بحلول سنة 2019، كان داعش خسر مناطق سيطرته في الشرق الأوسط، حينها قرر الانتقال إلى أفريقيا وآسيا الوسطى وشبه القارة الآسيوية
عندما كان داعش يتمدد في العراق وسوريا اتخذ الظواهري موقفاً محافظاً في أفريقيا من خلال إعادة تنظيم صفوفه وإنشاء التنظيم الجديد، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهو التنظيم الذي يضم كل زعماء القاعدة في المغرب الإسلامي، بهدف تجاوز خلافاتهم التي أدت إلى تباعد وجهات النظر بين بعض القادة، وتتولى هذه الجماعة خوض المعارك في مالي، بوركينا فاسو والنيجر في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" المتواضع، والذي يقوده أبوالوليد الصحراوي، أحد القادة السابقين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مالي، بوركينا فاسو والنيجر. من جهة أخرى هناك تنظيم آخر صغير يسمى "أنصار الإسلام" وهي الجماعة التي تمتلك صلات قديمة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ببوركينا فاسو، بينما توجد في شمال نيجيريا ومحيط بحيرة تشاد بوكو حرام، وهي أيضاً لها صلات بالقاعدة في المغرب الإسلامي حيث تدرّب معظم مقاتلي الحركة.
حتى هذه اللحظة.. لم يدخل تنظيما القاعدة وداعش في مواجهات بينهما في أفريقيا كما حدث في اليمن أو العراق أو سوريا، وحاول داعش مواجهة حركة الشباب التابعة للقاعدة في الصومال، لكن الأخيرة أظهرت قوتها على الأرض التي اكتسبتها خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع داعش إلى البحث عن أراض "بلا سيد"
وفي الأثناء، يظل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي متأهباً في الجزائر. وهو الشيء ذاته الذي تقوم به "كتيبة عقبة بن نافع" في تونس وجماعة "جند الإسلام" في سيناء بمصر، أما في شرق أفريقيا فتسيطر حركة الشباب على مساحات شاسعة من الصومال، بينما تسعى للتمدد نحو كينيا وتنزانيا.
وبحلول سنة 2019، كان داعش خسر مناطق سيطرته في الشرق الأوسط، وبذلك تحققت توقعات الظواهري، حينها قرر داعش الانتقال إلى أفريقيا، آسيا الوسطى وشبه القارة الآسيوية، ففي أفريقيا راح البغدادي يعترف بالفروع التي تعلن مبايعتها، مُدمِجاً إياها في ولايات تقع على نقاط التماس مع القاعدة، مُطلِقاً حملة دعائية ضخمة بهدف تجنيد مقاتلين جدد وكشف طموحاته بالقارة.
وحتى هذه اللحظة، لم يدخل تنظيما القاعدة وداعش في مواجهات بينهما في أفريقيا كما حدث في اليمن أو العراق أو سوريا، وحاول داعش مواجهة حركة الشباب التابعة للقاعدة في الصومال، لكن الأخيرة أظهرت قوتها على الأرض التي اكتسبتها خلال السنوات الأخيرة وهو ما دفع داعش إلى البحث عن أراضٍ "بلا سيد" كموزمبيق أو جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويبدو أن هناك اتفاقاً بينهما يقضي بعدم التصادم بين الجماعتين الإرهابيتين، غير أن ذلك الاتفاق أصبح على وشك الانهيار.
وضغط داعش كثيراً لدرجة أنه لم يتبق للقاعدة في المغرب الإسلامي من إمكانية للتوسع غير ساحل العاجل، التي لم تكن يوماً في دائرة اهتماماتها، وستحاول القاعدة التمدد نحو الشمال، والدليل على ذلك أن القاعدة في المغرب الإسلامي نشرت في 19 يوليو/تموز الجاري بياناً موجهاً للجزائر، لتُتبِعه بآخر موجهاً لتونس في 26 يوليو/تموز الجاري عن طريق فرعها كتيبة "عقبة بن نافع". وحرضت في بياناتها المواطنين في الدول المغاربية للثورة على حكوماتهم.
ونشر مجلس شورى ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروفة سابقاً ببوكو حرام، تسجيلاً صوتياً يعلن فيه عن تغيير قائده أبومصعب البرناوي بقائد جديد هو عبدالله بن عمر البرناوي، المعروف أيضاً ببا إدريس، ويبدو أن لهذا التغيير أهمية أكبر مما هو متوقع، وكان التنظيم أعدم أحد قادته المدعو نور سنة 2018، ربما لأنه تدرّب لدى حركة الشباب وخشي التنظيم أن يربط اتصالاتٍ بها، وكان القائد المُقال أبومصعب البرناوي يرتبط باتصالات مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وهو ما يعني أن تلك الاتصالات لو أنها أثمرت كانت سترمي بداعش خارج المعادلة غرب أفريقيا.
إلى ماذا يشير كل ذلك؟ يؤكد ذلك أن داعش لا يريد أي شكل من أشكال الاندماج ولو مؤقتاً مع القاعدة في أفريقيا، ذلك ما يدفع باتجاه التساؤل.. ما إن كانت المواجهة بين داعش والقاعدة حتمية في أفريقيا الغربية؟ لو حدثت هجرات لمقاتلي الجماعات التابعة للقاعدة نحو فروع داعش، فإن ذلك يعني إضعاف القاعدة من غير أن يخفض داعش من شدة هجماته الإرهابية، فداعش لن يعاني من أي نزيف إذا قرر مواجهة القاعدة، وسيكون هو الأقوى في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهو ما يفسر الحجم الكبير للدعاية التي ينشرها داعش بهدف تجنيد مقاتلين جدد في كل دول وسط أفريقيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة