الإمارات وفرنسا.. شراكة استراتيجية قفزت فوق حواجز البراغماتية السياسية
شراكة استراتيجية عميقة شقت طريقها إلى دولة الإمارات وفرنسا خلال العقدين الماضيين، لتقفز فوق حواجز البراغماتية السياسية.
تلك الشراكة تنطلق دوما إلى آفاق أرحب وأوسع، يتصل بعضها بمستقبل المنطقة، فيما الآخر بالعالم وقضاياه المعقدة والمتشابكة، عطفا على محاولات إطفاء الحرائق المشتعلة، سواء كانت مادية أم أدبية .
فدولة الإمارات تعتبر جسرًا استراتيجيًا لفرنسا تمر منه إلى منطقة الخليج العربي، بحسب لوارن فابيوس وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، واصفًا العلاقات الفرنسية الإماراتية.
بالقدر نفسه يمكن القطع بأن دولة الإمارات باتت صورة للعرب في قلب فرنسا التي تعد قلب أوروبا السياسي النابض، والمحرك الرئيس لتوجهات القارة الأوربية على صعيد التخطيط الاستراتيجي.
حجر زاوية
دولة عصرية
بالقدر نفسه يمكن الحديث عن دولة الإمارات؛ فعلى الرغم من حداثة تاريخ الاستقلال، إلا أن كتاب التاريخ الإنساني، أكدوا أن لسكان تلك المنطقة جذورًا تاريخية وحضارية، انعكست على سياق تعاملاتهم الإنسانية، مما أفرز دولة عصرنية بملمح وملمس تنويري.
تلك الجذور جعلت دولة الإمارات تبدو للناظرين اليوم رسالة أكثر منها دولة، تعكس نموذجا من التسامح والتصالح، من العيش المشترك، بل العيش الواحد بين أكثر من 200 جنسية قائمة على أراضيها في تناغم خلاق، الأمر الذي جعل منها رواق العصر الحديث، كما كانت اليونان في عالم ما قبل الميلاد.
وعلى هامش زيارة الدولة التي يجريها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى فرنسا، برزت عدة تساؤلات؛ أهمها: ماذا سيكون شكل العلاقات بين أبو ظبي وباريس من جهة، وما أهداف تلك الزيارة من جهة أخرى.
إلا أنه للإجابة عن تلك الأسئلة، يجب النظر إلى العلاقات التي تربط دولة الإمارات وجمهورية فرنسا، والتي تعد مثالا ونموذجا يحتذى به في عالم العلاقات الدولية، لا سيما وأنها تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة المدعومة برؤية واضحة لقيادات البلدين حول مختلف القضايا.
ومن ناحية ثانية، فإن باريس وأبو ظبي، تتبنيان دوما وجهة نظر واحدة بشأن سبل تحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي، مما جعل من التنسيق بين البلدين يأخذ أشكالا رفيعة المستوى، تجسدت في الاتصالات المستمرة ، والزيارات الدورية بين قيادتي البلدين .
الوقت القيم
النقطة الثانية والتي كثر الحديث عنها مؤخرًا، والمتمثلة في توقيت الزيارة؛ فإنها وبحسب علماء النفس، تأتي في "الوقت القيم"؛ أي ذاك الذي تعظم فيه الاستفادة من الفعل.
وتأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا، وسط تغيرات عالمية مثيرة للقلق والخوف معا، وفي القلب منها الأزمات الدولية، والتي توحي بتغير في مراكز العالم الجيوسياسية، وبخاصة قلب العالم الذي يتحول من أوربا إلى آسيا.
ذلك التحول كان يخيل إلى من توقعوه أنه سيكون سلميًا، إلا أنه أضحى عسكريًا، فيما المشهد الروسي – الأوكراني شاخصًا للأبصار ودليلا حيويًا على ذلك التحول.
ومع هذا التحول، كانت الدبلوماسية الإماراتية ونظيرتها الفرنسية، في سباق مع الزمن للحيولة دون اتساع هوة الخلافات بين البلدين المتناحرين، لعدم إحداث المزيد من الثقوب، والتي ستجعل من مهمة إصلاحها بعيدة المنال.
الأزمة الأوكرانية
وتتفق الرؤية الدبلوماسية الإماراتية مع مثيلتها الفرنسية ، على أن الحروب ليست الحل، وأن الحوار وحسن الجوار، هما السبيل الأنفع والأرفع لحلحلة كافة الخلافات.
وفي هذا السياق تعمل أبوظبي مع باريس، لمواجهة تبعات الأزمات التي ولدتها الحرب الروسية في أوكرانيا، وفي مقدمتها أزمتا الغذاء العالمي، والطاقة، التي جعلت من القضية أولوية لدى المجتمع الدولي.
تدخل دولة الإمارات في هذه الأزمة الإنسانية ليس الأول من نوعه؛ فالبلد الخليجي لعب دورا إنسانيا رفيع المستوى لاقى استحسان العالم كله والشعب الفرنسي خاصة، خلال تفشي جائحة كورونا، من خلال دور أبوظبي الإغاثي والإنساني على صعيد الغذاء والدواء.
ذلك الدور أهل الإمارات لتكون في الصدارة في الوقت الذي يبدو العالم فيه على مقربة من أزمة غذائية شبيهة، بل تفوق ما خلفته الجائحة، إن ظلت طبول الحرب تقرع.
أزمة الطاقة
أما الأزمة الثانية، فهي تلك الموصولة بالطاقة، لا سيما وأن المخاوف تخيم على أوربا بأكملها، وليس فرنسا فقط، تحسبًا لتوقف إمدادات القارة العجوز من النفط الروسي.
إلا أن دولة الإمارات وعبر رئيسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وجه قبل أيام رسالة طمأنة للعالم كله، قائلا: "الإمارات باقية كمزود موثوق للطاقة، فيما تواجه الأسواق ارتفاعا في الأسعار، وتقلبات في الإمداد".
تلك الكلمة التي تعد طوق إنقاذ للجميع وخاصة وأن دولة الإمارات التي تمتلك نحو 6% من الاحتياطيات النفطية العالمية، مما يؤهلها لمد يد العون لباريس، بقدر ما تسمح كميات الإنتاج .