ما تقدم هو نذر يسير من إنجازات ملكية كثيرة وكبيرة يصعب حصرها، ميزت عشرين عاما من حكم الملك محمد السادس.
تحتفل المملكة المغربية هذه الأيام بالذكرى العشرين لعيد العرش، ومرور عشرين عاما على تولي الملك محمد السادس عرش بلاده خلفا لوالده الراحل العظيم الملك الحسن الثاني.
محطات كثيرة ميزت عَقديْ حكم الملك محمد السادس، تركت بصماتها واضحة على كافة مناحي الحياة في المملكة المغربية التي تغير وجهها بوضوح نتيجة للرؤية الثاقبة للملك محمد السادس، والتي انعكست في خطط شاملة للتطوير اجتماعيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا، أسفرت عن منجزات ملموسة كان آخرها ميناء طنجة، الأكبر في حوض البحر الأبيض المتوسط.
ما تقدم هو نذر يسير من إنجازات ملكية كثيرة وكبيرة يصعب حصرها، ميزت عشرين عاما من حكم الملك محمد السادس، وغيرت تماما من وجه المملكة المغربية، ووضعتها على طريق التقدم والنهوض والازدهار، فهنيئا للمغرب قائده وزعيمه في هذه المناسبة الوطنية العظيمة، وتمنياتي لجلالته بموفور الصحة
فبفضل حكمته ونفاذ بصيرته وبُعد نظره وشجاعة قراراته، تغير وجه المغرب كليا، ولم يعد كما كان عليه قبل عشرين عاما؛ ففي أول خطاب له بعد توليه الحكم في عام 1999 تحدث الملك الشاب الذي كان يبلغ من العمر وقتها 35 عاما فقط من موقع من يدرك جيدا حجم التحديات الحقيقية التي تعيشها بلاده، ويعي المعضلات الرئيسية التي يعاني منها شعبه، فقدم في خطابه توصيفا واقعيا لحالة المجتمع المغربي آنذاك، مشيرا تحديدا إلى معضلات رئيسية تتمثل في البطالة والفقر والفوارق الاجتماعية، مجسدا في هذا الخطاب التاريخي تطلعات وآمال فئات واسعة من الشعب المغربي، واستحق بعدها لقب "ملك الفقراء".
كان هذا قبل عشرين عاما بالتمام والكمال، لكن بالنظر إلى ما تحقق اليوم بعد مرور عقدين من الزمان نجد أن حصيلة الإنجازات الملكية يصعب حصرها في مقال واحد، لا سيما أن هذه الإنجازات لم تترك مجالا إلا وكان لها فيه نصيب؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث بدأ الملك محمد السادس حكمه بإحداث حالة كبيرة من الانفراج السياسي عبر قرارات أدهشت كل المغاربة، وأسهمت في ترسيخ الانتماء للوطن والالتفاف حول المصلحة الوطنية، وكان من بين أبرز هذه القرارات هو تشكيل "هيئة الإنصاف والمصالحة"؛ لتعويض المواطنين المتضررين والمناطق التي تعرضت للتهميش.
كان النهوض بحقوق الإنسان في صلب المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي يقوده الملك محمد السادس، وكان من ضمن هذه الحقوق إنصاف المرأة، وحماية حقوق الطفل.. وهنا كان قراره التاريخي في عام 2004 بتبني قانون جديد للأسرة يعزز دور المرأة داخل الأسرة مع منحها حقوقا جديدة، وذلك تجاوبا مع التطلعات المشروعة للشعب المغربي، ورغبة من قائده في أن يجعل من الأسرة المغربية، القائمة على المسؤولية المشتركة، والمودة والمساواة والعدل، والتنشئة السليمة للأطفال، لبنة جوهرية في تحصين المجتمع باعتبار الأسرة نواته الأساسية، فكلّف لجنة ملكية استشارية من أفاضل العلماء وكبار الخبراء بإجراء مراجعة جوهرية لمدونة الأحوال الشخصية، كما حرص على تزويد هذه اللجنة -باستمرار- بإرشاداته النيرة وتوجيهاته السامية؛ بهدف إعداد مشروع مدونة جديدة للأسرة، مشددا على الالتزام بأحكام الشرع، ومقاصد الإسلام السمحة، وداعيا في الوقت نفسه إلى إعمال الاجتهاد في استنباط الأحكام، مع الاستهداء بما تقتضيه روح العصر والتطور، والتزام المملكة بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا.
وقد كان من نتائج هذا الحرص الملكي، الإنجاز التاريخي لهذه المدونة الرائدة، في مقتضياتها وصياغتها بأسلوب قانوني فقهي حديث، متطابقة مع أحكام الإسلام السمحة ومقاصده، واضعة حلولا متوازنة ومنصفة وعملية، تنم عن الاجتهاد المستنير المتفتح، وتنص على تكريس حقوق الإنسان والمواطنة للمغاربة نساء ورجالا على حد سواء، وهو إنجاز أشادت به كافة المنظمات الحقوقية في العالم.
وفيما يتعلق بمكافحة التطرف والإرهاب، فقد اتبع الملك محمد السادس استراتيجية شاملة وطموحة للتصدي للخطابات المتطرفة وإشاعة إسلام وسطي معتدل، فقد تبنّى المغرب قانونا لمكافحة الإرهاب لعب دورا كبيرا في إحباط كثير من العمليات الإرهابية في مهدها، هذا بالإضافة إلى المقاربات السياسية والثقافية والاقتصادية لمواجهة هذا الخطر الكبير الذي عانى منه المغرب لسنوات طويلة.
ولعل ما ميز النهج المغربي هنا في مكافحة الإرهاب هو اتخاذ إجراءات استباقية تعزز الوقاية منه، مثل تعزيز البنى التحتية والمؤسسات القادرة على الاستجابة للأسباب الكامنة وراء الإرهاب والتطرف العنيف الذي قد يؤدي إلى الإرهاب، مثل الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.
كما يشجع المغرب أيضا إعادة تأهيل وتعزيز القيم الدينية والثقافية والروحية والإنسانية، وكذلك تعزيز بيئة التسامح والتعايش السلمي؛ بهدف سحب البساط من تحت أقدام الجماعات الإرهابية ونزع الشرعية عن رأس المال الأيديولوجي الذي يفيدها في شرعنة وتبرير أعمالها الهمجية، وفي هذا السياق تم إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بهدف رئيسي هو توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين من دول أفريقيا؛ لتعزيز قيم التسامح ونشرها وترسيخها، وهي القيم التي كرسها الإسلام، وللمغرب هنا تقليد عريق من التسامح الديني حيث كان التعايش بين الأديان واقعا لأكثر من 12 قرنا، وهو ما يشهد عليه التعايش في مختلف مدن المملكة بين المساجد والكنائس والمعابد اليهودية، فالتسامح الديني هو جزء من الضمير الجمعي للمجتمع المغربي، وبهذا المعنى، طور المجتمع المغربي إحساسا قويا واستعدادا كبيرا لقبول الآخر من خلال تشجيع التعايش في سلام ووئام بين أفراد الديانات الأخرى، وخاصة اليهود والمسيحيين الذين يمارسون عباداتهم بكل اطمئنان في الأماكن المعدة لهذا الغرض .
كذلك تم إنشاء معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات في عام 2015، كما تتضمن الاستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب دعامة أساسية لمحاربة التطرف، تشمل إنشاء المجالس الإقليمية والمحلية للعلماء، مع تكريس المجلس الأعلى للعلماء باعتباره الكيان الوحيد المسؤول عن إصدار "الفتوى" بهدف مواجهة فوضى إصدار "الفتاوى" من طرف التيارات المتطرفة، إلى جانب تعزيز الإرشاد والتأطير الديني للجالية المغربية بالخارج وفقا لقوانين البلدان المضيفة، وإعادة تأهيل وتحديث التعليم التقليدي وإدماجه في إطار نظام التعليم الوطني الموحد، ومراجعة المناهج والكتب المدرسية حول التعليم الديني، سواء في المدارس العامة أو في المدارس الخاصة أو مؤسسات التعليم الأصيل.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد تجاوزت الثروة الإجمالية للمغرب الضعف ما بين 1999 و2013، بحسب دراسة رسمية نشرت أواخر 2016، وهو الأمر الذي تجلى في عدد كبير من المشاريع العملاقة التي دشنها الملك محمد السادس، ففي عام 2007 افتتح ميناء طنجة المتوسط، والأكبر في أفريقيا من حيث حجم الحاويات، وجرت توسعته بافتتاح محطة ثانية في يونيو الماضي، ما جعله الأكبر في حوض البحر المتوسط، ويرتبط هذا الميناء بـ186 ميناء في 77 بلدا، كما دشن في نهاية العام الماضي خطا للقطار الفائق السرعة "تي جي في" يربط طنجة بالعاصمة الاقتصادية للمملكة الدار البيضاء.
كما أطلق الملك محمد السادس عددا من المشاريع الكبرى لتأهيل البنى التحتية، وافتتح في عام 2016 محطة "نور" لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في مدينة "ورزازات"، الواقعة في جنوب البلاد، التي تعد من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، حيث جعل المغرب الطاقات المتجددة أولوية في تطوير سياسة الطاقة. وعلى الرغم من كون المغرب دولة غير منتجة للنفط وإنتاجيته ضعيفة في مجال الغاز والفحم، إلا أنه يوفر العديد من المؤهلات (300 يوم من أشعة الشمس في السنة، وسرعة الرياح 9 أمتار في الثانية في المناطق الساحلية، وموارد المياه)؛ لذا فقد بذلت المملكة العديد من الجهود للحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري من خلال تطوير مصادر الطاقة المتجددة وأهمها الطاقة الشمسية.
أما على صعيد السياسة الخارجية فكانت إنجازات الملك محمد السادس واضحة بعد تبنّيه نهجا للسياسة الخارجية يهدف بالأساس إلى تعزيز المصلحة الوطنية، ولعل أبرز هذه الإنجازات كان عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي في 2017 بعد 30 سنة من الغياب؛ بسبب قضية الصحراء الغربية، مدشنا بذلك توجها جديدا نحو القارة السمراء.
وفي مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، أصبحت السياسات المغربية في هذا الشأن نموذجا يحتذى وحظيت بإشادة المجتمع الدولي بأسره الذي سعى إلى تعميمها، وطالب بقية دول العالم بأن تحذو حذوها، فقد عمل المغرب على جعل قضية الهجرة أولوية في سياسته التنموية، فمنذ سنة 2013، اعتمد المغرب سياسة وطنية للهجرة واللجوء، منطلقة من بعد إنساني، ومطابقة لالتزامات المغرب الدولية ومحترمة لحقوق المهاجرين.
كما اعتمد المغرب أيضا، في ديسمبر 2014، استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء، وعلى المستوى الدولي ترأس القمة الحادية عشرة للمنتدى العالمي للهجرة والتنمية التي عقدت في مراكش في الفترة من 5 إلى 7 ديسمبر 2018، كما استضاف المغرب، أيضا، المؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية يومي 10 و11 ديسمبر 2018 في مراكش، والذي توج بتبني اتفاق مراكش، من قبل ممثلي 165 حكومة، وهو الاتفاق الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 ديسمبر الماضي.
ما تقدم هو نذر يسير من إنجازات ملكية كثيرة وكبيرة يصعب حصرها، ميزت عشرين عاما من حكم الملك محمد السادس، وغيرت تماما من وجه المملكة المغربية، ووضعتها على طريق التقدم والنهوض والازدهار، فهنيئا للمغرب قائده وزعيمه في هذه المناسبة الوطنية العظيمة، وتمنياتي لجلالته بموفور الصحة والسعادة، وأن يسدد خطاه في ذكرى تربعه على عرش أسلافه الميامين، وتمنياتي للشعب المغربي بمزيد من التقدم والرقي والرفعة في ظل قيادته الحكيمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة