تاريخياً، تعود العلاقات الإماراتية –الروسية إلى ما قبل 45 عاماً، أي منذ عام 1971.
لفت نظر الرأي العام العربي في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى روسيا، منذ أيام، ذلك المشهد العفوي الذي سارع فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل حميمية إلى فتح باب السيارة المقلة لسموه، ودعوته له بالدخول إلى السيارة.
هذا التصرف رآه البعض مجرد مجاملة سياسية بين القادة الأصدقاء، علماً بأن مراسم الاستقبال والحفاوة بين الزعماء تكون عادية مع أن ما يربط البلدين علاقات قوية أو استراتيجية، لكن لو وضعنا مشهد فتح الباب للشيخ محمد بن زايد جنباً إلى جنب مع ما يمثله سموه من ثقل سياسي ودبلوماسي على المستويين الإقليمي والعالمي، خاصة منذ عام 2013، لأدركنا أن معنى هذا التعبير الذي يبدو رمزياً يعكس أهمية هذا الزعيم في السياسة الدولية ومكانة دولة الإمارات التي باتت مؤثرة في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية العالمية.
مَن يتابع الإمارات يجدها تتحرك في مسار نحو إعادة كتابة التاريخ في طبيعة ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات العربية مع الآخرين، وهي تفعل ذلك متطلعة إلى أن تتبعها باقي الدول العربية في ذلك، خاصة في التعامل وفق المصالح التي تخدم الشعوب العربية والواقعية السياسية
تاريخياً، تعود العلاقات الإماراتية –الروسية إلى ما قبل 45 عاماً، أي منذ عام 1971، ولكنها ظلت متأثرة بطبيعة تأثير العلاقات بين الدول الكبرى في العالم وفي التنافس الدولي على منطقة الشرق الأوسط تحديداً، حيث كانت الحظوة للسياسة الأمريكية، إلا أن الأمر في عام 2007 شهد تحوّلاً كبيراً من خلال توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية بين البلدين، ومن خلال زيادة الحوار السياسي في الملفات ذات الاهتمام المشترك، خاصة تلك المتعلقة بالمنطقة، كما شهدت هذه المرحلة زيارات متبادلة، كلها سارت في مؤشر تصاعدي لتلك العلاقة حتى تم تتويجها باتفاقية حول إنشاء صندوق استثماري مشترك.
زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأخيرة، لن تخرج عن خطط سموه في توسعة العلاقات الإماراتية مع مختلف القوى الرئيسية في العالم، سواء لتطوير العلاقات الثنائية أو للإسهام في تقريب وجهات النظر بشأن التنسيق لمواجهة التحديات التي تشهدها الساحة الإقليمية، خاصة في ملفي اليمن وسوريا اللذين لهما علاقة مباشرة بالتدخلات الإيرانية والساحة الدولية، ولا سيما الحرب على الإرهاب والتطرف الذي بات نظام "الحمدين" يلعب دوراً كبيراً في نشره في القارة الأفريقية.
بصورة عامة، مَن يتابع الإمارات يجدها تتحرك في مسار نحو إعادة كتابة التاريخ في طبيعة ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات العربية مع الآخرين، وهي تفعل ذلك متطلعة إلى أن تتبعها باقي الدول العربية في ذلك، خاصة في التعامل وفق المصالح التي تخدم الشعوب العربية والواقعية السياسية في مواجهة القضايا التي تهدد استقرار وأمن دولها. ولعل هذا التحرك الإماراتي هو السبب في "مغازلة" الدبلوماسيين الغربيين الذين لا يعيرون للعواطف دوراً لسياسة دولة الإمارات، وتنافسهم للتقرب منها، سواء من خلال تسهيل إجراءات استخراج التأشيرات للإماراتيين أو الترحيب باستثماراتهم.
إن اتجاه دولة الإمارات في السياسة الدولية بات واضحاً أن العصر الذي كانت فيه ترتبط بعلاقات استراتيجية بدولة واحدة في النظام الدولي قد انتهى بالنسبة لها، فهي الآن تحتفظ بعلاقات جيدة مع كل الدول المؤثرة في السياسة الدولية دون الإخلال بأي علاقة مع الآخر، وهي معادلة ليست بتلك البساطة، بل إنها تحتاج إلى مرونة دبلوماسية عالية، وبلا شك أن هذا هو نتيجة للجهد الحثيث الذي تبذله الإمارات لتكوين شبكة من العلاقات المتينة مع مختلف القوى في العالم (الإقليمية والدولية). ومَن يقرأ عن العلاقات الإماراتية يذهله تشعبها في الأبعاد الجغرافية وتنوعها في مختلف القضايا الحياتية.
وبالعودة إلى الزيارة الحالية لولي عهد أبوظبي فإن روسيا اكتسبت حضورها في السياسة العربية والإماراتية، خاصة من خلال الملف السوري، ومن خلال وضوح موقف الرئيس بوتين مما كان يسمى بـ"الربيع العربي"، ومن خلال اهتمام الاستراتيجية الروسية بقضية محاربة الإرهاب والتطرف انطلاقاً من اعتقاد صناع القرار السياسي هناك أن منطقة الشرق الأوسط هي المورد الأول للحركات الإرهابية التي تعاني منها روسيا أيضاً، وبالتالي تعتقد أن انتعاش "الفوضى الأمنية" في هذه المنطقة هو سبب انتشار الإرهاب في روسيا والدول المجاورة لها، وبالتالي فإن مصالح البلدين دولة الإمارات وروسيا مشتركة في محاربة هذه "الآفة".
أخلص إلى القول إن دولة الإمارات تستمد تأثيراتها في السياسة الدولية من مصادر عدة، منها: الكاريزما السياسية لقيادتها والمرتكزة على قصص النجاح التنموي، بدءاً من مؤسسها إلى اليوم. وتستمد تلك التأثيرات من مصداقيتها في التعامل مع القضايا التي تهدد استقرار العالم، مثل الإرهاب والتطرف، سواء الصادر من الدول أو من التنظيمات الإرهابية. وبالتالي حين نرى حفاوة استقبال شخصية بحجم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من دول عريقة مثل: الهند التي استضافته كونه الشخصية الرئيسية في احتفالاتها بيوم الجمهورية، أو دولة مثل روسيا، فإن هذا يؤكد مدى قوة دولة الإمارات وقادتها في السياسة الدولية وحجم تأثيرهم في الملفات الاستراتيجية في المنطقة والعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة