الأديب المغربي نزار كربوط: قصائدي تشبهني وروايتي واقعية
"العين الإخبارية" تجري حوارا مع الشاعر والروائي المغربي نزار كربوط يتحدث خلاله عن أعماله ورؤيته لحال الشعر وقصيدة النثر وتكريم المبدعين
قال الشاعر والروائي المغربي نزار كربوط إنه رغم كثرة الجوائز التي تملأ الساحة الإبداعية في العالم العربي، فإنها تبقى غير كافية كون المبدعين في أمس الحاجة لكثير من التقدير والدعم.
وأوضح كربوط في حواره مع "العين الإخبارية" أن في شيوع قصيدة النثر انسجاما مع تجربة الحياة، معتبرا أن من الظلم حصر الشعر فيما ينشر الآن على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووصف الطبيب ابن مدينة تازة المغربية القصيدة بأنها "كائن زئبقي"، وقال: "هي كالديناميت. إذا استسهلها الكاتب وتعامل معها بسطحية ستنفجر فيه وتدمر تجربته".
كربوط شاعر وكاتب من مواليد عام 1982، يعمل طبيبا متخصصا في جراحة الفم والأسنان بالرباط. صدرت له رواية "العرض ما قبل الأول"، ودواوين شعر: "أهب وجهي للفوضى"، و"سقف من فراشات"، و"أحمري يبتلعه السواد" و"رماد عاشق".
أسس نادي الكتابة الأدبية بالرباط سنة 2003، وحاز على الجائزة الثالثة للشعر بجامعة محمد الخامس سنة 2003، وتُرجمت قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية.
وإلى نص الحوار:
بعد 4 دواوين شعرية اتجهت إلى الرواية.. ما الذي وفرته لك؟
السارد فيّ كان حاضرا منذ مدة طويلة تعود إلى أيام الصبا، حيث كنت أعشق جلسات الحكي وسط شيوخ وكبار الحي الذين كانوا على علم بكثير من الحكايات والقصص التي ورثوها عن أجدادهم.
ومع مرور الوقت صرت أكتشف تلقائيا ذلك الجانب الدفين في وعيي، الخيال الخصب والواسع الذي يأخذني إلى أبعد النقاط التي يقبلها العقل البشري، اكتشفت في داخلي أشياء غريبة لا يمكن توظيفها إلا في الأدب والإبداع.
ومن قرأ شعري جيدا فإنه لاحظ بالتأكيد بعض الخطوط السردية المختلفة والمتنوعة في كثير من القصائد التي اعتمدت فيها على التقاط الصور وتركيبها في شريط مكتوب. أنا ولدت شاعرا، ساردا، رساما بالكلمات.
هل يمكن أن نقول إننا في زمن الرواية بامتياز؟
لا أظن هذا. كما أن الإنسان في حاجة إلى الحكي والسرد، فهو في حاجة لأشكال أدبية أخرى حتى يتمكن من الإحاطة بأسرار الحياة الغامضة. الشاعر في حاجة إلى الروائي والروائي في حاجة إلى الرسام والرسام في حاجة إلى الفيلسوف والفيلسوف في حاجة إلى الشاعر. الحلقة كبيرة جدا. إذا وقع خلل ما لأي شكل من الأشكال الإبداعية يؤثر على الكل.
روايتك تركز على حقبة معينة في الحرب العالمية الثانية. لماذا اخترت تلك الفترة تحديدا؟
هذه الرواية فيها جانب كبير مني ومن تجربتي في الحياة، وهي ترتكز إلى أحداث واقعية عاشها جدي الذي شارك في الحرب العالمية الثانية ونجا من الموت المحقق بأعجوبة، وثّقت قصته وسجّلتها بصوته قبل أن يودع هذا العالم منذ 20 سنة تقريبا.
رغم استناد الرواية إلى حقائق ومجموعة دراسات فإنك تؤكد أنها ليست تاريخية. لماذا؟
بالفعل هي ليست رواية تاريخية، لأنني وبكل بساطة جعلت فيها خطين سرديين متوازيين؛ أحدهما يدور في عصرنا الحالي مع شخصية كمال، وبالتوازي سار الخط الثاني الذي تدور أحداثه في الماضي مع الكابورال محمد ورفاقه. ذلك بالتركيز على حبكة تجعل القارئ ينتقل في الزمان والمكان عن طريق سارد وسيط هو حلقة الوصل بين الماضي والحاضر وربما يشير إلى المستقبل بين السطور.
وكان السؤال الرئيسي الذي تطلعت إليه. ما هو الإنسان؟ ولماذا كل هذا الشر؟ وكيف يعقل أن فرنسا كانت تقبل استعمار البلدان الضعيفة وفي الوقت نفسه تقاوم الاحتلال الألماني لأراضيها في فترة الحرب العالمية الثانية؟
صدرت لك 4 دواوين شعرية.. ماذا تمثل لك؟
وضعت فيها قطعة من جسدي وقطعتين من روحي، وهي في نظري تعبر عن البداية فقط، لأنني أشعر بكثير من الكتابات قادمة وتنتظر الفرصة للخروج في دواوين جديدة.
لماذا يغلب على قصائدك التناول اليومي في حياة الإنسان والتقاط التفاصيل والمفارقات؟
أنا أكتب قصائد تشبهني فقط. لا أحاول تقليد أحد ولا أرغب في تكرار أصوات من قرأت لهم. قصيدتي تشبهني وتعبر عما يدور في حواسي الخمس انطلاقا من الذات ووصولا إليها.
هل يقلقك تراجع حضور الشعر في المشهد العربي؟ وما أسباب ذلك؟
الشعر كبير جدا ولا يمكننا قياسه بمستوى التلقي عند الجمهور. منذ الحضارات القديمة والشعر يتمتع بمكانة خاصة في الوجود الإنساني ولا أظنه سيتراجع يوما لسبب بسيط، هو أنه يحيا فينا وبيننا.
هو موجود في حياتنا اليومية، في التفاصيل الصغيرة والدقيقة، في نظرات المارة الذين يعبرون الشارع، حاضر في الخطوات، في اللمسات، في الآلام والأفراح، هو الحاضر الكبير. المشكل فينا لأن عيوننا أصبحت ضيقة وقلوبنا صارت صغيرة لم تعد تستوعب العمق في الأشياء.
كيف ترى السجال الدائم بين مؤيدي قصيدة النثر ومعارضيها؟
لست من أولئك الذين يتعصبون لشكل القصيدة على حساب الجوهر، رغم كل ما قيل في هذا الموضوع الذي أسال كثيرا من الحبر، فأنا أنظر إلى قصيدة النثر من زاوية خاصة ولا أستسهلها، لأنها القصيدة الوحيدة في نظري التي تمنحني الحرية المطلقة في التحليق بعيدا.
فقصيدة النثر تجربة حياة ولا يمكننا حصرها فيما ينشر الآن على مواقع التواصل الاجتماعي، هي كائن زئبقي أو إذا صح التعبير هي كالديناميت، إذا استسهلها الكاتب وتعامل معها بسطحية ستنفجر فيه وتدمر تجربته.
كيف تفسر انتظار الكاتب شكلا من أشكال الاعتراف بموهبته؟
من ينتظر الاعتراف من أي أحد فهو مخطئ وعليه ألا يكتب أصلا.
ماذا عن حال النقد؟ هل يحتضر في العالم العربي؟
حظي أفضل من غيري لكن النقد عموما لديه أزمة، ولكي يكون صادقا ورافعا لمستوى التحليل والحوار عليه أن يخرج من إطاره الأكاديمي وينزل للشارع بين الجمهور.
كيف ترى انتشار الجوائز الأدبية العربية؟
رغم كثرة الجوائز التي تملأ الساحة الإبداعية في عالمنا العربي، فإنها تبقى غير كافية تماما. نحن في أمس الحاجة إلى كثير من التقدير والدعم في إطار سياسة ثقافية تشجع المبدعين على التنوير والاشتغال بصفة مستمرة وليست موسمية.