استقلال المغرب.. ذكرى تلاحم قيادة مُجاهدة وشعب صامد
66 عاماً والذكرى تتجدد بذات المعاني والملاحم، بنفس الروح لما اتحدت القيادة المُجاهدة والشعب الصامد لطرد الاستعمار الفرنسي من المغرب.
عام 1956 وتحديدا في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، سطر المغاربة بقيادة السلطان الراحل محمد الخامس، وولي عهده آنذاك الراحل الحسن الثاني، محطة من ذهب في تاريخ المملكة المجيد.
معركة طويلة انخرطت فيها القيادة والشعب، لتكون الثمرة انتزاع استقلال البلاد، والتخلص من المستعمر. وعلى درب الآباء والأجداد، لا يزال المغاربة مُلتحمين بأهداب العرش العلوي، للمضي في مسيرة البناء والتطوير.
ذكرى استقلال المغرب، مناسبة يُحييها المغاربة كُل عام، يُخلدون بفخر واعتزاز أمجاد الوطن، ويتناقلونها جيلاً بعد جيل.
التحام الشعب بالعرش
لم يحصل المغاربة على استقلالهم بين ليلة وضُحاها، بل كان نتاجاً لمحطات طويلة من المقاومة الشعبية الباسلة التي قادها السلطان محمد الخامس طيب الله ثراه.
التحام قيادة وشعب، تمثل في تشبث السلطان محمد الخامس بإرادة شعبه، واصطباره على التضييقات العديدة التي وصلت إلى حد نفيه خارج بلاده. فيما ظل الشعب وفياً لقيادته، مُقاوما لاستعمار بلده، غير آبه بالعواقب.
عديدة هي المحطات والمواقف التي كانت بمثابة لبنات في مسار صرح استقلال الوطن، وتحرره من قبضة الاستعمار، بعضها كُتب بدم شُهداء الوطن، وآخر بمواقف رجاله، وعلى رأسهم قائد المقاومة الفذة، السلطان محمد الخامس.
ولا يستقيم الحديث عن استقلال المغرب من الاستعمار، دون الحديث عن التزام المغاربة في معارك ضارية ضد المستعمر لإعادة حاكمهم الشرعي، رافضين أي تفاوض أو اتفاق مع المُستعمر.
مسيرة أصر فيها المغاربة على أن وطنهم واحد لا يتجزأ، وبلادهم لُحمة واحدة قوامها شعب وفي لقيادة شرعية بايع المغاربة سلاطينها منذ القرن السابع عشر ميلادي، وتلاحم الشعب والعرش لحماية الوطن من الهزات والمكائد الخارجية.
خطاب طنجة
تتعدد المحطات التي سبقت إعلان استقلال المملكة المغربية، إلا أن الخُطوة التي أقدم عليها السلطان محمد الخامس طيب الله ثراه، في التاسع من أبريل/نيسان عام 1947، كانت بمثابة نقطة فارقة في مسار تحرير الوطن.
طنجة، المدينة التي كانت آنذاك تحت الوصاية الدولية، وأمام جماهير غفيرة من المغاربة، ظهر السُلطان مُحمد الخامس، وألقى خطاباً غير مسار الأحداث.
المكانة القوية للمدينة آنذاك، والحُضور الدولي الكبير فيها، جعل تأكيد السلطان على تشبث البلاد، ملكاً وشعباً بحرية الوطن ووحدته الترابية، وتمسكه بمقوماته وهويته، (جعل) للخطوة تأثيراً غير مسبوق في مسار تحرير البلاد.
توالت الأحداث، وأصر المغاربة على انتزاع استقلالهم، إلا أن المُستعمر الفرنسي آنذاك لم ترقه هذه الحركية، ليُقرر في العشرين من أغسطس/آب عام 1953 نفي السلطان محمد الخامس.
الرجل الذي كان رمزاً للمقاومة ضد الاستعمار، وأحد أفرادها الذي يتواصل بشكل دائم معها، آثر النفي إلى إحدى الجُزر على أن يخضع لإملاءات المُستعمر، وفي نفس الوقت كان الشعب في حجم الحدث.
اندلعت في أعقاب نفي السلطان شرارة ثورة الملك والشعب، وحينها كانت البداية الفعلية لنهاية الاستعمار، واندلاع هذه الثورة تخصص له المملكة احتفالا خاصاً كي تعرف الأجيال المتلاحقة ما بذله أجدادهم من تضحيات لتحرير الوطن.
وعاد السلطان حاملا الاستقلال
نضال الحركة الوطنية آنذاك لم تذهب سُدى، بعد عامين من النفي عاد الأب القائد من منفاه، سلطات الحماية الفرنسية تخضع للضغط الشعبي الكبير، وتعود الأسرة الملكية من المنفى عام 1955.
عودة السلطان محمد الخامس وأسرته من المنفى كان بمثابة إعلان مباشر لانهيار مخططات المستعمر، بزغت معه أولى خيوط فجر الحرية والاستقلال.
ومباشرة بعد وصوله أرض الوطن، زف الملك الراحل محمد الخامس، بشرى انتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية، وانتصار أبناء الوطن الأحرار على استعمار عمر لسنوات.
بذل المغاربة الغالي والنفيس متشبثين بوحدة الوطن وكرامته، ومُدافعين عن مُقدساته وعلى رأسها قيادته التاريخية ووحدته الترابية.
ومن المحطات البارزة في تاريخ تحرير البلاد، محاولة اغتيال السلطان غير الشرعي، الذي وضعته سلطات الحماية بعد نفيها للملك محمد الخامس، وهو ما رفضه الشعب المغربي، وفي مقدمتهم رجال الحركة الوطنية.
وفي 11 سبتمبر/أيلول عام 1953، أي بعد أقل من شهر على توليه الحكم، قام مغربي يُدعى علال بن عبد الله بمُحاولة فاشلة لاغتيال "بنعرفة"، ولكنها انتهت بمقتل الأول على أيدي حرس السلطان غير الشرعي.
ويُسجل التاريخ المغربي، الكثير من المعارك والانتفاضات، التي واجه فيها أبطال المقاومة الاستعمار، والتي من بينها "معارك الهري" و"أنوال" و"بوغافر" و"جبل بادو" و"سيدي بوعثمان" و"قبائل آيت باعمران"، وغيرها من المعارك التي لقن فيها المجاهدون قوات الاستعمار دروسا في الصمود والمقاومة والتضحية.
ولم تكتف الحركة الوطنية بالكفاح المُسلح ضد المُستعمر، بل رافقها نضال سياسي لنشر الوعي في صفوف الشباب المغربي آنذاك، ومُختلف الفئات المجتمعية، وتوعيتهم بضرورة الدفاع عن استقلال المغرب بشتى الطرق الشرعية المتاحة.
aXA6IDE4LjE4OC4xNDAuMjMyIA== جزيرة ام اند امز