد بن سلمان التي صرح فيها بأحقية أي شعب - بما فيه الشعب الإسرائيلي- أن يعيش على أرضه، لا يمكن وضعها إلا في إطار واحد يؤدي إلى المزيد من الإحراج لهذا الكيان ومن يقف إلى جانبه بشكل مباشر أو غير مباشر، في توقيت يختار فيه هذا الكيان التصعيد وإطلاق التصريحات المستفزة، هذه التصريحات تعني ألا مجال أمامكم أيها الإسرائيليون إلا خيار السلام إن كنتم تريدون الحصول على ذلك الحق، خيار السلام الذي يضمن الحل الذي ارتضاه الفلسطينيون لأنفسهم على مضض، وهو حل الدولتين، الذي لن يتأتى دون انسحاب كامل من الأراضي العربية إلى خط الرابع من يونيو/حزيران من عام 1967 بما في ذلك الانسحاب من الجولان السوري المحتل والأراضي المحتلة اللبنانية، وتطبيق القرار 194 الذي يضمن حلاً لمشكلة اللاجئين، وحينها يلتزم العرب باعتبار الصراع بينهم وبين الإسرائيليين منتهياً وتنتقل العلاقات إلى مرحلة الطبيعية ويعم السلام العادل والشامل المنشود، وإلا فإن من حق هذا الشعب أن يبحث عن حقه بالطريقة التي يرتئيها، وعلى الرغم من أن الظرف صعب ودقيق إلا أن صوت الحكمة السياسية لابد أن يعلو ويسود، وأيضاً في التذكير بهذه المبادرة فيه من التلميح الذي يأخذ صفة التصريح الموجه للولايات المتحدة التي تدعم بشكل مطلق كل من تقوم به إسرائيل من انتهاكات وجرائم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة