القروض ملاذ المغاربة لتغطية نفقات رمضان.. ومختصون: بذخ وإسراف (خاص)
وتيرة إعلاناتها فاقت إعلانات الدراما الرمضانية، والمنتجات الاستهلاكية. فلا يخلو شارع ولا مساحة إشهارية، من إعلانات للقروض الاستهلاكية.
قروض يُقبل عليها المغاربة بنهم خلال الشهر الفضيل لتغطية مصاريف رمضان، وتتفنن المؤسسات البنكية في الترويج لها، وإغراء المواطنين بالإقبال عليها.
فبين الضرورة التي يفرضها غلاء المعيشة، وبين الخروج عن مقاصد الشهر الكريم من "اقتصاد" و"تزكية للنفس وتطهيرها"، تثير القروض الاستهلاكية الرمضانية في المغرب، جدلاً واسعاً.
ذروة الاستهلاك
ويبلغ الاستهلاك ذروته في شهر رمضان، خاصة على مستوى المواد الغذائية، التي تُقبل عليها الأسر المغربية، سواء لتزيين موائد الإفطار، أو لتقديمها في الزيارات العائلية المتبادلة خلال الشهر الفضيل.
وعاينت "العين الإخبارية" إقبالاً كبيراً على المواد ذات الطابع الاستهلاكي في العديد من الأسواق الشعبية، توازيها صفوف طويلة أمام صناديق الأداء، في الأسواق الممتازة. ومواد الطعام على رأس قائمة المواد الأكثر اقتناء.
مُحادثات سريعة مع الواقفين في انتظار أدوارهم، تُظهر أن السبب وراء كثرة الإنفاق على المواد الغذائية في شهر رمضان، إما ضيوف قادمون في الطريق، أو ما تشتهيه الأنفس من وصفات بعضها تقليدي وآخر شاهدته الزوجة أو الابنة عند محترفي الطبخ على مواقع التواصل الاجتماعي.
أيا كانت الأسباب التي يبرر بها الناس ارتفاع مصاريفهم على الطعام خلال الشهر الفضيل، فهذه السلوكيات يراها مختصون "دخيلة" على المجتمع المغربي وثقافته، وأنها وليدة العشر أو عشرين سنة الأخيرة.
جواد مبروكي، وهو طبيب نفسي، يؤكد لـ"العين الإخبارية"، أن العادات الغذائية المغربية القديمة في شهر رمضان كان مبنية على الاقتصاد، والاعتماد على ما هو بسيط ومتواضع من الطعام، وذلك مقابل التفرغ إلى الصلاة والعبادات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تبادل الزيارات بين الأسر لم يكن بالانتشار ذاته كما اليوم، مُشدداً على أن الزيارات بين الأسر والعائلات لم تكن إلا للضرورة فقط، وذلك لانشغال الناس، وخاصة الرجال بصلاة التراويح، التي لا تنتهي إلا في ساعة متأخرة نسبياً، وحرصهم على النوم مبكراً حتى لا يُفوتوا صلاة القيام في المسجد. وبالتالي يكون من الصعب استقبال الضيوف خلال هذا الشهر.
أسباب متعددة
ويُرجع مبروكي ارتفاع معدلات الاستهلاك في شهر رمضان، بطريقة تفوق القدرة المالية للأسر، التي يلجأ بعضها للاقتراض- إلى الانتشار الكبير للإفطارات الجماعية للأسر، وما تجره من مصاريف مادية كبيرة جداً.
ويضيف مبروكي: "مسألة ثانية ترتبط أساساً بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وما تعج به من صور خلال الشهر الكريم، الشيء الذي يجر معه تنامياً في رغبات الناس بالتباهي بموائدهم الباذخة، وما تحتويه من أطباق ومأكولات".
وأشار المتحدث إلى ما وصفه بـ"المفارقة"، بين وضع آباء وأمهات اليوم، المعروفة أسرهم بـ"الإسراف خلال شهر رمضان"، وما عاشه هؤلاء حينما كانوا بالأمس أطفالاً داخل أسرهم من اقتصاد أو ما يمكن وصفه بحسب تعبيرهم بـ"الحرمان".
وفي هذا الصدد، يرى أن هناك نوعا من الرغبة لدى هؤلاء بعدم حرمان أبنائهم مما يشتهون، وهو الشيء الذي أنتج لنا "الطفل الملك"، الذي صارت كل رغباته مُجابة، ما يجعل الأسر تقع في فخ "الاستهلاك المفرط".
وعلل ذلك بأن الأطفال حينما يُفتح لهم الباب بدون رقابة يُصبحون متطلبين جداً، بل تكون طلباتهم أحياناً مُكلفة ولا قيمة غذائية فيها، أو ربما ضارة صحياً.
وختم بالقول، إن الخروج عن الغرض الأساسي من الصيام، والانهماك في الولائم الأسرية، وفتح الباب على مصراعيه للأطفال، يؤدي الى ارتفاع النفقات ومن ثم السلف والاقتراض من البنوك.
تقليل لا زيادة
إشكالية الإسراف في الاستهلاك خلال الشهر الفضيل، طرحتها "العين الإخبارية" على إبراهيم السكنفل، وهو رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، وأحد أبرز الدعاة المغاربة، فأكد في جوابه على أن "ما نشهده من عادات صارت لسيقة بالإفطار خلال شهر رمضان، لا علاقة لها بمقاصد الصوم".
ولفت إلى أن هذا الشهر الفضيل، مناسبة مواتية للتقليل من الاستهلاك وليس زيادته، موضحاً أن رمضان مناسبة مواتية لتدريب النفس وترويضها من خلال كبح شهوتي الفرج والبطن، وبالتالي فالإسراف في موائد الطعام أمر لا علاقة له بالسلوك الطبيعي خلال رمضان.
وزاد أن الاقتراض لا يكون إلا لأمر ضروري ومُلح، أما أن يكون للتباهي بمائدة رمضان، أو للإسراف في اقتناء كماليات الطعام، وخاصة في موسم روحاني المطلوب فيه الاقتصاد وترويض النفس، فهذا الأمر غير جائز.
في المقابل، قال إن "اللجوء إلى الاقتراض، في حالة الضيق الشديد، وإذا لم يجد المؤمن ما ينفقه على نفسه وعلى أسرته من الأمور الضرورية وليس الكمالية، ولا يجد من يستدين منه لقضاء تلك الحاجات الضرورية من الأكل والشرب فيجوز له الأخذ من هذه القروض الاستهلاكية بالقدر الذي يدفع عنه الحاجة".
قروض متزايدة
وبشكل عام، تشهد وثيرة اقتراض الأسر لتغطية نفقاتها الاستهلاكية نمطاً تصاعدياً، سواء كانت قروضا لقضاء عُطل أو تغطية مصاريف رمضان أو عيد الأضحى، أو غيرها من الحاجيات غير الاستثمارية.
وبحسب المعطيات الرسمية للبنك المركزي المغربي، فإن القروض الاستهلاكية التي حصلت عليها الأسر المغربية العام الماضي قد تجاوزت عتبة 57 مليار درهم مغربي، أي ما يناهز 5.7 مليار دولار أمريكي تقريباً، بزيادة تناهز 0.5% مع العام الذي سبقه.
ومن بين هذه القروض، بحسب البنك المركزي المغربي، يوجد ما مجموعه 38.7 مليار درهم مغربي، أي حوالي 3.8 مليار دولار أمريكي، من هذه القروض عالق بذمم الأسر المغربية دون أي دفع.
المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة دستورية مُستقلة عن الحكومة، كشفت في أحدث دراساتها أن 42.1% من الأسر استنزفت مدخراتها ولجأت إلى الاقتراض خلال الفصل الرابع من 2023.
كما كشفت، عبر استطلاع لها، أن نسبة 59.8% من الأسر المغربية، أقرت بتدهور وضعيتها المالية خلال الـ12 شهرا الماضية.
موسم الغلاء
ويقترن شهر رمضان الكريم، بارتفاع أسعار عشرات المواد الغذائية، خاصة تلك التي تُستخدم في الأكلات الأكثر إقبالا من المغاربة خلال هذا الشهر، كالأسماك والتمور والمواد المشتقة من الحليب، بالإضافة إلى الخضر والفواكه. والدقيق بمختلف أنواعه.
بوعزة خراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، يربط هذا الارتفاع في الأسعار بقانون السوق، إذ كلما ازداد الطلب وقل العرض، ارتفعت الأسعار. بالإضافة إلى وجود نوع من الممارسات غير القانونية المحدودة كالمضاربة وكثرة الوسطاء.
وقال لـ"العين الإخبارية" في هذا الصدد، إن المستهلك يُساهم بشكل كبير في الرفع من الأسعار، وذلك من خلال تبنيه ثقافة الاستهلاك خلال الشهر الفضيل، وتنافسه على اقتناء مجموعة من المواد التي تعتبر "دخيلة" على الثقافة المغربية في هذا الشهر.
وزاد المتحدث أن تفشي هذه الثقافة الاستهلاكية، خلق نوعاً من "التباهي" والرغبة بالظهور بمظهر "الأسرة الغنية"، خاصة مع تفشي ثقافة مشاركة صور الموائد على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً كثرة الزيارات بين الأسر.
وأكد أن هذه الأسعار يمكن أن تعود إلى طبيعتها أو أقل من ذلك، إذا قلل المواطنون استهلاكهم، ونُظمت عمليات اقتناء المواد الغذائية الأساسية، بل والرجوع إلى العادات الأصلية للمغاربة خلال الشهر الفضيل.
ولفت إلى أن نفقات الأسر لا تزداد فقط بسبب مقتنياتها لمائدتي الإفطار والسحور، بل حتى على العلاجات الطبية للأمراض والتبعات الصحية التي تنتج عن هذه العادات الغذائية غير الصحية وغير المتوازنة.
aXA6IDMuMjMuOTIuNjQg جزيرة ام اند امز