محمد بن زايد وماكرون.. 4 لقاءات في 10 أشهر لشراكة استراتيجية
تتوج زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات لفرنسا، اليوم الإثنين، تاريخا من العلاقات الاستراتيجية التي تجمع الجانبين وتحمل أرقاما مميزة للبلدين.
زيارة هي الأولى للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا بعد توليه رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة خلفا لأخيه الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في 14 مايو/أيار الماضي.
كما أنها الثانية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى باريس خلال 10 شهور بعد الزيارة التي أجراها في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، والتقى خلالها الرئيس إيمانويل ماكرون.
واللقاء الذي جمعهما هو الرابع خلال الفترة نفسها، بعد لقائهما خلال زيارتين أجراهما ماكرون لدولة لإمارات إحداهما رسمية في 3 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والأخرى في 15 مايو/أيار لتقديم التعازي في وفاة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
لقاءات جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس ماكرون، خلال 10 أشهر، تم خلالها عقد 3 اجتماعات وتوقيع عشرات الاتفاقيات لتعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجالات.
أهمية خاصة
وتحمل رحلة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا مسمى "زيارة دولة" والتي تعد الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، ولها مراسم وبرامج وبروتوكولات خاصة، منذ الإعداد لها وحتى إتمامها.
و"زيارة الدولة" لا تتم إلا بدعوة رسمية من رئيس الدولة المضيفة لنظيره رئيس الدولة الزائر، فيكون فيها ضيفه شخصيا ويسكن في أحد مقرات إقامته الرسمية طوال فترة الزيارة.
وتنطوي "زيارة دولة" على معنى سياسي كبير، وتسودها أجواء احتفالية وشرفية كبيرة -على صعيديْ الاستقبال والتوديع- تنظمها الدولة المضيفة للرئيس الزائر.
أيضا تأتي الزيارة في توقيت مهم، حيث يعاني العالم من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتشهد المفاوضات النووية مع إيران تعثرا.
كما جاءت بعد يومين من مشاركة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، السبت، في قمتين إحداهما أمريكية إماراتية، والأخرى خليجية أمريكية بمشاركة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأردن ومصر والعراق، والرئيس الأمريكي جو بايدن.
ويبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال الزيارة علاقات الصداقة وآفاق التعاون والعمل المشترك في مختلف الجوانب خاصة في مجالات طاقة المستقبل وتغير المناخ والتكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى تعزيز التعاون في قطاعات التعليم والثقافة والفضاء في ضوء الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع دولة الإمارات وفرنسا.
ويناقش الجانبان مجمل القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية التي تهم البلدين وسبل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
اتفاقيات وصفقات
وبلغة الأرقام أيضا، فإنه وخلال زيارة ماكرون الأخيرة لدولة الإمارات، 3 ديسمبر/كانون الأول الماضي، التقى بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان في معرض "إكسبو 2020 دبي".
حينها أكد الجانبان حرصهما المشترك على تعزيز مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وتوافق الرؤى بشأن أهمية دعم الحلول والمبادرات السلمية التي تهدف لترسيخ أركان الأمن والاستقرار في المنطقة بما يحقق تطلعات شعوبها للسلام والتنمية.
وفي ختام "زيارة ماكرون"، أكد بيان إماراتي فرنسي مشترك التزام البلدين بدعم الجهود المبذولة لتعزيز السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبناء جسور التواصل من خلال الحوار باعتبارها السبيل الأمثل لتحقيق حلول مستدامة للصراعات والنزاعات.
إنجازات استثنائية تحققت من خلال الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات وفرنسا في السنوات الثلاثين الماضية، وتأكيد مشترك على تعزيزها مستقبلا، وفقا للبيان نفسه.
ولعل أبرز ما سجلته زيارة ماكرون إلى الإمارات هو توقيع حزمة اتفاقيات اقتصادية ضخمة تجاوزت قيمتها الاجمالية 15 مليار يورو.
وزارة الدفاع الإماراتية أعلنت وقتها أيضا توقيع عقد مع فرنسا لشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال لتحل محل أسطول الميراج في سرب القوات الجوية الإماراتية، بالإضافة للتدريب والصيانة.
صفقة تتوج تعاون عسكري متنام ومتواصل بين دولة الإمارات وفرنسا لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
مواجهة التحديات
وجاء لقاء أبو ظبي بعد أقل من 3 شهور من اجتماع إماراتي فرنسي خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى باريس 15 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وفي "زيارة سبتمبر"، بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس ماكرون علاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين والفرص الواعدة لتطويرها وتنميتها في مختلف الجوانب لما فيه المصالح المشتركة للبلدين، إضافة إلى عدد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
وصدر بيان مشترك في ختام الزيارة أكد فيه الجانبان التزامهما القوي بالتغلب على التحديات الإقليمية، وتصميمهما المشترك على مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب وتعزيز تعاونهما في المجالات الأمنية والدفاعية.
وأشار الجانبان إلى أهمية الاتفاق الإبراهيمي للسلام في تعزيز التسامح والتعايش في المنطقة. كما جددا التزامها بالشراكة القائمة في متحف اللوفر في أبوظبي وكذلك في القطاع الاقتصادي.
زيارات متبادلة
وفي واحدة من أبرز سمات العلاقات الإماراتية الفرنسية، أن تلك الزيارات المتبادلة لمسؤولين رفيعي المستوى من البلدين تتولى مهمة تعزيز التعاون الثنائي، كان أحدثها قبل نحو شهر، حين أجرى الفريق الركن حمد محمد ثاني الرميثي رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية زيارة لفرنسا في 13 يونيو/حزيران الماضي التقى خلالها الفريق أول تييري بوركهارد رئيس هيئة الأركان للجيوش الفرنسية.
وتم خلال اللقاء مناقشة المواضيع ذات الاهتمام المشترك لاسيما المتعلقة بالجوانب العسكرية وسبل تطويرها وتعزيزها بين البلدين الصديقين.
وفي مطلع الشهر نفسه، التقى محمد بن هادي الحسيني وزير الدولة الإماراتية للشؤون المالية، إيمانويل مولين مدير عام إدارة الخزينة بوزارة الاقتصاد والمالية والإنعاش الفرنسية، وذلك في مقر وزارة المالية بأبوظبي.
جرى خلال اللقاء مناقشة سبل تعزيز التعاون والعلاقات الاستراتيجية المشتركة بين دولة الإمارات وجمهورية فرنسا.
وفي اليوم التالي (2 يونيو/حزيران) ، عقدت لجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي-الفرنسي الاجتماع الـ14 في أبوظبي، برئاسة كل من خلدون خليفة المبارك رئيس جهاز الشؤون التنفيذية لإمارة أبوظبي، وفرانسوا ديلاتر ــ الأمين العام لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية للجمهورية الفرنسية.
وتم خلال الاجتماع متابعة تنفيذ خريطة الطريق للشراكة الاستراتيجية الإماراتية الفرنسية (2020 – 2030) والتي اعتُمدت قبل عامين.
وتحت مظلك تلك الخارطة، بحث الجانبان خلال هذا الاجتماع سبل تعزيز القطاعات الرئيسية للتعاون الثنائي كالاقتصاد، والتجارة والاستثمار، والنفط والغاز، والهيدروجين الخالي من الكربون، والطاقة النووية والمتجددة، والتغير المناخي، والتعليم، والثقافة، والصحة، والذكاء الاصطناعي، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا المالية، وحقوق الملكية الفكرية، ومواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والفضاء، بالإضافة إلى الأمن الإلكتروني.
وجدد الجانب الفرنسي التزامه بالشراكة الأمنية مع دولة الإمارات بموجب اتفاقية الدفاع المشترك لعام 2009، دعماً للاستقرار الإقليمي.
وأكد الجانبان التزامهما الدائم بالمشاريع الثقافية المميزة مثل متحف اللوفر أبوظبي وجامعة السوربون أبوظبي، مجددين العزم على مواصلة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بوضع أهداف جديدة ومبادرات مشتركة.
وتناول الطرفان مجموعة من القضايا الإقليمية في أفريقيا والشرق الأوسط، وأكدا التزامهما الدائم بضمان السلام والاستقرار والأمن في المنطقة، مشيدين بتعاون البلدين البنّاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ انتخاب دولة الإمارات عضوًا غير دائم في المجلس.
وأكد المسؤولون الإماراتيون والفرنسيون في ختام الحوار أهمية المشاركة المستمرة والبناءة والتزامهم المشترك بمواصلة تعميق العلاقات بين البلدين في جميع المجالات.
وفي 4 مارس/ آذار الماضي، التقى الدكتور علي راشد النعيمي رئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي، أوليفيه كاديك رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية بين فرنسا ودول الخليج العربي في مجلس الشيوخ الفرنسي والوفد المرافق له في مقر الأمانة العامة للمجلس الوطني الاتحادي في دبي.
وبحث اللقاء سبل تطوير العلاقات البرلمانية بين المجلسين الصديقين، والتنسيق لتوحيد المواقف تجاه مختلف القضايا في المحافل البرلمانية الدولية، ودعم العمل المؤسسي البرلماني عبر تبادل الخبرات والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
علاقات تحتذى
وتتوج زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا العلاقات النوعية بين البلدين التي تعد نموذجا يحتذى في العلاقات الدولية.
وتتميز العلاقات بين دولة الإمارات وفرنسا منذ تأسيسها عام 1971 بأنها شاملة لا تتوقف عند حد التنسيق السياسي والدبلوماسي فقط، وإنما تمتد إلى المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية والحضارية، وهو ما يعبر عن نفسه في الكثير من المظاهر مثل جامعة السوربون-أبوظبي ومتحف اللوفر-أبوظبي، والتعاون بين البلدين من أجل حماية التراث الثقافي في مناطق النزاعات.
ويعزز الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات وفرنسا توافر الإرادة المشتركة لدى قيادتي الدولتين للمضي قدما بالعلاقات نحو آفاق جديدة، إضافة إلى وجود قناعة مشتركة وإدراك متبادل لأهمية هذه العلاقات، وهو ما يظهر في حرص البلدين على المشاورات والحوارات المستمرة حول القضايا الإقليمية والعالمية، نظرا للمواقف المتوازنة والمعتدلة التي تتبناها الدولتان إزاء قضايا الشرق الأوسط والتي تجعل منهما أطرافا مهمة في تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
وكانت أول زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الشرق الأوسط بعد انتخابه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا يومي 8 و9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بمناسبة افتتاح متحف اللوفر أبوظبي.
وشهدت زيارة ماكرون للإمارات إطلاق عدد من المشاريع وتوقيع العديد من الاتفاقيات تعزيزا لعلاقات التعاون والشراكة بين البلدين في مختلف المجالات وبما يخدم مصالح الشعبين الصديقين.
زيارة ماكرون جاءت بعد نحو 5 أشهر من الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لباريس في يونيو/حزيران من العام نفسه.
كما أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارة لفرنسا في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، صدر في ختامها بيان مشترك جددت فيه دولة الإمارات وفرنسا التزامهما بتعزيز شراكتهما الاستراتيجية ورغبتهما في خلق مناخ مزدهر ومستقر ومواصلة المشاورات بينهما.
وخلال الزيارة، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن دولة الإمارات وفرنسا شريكتان في الحرب على التطرف والإرهاب ودعم قيم التسامح وتعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية، والعمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
aXA6IDE4LjIxOC45NS4yMzYg جزيرة ام اند امز