تبرعات ومال مظلم.. من يحسم انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024؟ «تحليل»
على الرغم من تمتع النظام الأمريكي بالديمقراطية والشفافية، ما زال نفوذ المال في الانتخابات يمثل كابوسا متكررا مع كل دورة انتخابية، سواء رئاسية أو للكونغرس.
ووفق تقديرات شبه رسمية، فإن الأمريكيين أنفقوا في انتخابات 2020 ما يقرب من 15 مليار دولار على الحملات الانتخابية، ذهبت 6 مليارات منها للانتخابات الرئاسية، بينما ذهبت 9 مليارات لانتخابات الكونغرس وحكام الولايات والانتخابات المحلية الأخرى، وتتوقع التقديرات أن تشهد انتخابات 2024 إنفاقا يتخطى 20 مليار دولار.
ومؤخرا جاء إعلان بعض المانحين في أمريكا عن تعليق تبرعاتهم للحزب الديمقراطي للضغط عليه لسحب مرشحه الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي واستبداله بمرشح آخر، ليسلط الضوء مجددا على دور المال السياسي في صناعة الانتخابات الأمريكية.
في الدقائق التي أعقبت صعود جو بايدن ودونالد ترامب إلى المسرح في المناظرة الأولى للحملة الرئاسية لعام 2024، تحول السرد الكبير لهذا العام الانتخابي عن محوره، وعلى حد تعبير المذيع المخضرم في شبكة سي إن إن جون كينغ، "فإن السرد العميق لهذا العام الانتخابي قد انحرف عن محوره"، "ساد ذعر واسع وعدواني بين الديمقراطيين".
وبعد مرور أسبوع، قال بايدن إنه لن يذهب إلى أي مكان، لكن سلسلة من المانحين الديمقراطيين الرئيسيين الذين تحدثوا علنًا ضد الرئيس تحولوا إلى ظاهرة.
وأعلنت أبيجيل ديزني – وريثة ثروة عائلة ديزني والمتبرع الرئيسي للحزب – يوم الخميس أنها ستحجب التبرعات ما لم ينسحب بايدن من السباق.
ولا خلاف على أهمية المال بالنسبة للانتخابات الأمريكية سواء الرئاسية أو التشريعية، فهو بمثابة شريان الحياة بالنسبة لحملات المرشحين. ومن ثم فهو يتحكم بشكل أساسي في تحديد من يكمل السباق الانتخابي ومن يتركه، ويسهم بالتالي جزئيا في تحديد من يصل للسلطة بالفعل. والمال السياسي بشكل أساسي يأتي من التبرعات.
وأوضح تقرير نشره موقع "بورتلاند كوميونيكيشنز" أن أموال التبرعات تشتري الإعلانات التليفزيونية، وتساهم في تعيين موظفين في الولايات الرئيسية، وتسهل السفر، وتؤمن البيانات المهمة للوصول إلى الكتل الانتخابية المستهدفة. ومقدار الأموال التي يمتلكها المرشح يمكن أن يحدد طول مدة حملته، وعلى الرغم من أن هناك حدودًا لمقدار الأموال التي يمكن للأفراد التبرع بها للحملة؛ يمكن للمرشحين أن ينفقوا بقدر ما يجمعونه.
ويعتمد معظم المرشحين على إحدى طريقتين لجمع الأموال: جمع التبرعات على مستوى القاعدة الشعبية، وهو ما يتطلب جمع عدد كبير من المانحين بأموال صغيرة والحفاظ عليهم؛ و/أو تبرعات كبيرة من الشركات أو الأفراد الأثرياء. وكلاهما يتطلب قدرة المرشح على جذب المانحين وجمع المبالغ الكبيرة من الأموال اللازمة للبقاء في السباق.
وفي انتخابات عام 2020، تنافس اثنين من المليارديرات معتمدين على أساليب مختلفة من التمويل. وقد أثارت منافستهم في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي تساؤلات حول ما إذا كان المال قادراً على تحديد نتائج الانتخابات؟
جمع التبرعات على مستوى القاعدة الشعبية
لا يوجد مرشح يجسد التمويل الشعبي أفضل من السيناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز. فقد بنى ساندرز على الزخم الناتج عن حملته الرئاسية لعام 2016 ليدفع حملته لعام 2020 إلى مرتبة عالية. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى جمعه 60 مليون دولار من إجمالي 107 ملايين دولار من تبرعات تقل عن 200 دولار.
ومثال آخر، هو عمدة ساوث بيند السابق بيت بوتيجيج. وعلى الرغم من أنه لم يكن معروفًا نسبيًا عندما أعلن ترشحه، إلا أن بوتيجيج أصبح مرشحًا من الدرجة الأولى ويرجع ذلك جزئيًا إلى قدرته على جمع الأموال من كبار المانحين. ومن بين تبرعاته المذهلة البالغة 76 مليون دولار، جاء 55 في المائة منها من تبرعات كبيرة من الشركات والأفراد الأثرياء. وأكسبته مبالغ التبرعات الضخمة تغطية إعلامية. وحول بوتيجيج مجموع التبرعات الأولي إلى حجة عامة لدعم ترشيحه، ومع تدفق المزيد من الأموال، أصبحت حجته أكثر إثارة للمشاعر.
التمويل الذاتي
وكان دخول المرشحين الأثرياء إلى السباق سبباً في قلب النماذج التقليدية لتمويل الحملات الانتخابية رأساً على عقب. وأطلق بلومبرغ حملته في وقت متأخر، لكن لم يكن عليه أن يقلق بشأن دعم المانحين أو جمع الأموال؛ لقد قام ببساطة بوضع 200 مليون دولار من ثروته في حملته منذ اليوم الأول.
وبينما كان المرشحون الآخرون يحاولون كسب الدعم المالي والانتخابي، أنفق 400 مليون دولار على الإعلانات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي وعزز فرق حملته في ولايات الثلاثاء الكبير. ومنحته الإعلانات قوة جذب وصعد في استطلاعات الرأي.
وأمام ضعف الأموال للمرشحين، على طول الطريق حتى المؤتمر الديمقراطي، انسحب نجوم سياسيين مثل السيناتور كوري بوكر وكامالا هاريس (التي عينت لاحقا نائبة للرئيس) بسبب نفاد القوة المالية.
الحملة الحالية
وفي الحملة الحالية، يعد جمع المال أحد المؤشرات على قوة المرشح وقبوله لدى شرائح هامة من المجتمع، بل وبقاءه لفترة أطول في السباق.. وسواء كان جمع المال والتبرعات على المستوى الشعبي أو مستوى الشركات والأثرياء، فهي جميعها مؤشرات على رهان بعض الفئات على مرشح ما ودعمه إياها.
وفي وقت سابق، نقلت رويترز عن حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إنها جمعت 331 مليون دولار في الربع الثاني، متجاوزة 264 مليون دولار جمعتها حملة الرئيس جو بايدن وحلفاؤها الديمقراطيون في نفس الفترة.
وقالت حملة بايدن إن إجمالي المبلغ الذي حصل عليه بايدن، والذي يغطي أبريل/نيسان حتى يونيو/حزيران، يشمل 127 مليون دولار تم جمعها في يونيو/حزيران وجمع تبرعات قياسي بين المانحين الصغار في يوم مناظرة بايدن ضد ترامب والتي لاقت انتقادات واسعة النطاق. وقالت الحملة إن جهود إعادة انتخاب الرئيس لديها 240 مليون دولار نقدا.
وأكدت حملة ترامب أنها أضافت 111.8 مليون دولار في يونيو/حزيران، ولديها 284.9 مليون دولار نقدًا.
وفي الربع الثاني، كانت 95% من التبرعات أقل من 200 مليون دولار، وهي نقطة سلطت الضوء عليها الحملة باعتبارها دعمًا واسع النطاق من الأمريكيين العاديين بدلاً من الاعتماد الكبير على المانحين الأثرياء.
وتشمل أرقام جمع التبرعات الإجمالية التبرعات لحملة بايدن واللجنة الوطنية الديمقراطية ولجان جمع التبرعات المشتركة. وقالت حملة ترامب إن عملية جمع التبرعات مستمرة في الازدهار إلى جانب حماس الناخبين المتزايد للمرشح الجمهوري.
لكن تقرير نشرته صحيفة "ذا هيل" اعتبر أن أهمية تفوق ترامب على بايدن في جمع التبرعات تتعدى دلالتها الرمزية. فقد أصبح لدى ترامب الآن المزيد من الأموال في البنك سواء في المقارنة المباشرة لحملات المرشحين أو عند الأخذ في الاعتبار المجاميع الخاصة باللجان الوطنية للحزبين الجمهوري والديمقراطي. وتظهر ملفات لجنة الانتخابات الفيدرالية أن ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري كان لديهما 171 مليون دولار نقدًا، مقارنة بـ 157 مليون دولار لبايدن واللجنة الوطنية الديمقراطية في أواخر يونيو/حزيران الماضي.
وبينما تفوق ترامب بشكل كبير على بايدن في جمع التبرعات، فقد احتفظ أيضًا بأمواله الشخصية متاحة للاستخدام أكثر بكثير مما فعل بايدن.
على الرغم من أن لوائح لجنة الانتخابات الفيدرالية تضع حدودًا على مقدار ما يمكن للفرد التبرع به لحملة مرشح معين، إلا أنها لا تقيد قدرة الأشخاص على التبرع للجان العمل السياسي الكبرى التي تدعم المرشح ولكنها تعمل بشكل مستقل عن الحملة. ويُظهر الأفراد الأثرياء استعدادهم لإنفاق مبالغ كبيرة على كلا الجانبين.
وأحد أهم المساهمات في الشهر الماضي كان الملياردير تيموثي ميلون، الذي تبرع بمبلغ 50 مليون دولار إلى لجنة العمل السياسي الكبرى التي تدعم ترامب، وشركة MAGA Inc. وقد قدم ميلون التبرع في 31 مايو/آيار، بعد يوم واحد من صدور حكم نيويورك الذي أدان ترامب، كما تظهر ملفات لجنة الانتخابات الفيدرالية. .
وفي حين أن ترامب لا يستطيع توجيه هذه الأموال إلى أين تذهب، فمن الممكن استخدامها لدعم ترشيحه. كما من المقرر أن يحصل بايدن على دعم من الملياردير المحسن وعمدة مدينة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ، الذي ورد أنه تبرع بمبلغ 19 مليون دولار إلى لجنة العمل السياسي الكبرى التي تدعم بايدن والتي تسمى Future Forward. كما تبرع بما يقرب من مليون دولار لصندوق بايدن فيكتوري، وهو لجنة جمع التبرعات المشتركة لبايدن.
وقد لا تذهب هذه الأموال وغيرها من المانحين فاحشي الثراء مباشرة إلى حملة واحدة، ولكنها لا تزال تساهم في الدعوة لصالح مرشح ما أو ضده.
المال المظلم
يشير مصطلح "المال المظلم"، إلى الأموال غير المعلنة المستخدمة للتأثير على الحملات السياسية. أما العامل المشترك هنا فهو دور لجان العمل السياسي أو الـ Super PACs، وهي التي يمكنها جمع وإنفاق مبالغ غير محدودة من المال لدعم أو معارضة المرشحين السياسيين. والخطير هنا هو أن هذه اللجان تستطيع تلقي الأموال من الشركات والنقابات والأفراد دون الكشف عن مصادر تبرعاتهم. ويسمح هذا الافتقار إلى الشفافية بتدفق الأموال المظلمة إلى الساحة السياسية.
وأحد الأمثلة البارزة كان في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، عندما أنفقت مجموعة تدعى Crossroads GPS، وهي لجنة سياسية محافظة، مبلغاً مذهلاً قدره 70 مليون دولار على إعلانات تلفزيونية تهاجم الرئيس باراك أوباما. ومع الجهل بمصدر هذا التمويل، بات الناخبون مشتتين بشأن من يقف وراء هذه الإعلانات.
واستغل كلا الجانبين، الجمهوري والديمقراطي المال المظلم. ووفقا لتحليل موقع "أوبن سيكريتس"، فإن مجموعات "المال المظلم" والشركات الوهمية على مسار توجيه المزيد من الأموال إلى انتخابات 2023-2024 بمعدل أكثر من أي دورة سابقة.
وفي عام 2023 وحده، ضخت الشركات الوهمية ومجموعات الأموال المظلمة أكثر من 162 مليون دولار في المجموعات السياسية مثل لجان العمل السياسي الكبرى، وهو ما يتجاوز مستوى المساهمات المظلمة التي شوهدت في نفس اللحظة من أي دورة انتخابية سابقة، حسبما وجد تحليل OpenSecrets لبيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية.
وضخت مجموعات الأموال المظلمة أكثر من 162.4 مليون دولار في المساهمات السياسية الفيدرالية في عام 2023، ارتفاعًا من 106.2 مليون دولار في هذه المرحلة من دورة 2022 و66.6 مليون دولار في دورة 2020 – مما يضع انتخابات 2024 على المسار الصحيح لتحقيق رقم قياسي جديد.
وتتبعت OpenSecrets أكثر من 2.8 مليار دولار من إنفاق ومساهمات الأموال المظلمة التي تم الإبلاغ عنها إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية منذ قرار المحكمة العليا في عام 2010.
وفي حين أن قانون تمويل الحملات الفيدرالية يتطلب من اللجان السياسية بما في ذلك لجان العمل السياسي الكبرى الكشف عن الجهات المانحة للجنة الانتخابات الفيدرالية، إلا أنه يمكن إخفاء المصدر النهائي للتمويل خلف مساهمات الشركات الوهمية أو مجموعات الأموال المظلمة، مثل المنظمات غير الربحية بموجب المادة 501 (ج) (4) التي لا تكشف عن تلك الجهات.
وخلال انتخابات عام 2022، أفادت اللجان السياسية الفيدرالية أنها تلقت 616.8 مليون دولار من هؤلاء المانحين، وهو أكثر من أي دورة منتصف المدة تاريخيا.