المغرب يتجاوز كورونا.. تجارب ومكتسبات وخطوة للأمام
المنشآت الاقتصادية تستأنف أنشطتها وسط مجموعة من الإجراءات الصارمة أهمها إخضاع الموظفين لاختبارات الكشف عن فيروس كورنا المستجد
أعلنت المملكة المغربية خلال الأسابيع الأخيرة مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف القيود المفروضة على الأنشطة الاقتصادية وحركة المواطنين بعد 3 أشهر من تطبيق الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا.
واستأنفت المنشآت الاقتصادية والصناعية أنشطتها وسط مجموعة من الإجراءات الصارمة؛ أهمها إخضاع الموظفين جميعهم لاختبارات الكشف عن حمل فيروس كورنا المستجد، مع المراقبة اليومية لأعراض الفيروس، خاصة حرارة الجسم، بالإضافة إلى توفير المعقمات.
محاولة للخروج من الخسائر
وقالت فاطمة الزهراء بنجلول، خبيرة إدارة الأعمال واستراتيجيات التنمية المستدامة، إن المغرب تمكن من تطوير بنيته التحتية بسرعة تاريخية ليتمكن الآن من التفرغ للقطاع الاقتصادي لإخراجه من "الخسائر التي تتهدده".
وأوضحت بنجلول لـ"العين الإخبارية"، إن المملكة في بداية الجائحة، وعلى غرار الكثير من دول العالم، لم تكن تملك الآليات اللوجستية لمواجهة الفيروس، خاصة على مستوى البنية التحتية الطبية، لكن التوجيهات الملكية مكنت من تسريع التأقلم مع الوضع الحالي، وجعلت من فترة الحجر الصحي مرحلة للعودة للوراء خطوة حتى نستطيع المضي عشرات الخطوات للأمام.
ولفتت إلى أن خلال الأشهر الثلاثة الماضية "تمكنت المملكة من تطوير خبرة لا يُستهان بها في مواجهة الفيروس، وتمثل ذلك في إنشاء عدة مستشفيات ميدانية بطاقة استيعابية لا يُستهان بها، بالإضافة إلى توفير مخزون كبير من أجهزة التنفس وأدوات الكشف عن الفيروس، ناهيك عن الكمامات التي صار المغرب مُصدراً عالمياً لها"، حسب قولها.
وأوضحت أنه بالنظر إلى جميع النقاط التي ربحها المغرب في الفترة السابقة، سيكون بامكانه التركيز اليوم على معالجة الاختلالات التي تسببت فيها كورنا على مستوى الاقتصاد طيلة الفترة الماضية، خاصة مع سياسة توسيع دائرة الكشف المبكر في الأوساط المهنية.
وشددت أن الأرقام التي سجلتها المملكة المغربية سواء في فترة الحجر، أو بعد استئناف الأنشطة الاقتصادية، تبقى قليلة جداً بالنظر إلى الكثير من الدول الأخرى، موضحة أنه "نظراً لكفاءة الأطقم الطبية، والكوادر الصحية في المملكة، يبقى الوضع متحكماً فيه، ومُشجعاً على الرجوع إلى الحياة الطبيعية".
وقالت إن عودة النشاط الاقتصادي ستمكن البلاد من تدارك ما حققه الاقتصاد المغربي من خسائر، كما أنها ستُعزز من مخزونها من العملة الصعبة، ناهيك عن الاستعداد لأي موجة عالمية جديدة للفيروس، خاصة أن عدداً من المنظمات العالمية المتخصصة في الصحة تحذر من ذلك بشدة في الخريف المقبل.
وفي الوقت نفسه، نبهت "بنجلول" إلى ضرورة التعامل الصارم مع التوجيهات التي تُصدرها وزارة الصحة، مشددة أن "المسؤولية الآن تقع على عاتق المواطنين من جهة وأرباب العمل بشكل أكبر، إذ لا يجب عليهم التساهل مع الإجراءات الوقائية، وشروط النظافة".
واستدركت: "المتضرر الأول من ظهور بؤر مهنية جديدة هو رب العمل نفسه، لأن الوزارة ستغلق كُل المؤسسات التي تشكل بؤراً للفيروس، وبالتالي ستلحق باستثماراته خسارة كبيرة، ناهيك عن فقدان الكثير من المواطنين لوظائفهم".
وخلصت المتحدثة إلى أن المغاربة كما استطاعوا إنجاح المرحلة الأولى من مواجهة فيروس كورونا، والمتمثلة في الالتزام بتعاليم الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي يُمكنهم إنجاح المرحلة الثانية المتمثلة في النهوض من جديد باقتصاد البلاد، مع الالتزام بالإجراءات الصحية داخل الشركات ومختلف المرافق.
التعايش هو الحل
وفي السياق نفسه، يُشدد مصطفى الناجي، المتخصص في علم الفيروسات ومدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن الفيروس سيظل نشيطاً لمدة ما دام لم يُكتشف لقاح فعال ونهائي للقضاء عليها، تماماً كما وقع في حالة الكثير من الفيروسات الأخرى.
ولفت إلى أن الحل الأمثل لمواجهة كورونا الآن، هو التعايش معه بأقل الأضرار على جميع المستويات، سواء الإنسانية والصحية، أو الاقتصادية، مُلفتاً إلى أن الحياة فيها شق صحي وآخر اقتصادي، ولا يمكن أن تستمر الحياة إلا بهما معاً.
وأكد أن أنجع وسيلة لمواجهة الفيروس تبقى هي الالتزام بمبادئ النظافة العامة، بالإضافة إلى ارتداء الكمامات والحرص على التباعد الاجتماعي بين الأفراد سواء في مقار العمل أو المواصلات العامة، وجميع الأماكن التي تعرف تجمعات بشرية.
ونوه "الناجي" بفعالية توسيع دائرة الكشف عن الفيروس على مستوى الشركات والمعامل قائلا: "الأشخاص الحاملين للفيروس، إذ تم الكشف عنهم مبكراً وإخضاعهم للعلاج سيكون التحكم في انتشار الفيروس سهلا، خاصة أن الأعراض لا تظهر لدى فئة واسعة".
بؤر مهنية
وقُبيل إعلان الحكومة إمكانية استئناف الأنشطة الاقتصادية، ظهرت بعض البؤر المهنية التي سجلت فيها وزارة الصحة مئات المصابين، ما تسبب في نوع من الخوف لدى المواطنين، خاصة أن الأمر تسبب في ارتفاع ملحوظ لعدد الإصابات في المملكة، بعدما قارب عدد الخاضعين للعناية الطبية 100 مصاب.
وفي هذا الصدد، أكدت وزارة الصحة المغربية في بيان لها، أنه ورغم ارتفاع عدد الحالات الحاملة للفيروس، إلا أن الوضع مستقر، فيما أعادت سبب هذا الإرتفاع إلى توسيع دائرة الكشف الجماعي المبكر والنّشِط، بغية احتواء الوباء وضمان عدم انتشار الفيروس.
وأوضحت أن الحالات الحرجة تظل "مقلصة"، ناهيك عن قلة نسبة الوفيات، مشيرة إلى أن نسبة المصابين بدون أي أعراض تناهز 98%، إلا أنهم في كُل الأحوال ناقلون للعدوى، الأمر الذي يستوجب التكفل بهم من أجل الحفاظ على صحة الأشخاص ذوي هشاشة صحية.
وفي المقابل دعت المواطنين إلى الالتزام الصارم بالتدابير الوقائية الـموصى بها من طرف السلطات الصحية؛ من ارتداء للقناع بشكل سليم، والحرص على النظافة، واحترام التباعد الجسدي، وتجنب التجمعات، وكذا تحميل تطبيق "وقايتنا" للإشعار باحتمال التعرض لعدوى فيروس كورونا المستجد، مع تشغيل تقنية البلوتوث بصفة متواصلة.
وقايتنا
وقبل أسابيع قليلة، كشفت وزارة الصحة المغربية تفاصيل تطبيق إلكتروني مصمم للهواتف الذكية بمختلف أنظمة تشغليها يعمل بخاصية البلوتوث عن طريق تسجيل جميع الهواتف التي تم الاحتكاك بها، بهدف العمل على إحصاء المخالطين وتسهيل الوصول إليهم في حالة الإصابة بكورونا، مع الاحترام التام لخصوصية المستخدمين، وعدم انتهاكها.
وتجاوز تطبيق "وقايتنا" عتبة مليوني تحميل بعد 3 أسابيع من إطلاقه بشكل رسمي كوسيلة مواكبة لتخفيف الحجر الصحي، وهو ما وصفته وزارة الصحة بكونه "أحد أفضل المستويات المسجلة عالميا بالنسبة للتطبيقات المماثلة المبنية على التطوع"، عازية هذه النتيجة إلى المساهمة المواطنة والتطوعية والطوعية لمجموعة من الأطراف الفاعلة.
وأكدت وزارة الصحة أنه مع الاستئناف التدريجي للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وما يؤدي إليه من تزايد الاختلاط بشكل ملحوظ (العمل والتنقل والترفيه..)، سيساعد استعمال التطبيق من قبل عدد كبير من المواطنين على تسهيل التحديد، والتكفل السريع بالمخالطين للحالات المؤكدة إصابتها إيجابيا من طرف فرق وزارة الصحة. وأشارت إلى أنه سيتم إشعار الأشخاص الذين كانوا بالقرب من شخص آخر تم تأكيد إصابته بـ"كوفيد-19" في الأيام التي تلت المخالطة برسالة نصية قصيرة تتضمن الاحتياطات الواجب اتخاذها لحماية أنفسهم وحماية محيطهم.
وذكرت الوزارة أن فرقها تقوم بتقييم دقيق لخطر التعرض، معتمدة في ذلك على معطيات القرب ومدة وتواتر الاختلاط التي تمنحها تقنية "البلوتوث"، إذ إنه عند تحديد مخالط لشخص تأكدت إصابته إيجابيا بعدوى هذا الفيروس يتم النظر في ثلاثة سيناريوهات.
الأولى إذا كان الخطر ضعيفا (مخالطة على بعد أكثر من متر واحد وأقل من 15 دقيقة)، فلن يتم إشعار مستعمل التطبيق، والثاني إذا كان الخطر متوسطا يتلقى المستعمل رسالة نصية قصيرة تطلب منه تعزيز التدابير الوقائية ومراقبة الظهور المحتمل للأعراض.
أما الثالث، فإذا تبين أن الخطر مرتفع فبالإضافة إلى إشعار الشخص برسالة نصية قصيرة، فإن فرق وزارة الصحة تتواصل بهذا المخالط عبر الهاتف لدعوته إلى إجراء اختبار الكشف.