أزمات أكثر فتكاً بالاقتصاد من "كورونا".. "جوائح" التضخم البشعة
قبل عام كان العالم ينشد التعافي ويبحث عن النمو في ظل وضع قاتم ومظلم ومتشائم في بدايات جائحة "كورونا".
لكن يبدو أن العالم الآن، قد ندم على ما كان يتمناه في السابق، للدرجة التي دفعت صندوق النقد، وفي إحدى مدوناته هذا الشهر لوضع عنوان لما يحدث حالياً في العالم تقول فيها "فرانشيسكا كاسيللي" و"براشي ميشرا" الخبيرتان في الصندوق: تضخم مروع في مسار غير ممهد نحو التعافي!
والوضع العالمي الحالي تأثر كثيراً بما حدث في الشهور الأخيرة وهو أمر يمكن ملاحظته في محتوى تقارير وتوقعات صندوق النقد، بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الاول من العام الجاري.
أطلق الصندوق على ما يحدث من أزمات متعددة في وقت واحد مسمى في تقريره الأخير الصادر في أكتوبر الجاري: "جوائح"، وليس جائحة كورونا فقط، فقد اعتبر خبراؤه أن أزمة الطاقة وسلاسل الإمداد والشحن البحري وضغوط الأسعار جوائح مماثلة في شدتها للوباء.
التضخم يُفسد التعافي
الزخم والحماس والتفاؤل التي صبغت توقعات الصندوق والعديد من المؤسسات والحكومات حول العالم بعد التوصل للقاح نهاية العام الماضي، تلاشت الآن وحل مكانها عدم اليقين والارتباك والقلق الشديد لدرجة الفزع كما سبق ورأينا في استخدام خبراء المؤسسة الدولية لمصطلحات جديدة مثل "مروع" و"جوائح".
يقول صندوق النقد، إنه قد خفض توقعاته في أكتوبر الجاري لنمو الاقتصاد العالمي بمقدار 0.1% عن توقعات يوليو الماضي، لأن الاقتصادات المتقدمة تعاني انقطاعات سلاسل الإمداد، أما الدول منخفضة الدخل فهي لا تزال تعاني تفاقم جائحة الوباء ومتحوراته، بسبب ضعف بنيتها التحتية الصحية وانخفاض نسبة التلقيح على إجمالي عدد السكان، وبين المتقدمة ومنخفضة الدخل تتأرجح تنبؤات المستقبل لباقي دول العالم.
التضخم وسعر الصرف
ومن ناحية أخرى وفيما يتعلق بالتضخم، كانت دوما هناك علاقة ارتباطية بين التضخم وتدهور سعر الصرف في الاقتصادات الناشئة والصاعدة، ثم يتلو ذلك أزمات في عجوزات المالية العامة والحسابات الجارية، ومع التزامات الإنفاق الحكومية التي التزمت بها الحكومات في ظل الجائحة لدعم المتضررين من الشركات والأفراد، وبالتزامن مع الصدمات الخارجية التي تحدث الآن فربما تنفلت التوقعات الخاصة بالتضخم، بالتالي يظن خبراء الصندوق أنه يجب علينا انتظار حدوث تراجع في قيمة العملات المحلية للاقتصادات الناشئة.
التضخم وسعر الفائدة
ينصح صندوق النقد، صناع السياسات النقدية والمالية حول العالم بضرورة السير على خيط رفيع بين مواصلة دعم تعافي اقتصاداتهم (عبر تخفيض سعر الفائدة وشراء الأصول وتقديم قروض رخيصة ومبادرات حكومية) والاستعداد للتحرك السريع لتخفيف هذا الدعم، وهذا يعني ضرورة وضع أساليب ومناهج للاستدلال على أفضل وقت مثالي لتخفيف الدعم والتحفيز بهدف السيطرة على التضخم المفرط والمحتمل.
توقعات التضخم
يرى صندوق النقد الدولي، أن التضخم السنوي في الاقتصادات المتقدمة سيصل إلى الذروة عند متوسط 3,6% في الشهور الأخيرة من هذا العام (نوفمبر وديسمبر)، قبل أن يرتد إلى معدل 2% في النصف الأول من عام 2022، بما يتوافق مع أهداف البنوك المركزية، ومن الجدير بالذكر أن معدل التضخم في هذه الاقتصادات المتقدمة قد حقق عدة أرقام قياسية مؤخرا، منها على سبيل المثال:
التضخم في الأسواق الناشئة
أما على صعيد الأسواق الناشئة، فالأمور تكون أكثر صعوبة ومعاناة؛ لأن شعوب هذه الدول تُنفق على الطعام نسبة أكبر مقارنة بشعوب الأسواق المتقدمة من إجمالي الدخل، ذلك حين تكون توقعات التضخم أعنف وأسرع حتى تصل إلى متوسط 6.8% (في نوفمبر وديسمبر 2021)، إلا أنها بهذا الشكل تضغط بشدة على نمط ومستوى معيشة الملايين حول العالم، رغم أن الصندوق يتوقع لمستويات التضخم أن تتراجع إلى 4% العام المقبل.
لكن ومع ذلك، التوقعات المتفائلة بانخفاض التضخم تأتي مصحوبة بقدر كبير من عدم اليقين، وقد يظل التضخم مرتفعا لفترة أطول بحسب خبراء الصندوق، وهذه النظرة التشاؤمية تدعمها توقعات بأن تطول أزمة نقص الإمدادات وضغوط أسعار الطعام وتدهور قيمة العملات المحلية أمام الدولار، بالتزامن مع قفزة في أسعار الغذاء حول العالم بما يقارب 40% حتى سبتمبر الماضي بحسب منظمة الأغذية العالمية.
خلاصة تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، هو أن العالم وفي أثناء طريقه للتعافي قد ارتكب -فيما يبدو- خطأ جسيماً عبر ضخ أموال أكثر وأكبر من المطلوب في دعم الاقتصادات والشركات والأفراد أثناء الركود الأولي في بدايات الجائحة بدافع من الارتباك والتخبط.
والخطأ الجسيم الثاني هو التسرع في فتح الاقتصادات بشكل غير متكافئ ودون تنسيق كافٍ بين كل الأطراف ذات المصلحة مثل التنسيق المطلوب بين مصدري ومستوردي النفط أو بين صناع السياسات النقدية في المتقدمة مقابل الناشئة.
والخطأ الثالث كان الظلم واختفاء العدالة في توزيع وإنتاج وبيع اللقاحات بين الدول، هذا الخلل في التنسيق والتعاون والشراكات الدولية قد أدى إلى ما نشهده اليوم من أزمات متزامنة ومكثفة في آن واحد تغذي التضخم وتدفع نحو احتمالات ركود جديدة.