صحيح، إن أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، هو عرَّاب رؤيتنا الطموحة الذكية 2030.
تلك الرؤية التي آتت كثير من برامجها أُكلها حتى قبل أوانها، لا سيَّما برامج التحول الوطني، تلك البرامج العديدة المتنوعة في كل المجالات التي تهدف في نهاية المطاف إلى عدم الاعتماد على النفط محركا أساسيا لاقتصادنا، ليفضي هذا الجهد الصادق الهائل كله إلى تحقيق رؤية القيادة الرشيدة بالوصول إلى مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح.
وقد رأينا كلنا كيف أن سمو ولي عهدنا انكب على العمل الجاد الدؤوب ليل نهار مع الجهات الحكومية المختلفة لتنفيذ برامج الرؤية، لترسيخ الأمن والاستقرار، وتحقيق تنمية بشرية متوازنة تلبي كافة الاحتياجات لحياة ملؤها الاطمئنان والراحة النفسية، والعزة والكرامة، وتحقيق الذات من خلال إتاحة الفرصة لكل قادر على العمل من الجنسين، ولا تزال رحلة تحولنا الاقتصادي الهائلة المدهشة مستمرة في تحقيق المنجزات والمستهدفات حسبما جاء في رؤيتنا، لكي نذهل العالم أكثر بما يتحقق على أرض الواقع بمشيئة الله مع بزوغ فجر عام "2030".
أجل، أقول بيقين تام أكيد لا يخالجه شك أبداً إن أخي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود هو عرَّاب رؤيتنا ومهندسها الأمين، الذي تحمَّل العبء الأكبر مع شركاء العمل في مختلف الوزارات والجهات الحكومية ذات العلاقة، لتحقيق برامج الرؤية وفق خطة محكمة لا تعيق سيرها الأحداث الطارئة مهما تعاظم خطرها وادلهمت الخطوب.
وقد ظهر هذا جليَّا في أثناء تصدي دولتنا الطيبة المباركة هذه، حرسها الله، لجائحة كورونا التي أقامت الدنيا ولم تُقعدها، والحد من آثارها الاقتصادية والاجتماعية. الأمر الذي يؤكد بجلاء صدق عزيمة السعوديين التي لا يفلها الحديد، وقوة اقتصاد بلادنا الذي تجاوز خيره حدودنا القُطرية، ليسهم بقسط وافر في استقرار أسواق الطاقة في العالم كله، ويقود الحقبة الخضراء القادمة لحماية الأرض والطبيعة بالكفاءة اللازمة.
قلت إن كثيرا من برامج رؤيتنا آتت أُكلها قبل أوانها، بتوفيق الله ثم بصدق عزيمة القيادة الرشيدة على تحدي الصعاب مهما تعاظمت، ثم بهمة السعوديين وطموحهم الذي يناطح السحاب.
ويكفي أن أشير هنا فقط إلى إحراز بلادنا مراكز متقدمة في المؤشرات الدولية في مختلف المجالات، كتقدمها مثلا بثلاثين نقطة في سهولة مباشرة الاستثمار والتجارة، وتقدمها بعشرين نقطة في الاستراتيجية الوطنية، فضلا عن اتخاذ 44 شركة عالمية رائدة، الرياض مقرا دائما لها، تحقيقا لأحد أهم برامج الرؤية لكي تصبح بلادنا وجهة استثمارية عالمية تُشد إليها الرحال من كل فج عميق، وتحقيق نمو بلغ 8%، ليفضي هذا كله إلى ميزانية جديدة قلبت المعادلة تماما من عجز تجاوز 9% في ميزانية العام المنصرم، إلى فائض زاد على 9% في ميزانية العام القادم.. ولعمري، في هذا وحده أنصع دليل على نجاح برامج رؤيتنا الطموحة الذكية.
أجل، ولي عهدنا هو عرَّاب رؤيتنا ومهندسها، التي استمدت طموحها من طموحه، غير أنه هو نفسه، من جهة أخرى، يمثل رؤية السعوديين التي يراهنون عليها لتحقق كل تطلعاتهم وطموحاتهم بغد أكثر ازدهارا وإشراقا وتميزاً.
وربما لا يتسع المجال هنا لكي يشرح الإنسان كيف أن مهندس الرؤية هو نفسه يمثل رؤية شعبه الطموحة الذكية، غير أنني أكتفي بإشارة سريعة إلى جولته الخليجية الأخيرة، وما اتسمت به من احترام وتقدير، واتفاق حول الرؤى فيما يتعلق بكل القضايا المشتركة مع الإخوة الأشقاء في خليج الخير، تلك الجولة التي استهلها سموه يوم الاثنين الثاني من شهر جمادى الأولى عام 1443، الموافق للسادس من ديسمبر لعام 2021، بزيارة سلطنة عُمان واختتمها بدولة الكويت، أي انطلقت الجولة من جنوبي الخليج العربي إلى شماليه، مرورا بدولة الإمارات العربية المتحدة، فدولة قطر، ثم مملكة البحرين.
وقطعاً، لا بد لكل مراقب حصيف أن يدرك من الوهلة الأولى سر استهلال ولي العهد جولته الميمونة تلك بسلطنة عمان الشقيقة، وإن كان للأشقاء كلهم المكانة نفسها في القلب: تعبيرا عن العرفان والامتنان للسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، الذي كانت أول زيارة خارجية له إثر توليه مقاليد الحكم في بلاده إلى المملكة العربية السعودية، الشقيقة الكبرى، تقديرا لدورها في العمل الأخوي المشترك ومكانتها الإقليمية والعالمية.
ثم قصد سمو ولي العهد بعد سلطنة عمان، دولة الإمارات العربية المتحدة، لينطلق منها إلى دولة قطر، ثم مملكة البحرين، ليكون مسك ختام الجولة الميمونة المباركة بدولة الكويت.
وقد لاحظنا اتسام تلك الجولة بالاحترام المتبادل والجدية والتحلي بالمسؤولية، مثلما ظهر جليَّا في تلك الاستقبالات المهيبة لضيف الأشقاء الخليجيين الكبير، ومظاهر الكرم الحاتمي الفياض، والحفاوة العربية الأصيلة.
فقد استقبله في محطته الأولى من جولته الميمونة المباركة، السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، وولي عهده.. بل في كل محطة كان يستقبله إخوته القادة وكبار رجالات الدولة، ثم يودعونه بالحفاوة نفسها حتى سلم الطائرة، كما منحوه أرفع الأوسمة والنياشين التي لا تمنح عادة إلا للملوك والرؤساء وقادة الدول الذين يسهمون بدور بارز في ترسيخ العلاقات المشتركة، تقديرا لدور سموه الرائد في ترسيخ العلاقات والتعاون الأخوي المشترك بين بلاده وبين الأشقاء في خليج الخير.
وأكتفي هنا بإشارة سريعة لما تحقق في أثناء جولة ولي عهدنا تلك، إذ تزامن وصوله الميمون إلى سلطنة عمان مع افتتاح الطريق البري السريع الذي يربط المملكة بالسلطنة، ويمتد لمسافة 680 كيلومترا عبر صحراء الربع الخالي، ليمثل بذلك شريانا حيويا للتبادل التجاري والسياحة والسفر والتواصل الاجتماعي.
وقد أنفقت المملكة أكثر من مليارَي ريال على هذا المشروع الكبير، تأكيدا لتلك العلاقات المتجذرة المتميزة، التي تنشد مستقبلا واعدا للبلدين الشقيقين، إضافة لتوقيع 13 مذكرة تفاهم بين الشركات في المملكة والسلطنة، وتخصيص 30 مليار ريال لتعزيز الاستثمارات المشتركة.. ليصدق قول شاعرهم:
النجم يشهد والسماء تنادي
ما بيننا حدود، كلها بلادي
مــا هـــو بخــــــــــالي
دربا خــــذاني لخــلاني
فلم تعد تفصل بيننا حدود، ولم يعد الربع خاليا كما كان يقال عنه في السابق، إذ قطعا سيشهد بعد اليوم حركة دؤوبة متصلة، وغدا تنتشر على جانبيه محلات تنبض بالحياة، فتحيل الصحراء إلى واحة غناء خضراء، تقول للعالم أجمع: ثمَّة دول هنا ورجال لا يعرفون المُحال.
وبالطبع، يقال الشيء نفسه عمّا تحقق في جولة سمو ولي عهدنا في دولة الإمارات ودولة قطر ومملكة البحرين ودولة الكويت من توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم ومبادرات ثنائية، فضلا عمَّا تم بحثه من قضايا مشتركة كالأمن والدفاع والاقتصاد والتجارة والاستثمار، تفعيلا لما جاء في قمة العُلا التي عقدت في الخامس من يناير عام 2021، ومناقشة الأوضاع المختلفة من انتخابات العراق إلى فوضى الحوثيين في اليمن، والوضع في سوريا ولبنان والسودان وتونس، والملف النووي الإيراني، وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة وانكفاء أمريكا على شؤونها الداخلية.. تمهيدا للقمة الخليجية 42 التي عقدت في الرياض من جهة وللقمة العربية التي ستعقد في مارس القادم في الجزائر.
وعليه، أختم بتأكيد أن جولة ولي العهد السعودي في دول الخليج العربي قد أظهرت حقا قمَّة الجديَّة والتحلي بروح المسؤولية والاحترام المتبادل.. كما أكدت لنا في الوقت نفسه وللعالم أجمع، أن سموه هو حقا رؤية السعودية الطموحة الذكية التي يراهنون عليها، وأملها المشرق، وفارسها الذي لا يدخر وسعا من أجل راحة مواطنيه ورفاهيتهم.. فسِر يا محمد! كلنا معاك.. سِر على بركة الله، كلنا وراءك!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة