حين ضربت إسرائيل مفاعل أوزيراك العراقي في 7 يونيو 1981، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، بيجين، من سفير أمريكا في إسرائيل، إرسال برقية للرئيس الأمريكي الأسبق، ريجان، يبلغه فيها بتدمير المفاعل.
واليوم ومع تحول النووي الإيراني إلى أزمة عالمية على كل المستويات، وإلى أزمة وجودية لإسرائيل، لعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، يفكر في تكرار سيناريو بيجين-ريجان مع الرئيس الأمريكي "بايدن"، وإن اختلفت الظروف بحكم تعقيدات طبيعة الملف النووي الإيراني، لكن الثابت أن إسرائيل أعلنت أنها غير معنية بأي اتفاق نووي يتم التوصل إليه مع إيران، فلسان حالها يقول إنه لا تعايش مع "إيران نووية".
إسرائيل في تطلعها إلى الخيار العسكري ضد المفاعلات النووية الإيرانية تدرك جيدا أن إيران غير العراق، فالمفاعلات النووية الإيرانية كثيرة إلى درجة من الصعب معرفة عددها، وأماكن توزيعها وانتشارها، والمسافات البعيدة التي تفصلها، لا سيما تلك التي أقيمت تحت الجبال، فضلا عن أن إيران تمتلك قوة ردع كبيرة، سواء من خلال ترسانتها العسكرية أو أذرعها المنتشرة في المنطقة، من اليمن إلى لبنان، مرورا بسوريا والعراق وغزة، وعليها التدقيق في خيارها العسكري جيدا كي لا يتحول إلى كارثة لها وللمنطقة، خاصة أن الطرف الإيراني يمارس حربا إعلامية قديمة-جديدة ضدها، من نوع "محو إسرائيل وتدميرها خلال ساعات".
مؤشرات الخيار العسكري الإسرائيلي ضد المفاعلات النووية الإيرانية باتت واضحة وكثيرة، فوزير الدفاع، بيني جانتس، يقول إنه أصدر تعليماته لجيشه بالاستعداد لهذا الخيار، وأنه أبلغ الجانب الأمريكي بذلك، وإسرائيل في طريقها لإشهار هذا الخيار لا تتوقف عن عقد صفقات شراء أسلحة متطورة جدا، وتخصيص ميزانيات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، وإجراء تدريبات عالية المستوى لطائراتها المقاتلة، وعقد محادثات مكثفة مع القيادة العسكرية الأمريكية بهذا الخصوص.. لذا فكل شيء يوحي بأن الخيار العسكري الإسرائيلي ضد النووي الإيراني أصبح واقعا، لا سيما في ظل المؤشرات التي توحي بإخفاق مفاوضات فيينا للتوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى الكبرى، فضلا عن أن ما يساعد على ذلك تلك اللغة الحربية لإيران، وحديثها من موقع القوة المزعوم، ونهجها المتشدد في التفاوض، وكأنها تبحث عن نصر سياسي لا اتفاق ينقذها والمنطقة من صدام مدمر.
في انتظار جلاء المشهد أكثر، ثمة من يضع التلويح الإسرائيلي بالخيار العسكري ضد المفاعلات النووية الإيرانية في إطار أمرين:
الأول أن التلويح الإسرائيلي بالخيار العسكري هو سياسي ودبلوماسي أكثر مما هو عسكري حقيقي، وأن الهدف من ذلك هو دعم الموقف الأمريكي والأوروبي في المفاوضات الجارية مع إيران للتوصل إلى اتفاق بأفضل شروط.. اتفاق يتضمن ضوابط صارمة على النشاط النووي الإيراني، وآليات دولية محكمة لمنعها من إنتاج أسلحة نووية.
الثاني أن الخيار العسكري بات لا مناص منه، بعد أن خصبت إيران اليورانيوم بدرجات عالية النقاء، وبكميات كبيرة، وباتت على عتبة إنتاج أسلحة نووية رغم نفيها ذلك، وعليه.. لم تعد القضية في إسرائيل قضية اللجوء إلى هذا الخيار من عدمه، بل قضية التوقيت، وضمان نجاح هذا الخيار، والأهم هو إشراك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذا الخيار، وعلى الأقل تأمين التغطية الجوية اللازمة لنجاح الضربة وحمايتها.
تدرك إسرائيل أن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية أقرب إلى مغامرة غير معروفة النتائج والتداعيات مسبقا، لكن الثابت أنها تستعد لهذا الخيار على قدم وساق، وتتحرك وكأن مفاوضات فيينا فشلت، وأن الزمن لم يعد لصالحها بل لصالح النووي الإيراني، وأن الأسلوب الأمريكي والرهان على المفاوضات لن يؤديا إلى نتيجة، وأن التردد الأمريكي في إعلان فشل المفاوضات لن يكون بعد اليوم على حساب إسرائيل وأولوياتها.
وفي كل ما سبق، يبدو "بينيت" أمام مشهدين أو لحظتين، لحظة تكرار تجربة بيجين مع ريجان، أو لحظة دفع "بايدن" إلى قلب السيناريو عبر ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل بضمانات الحماية ونجاح الضربة، طالما يشكل النووي الإيراني عقدة وجودية لإسرائيل.. يرفض المفاوض الإيراني النزول من قمة شجرة النووي، التي صعد إليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة