سياسة
"فولتير ليس بعيدا عن الإسلام".. متطرفون نادمون على "سنوات الجهل"
بقدر "كُفره" بالقوانين الوضعية، انخرط المغربي محمد دمير في دراسة القانون داخل السجن، وعكف على مؤلفات الفلاسفة والمفكرين من شتى المرجعيات.
متطرف تائب
كان واحداً من المحكوم عليهم بالإعدام على خلفية قضايا تتعلق بالإرهاب، إلا أنه حينما دخل في مراجعات جذرية، وانفتح على أفكار أخرى وجد أن أفكار جان جاك روسو وفولتير غير بعيدة في العمق عن الإسلام.
ومع توالي سنوات دراسته القانون باللغة الفرنسية داخل السجن، اكتشف محمد دمير "فكرة العقد الاجتماعي التي تتيح للجميع العيش في سلام، على الرغم من الاختلاف".
سبعة أعوام بعد اعتقاله، دخل دمير البالغ حاليا 47 عاماً في مراجعات فكرية وقف خلالها على مدى الانحراف الذي اتسمت به أفكاره القديمة. مُؤكداً أن عددا ممن يتم اعتقالهم "يكتشفون حاجتهم للتخلص من الأفكار التي تسيطر عليهم عندما يختلون بذواتهم".
مراجعات جذرية لأفكار ومعتقدات الرجل، لم تُخرجه من السجن فقط، بل صار واحداً ممن يحثون مُعتقني الأفكار المتطرفة على مراجعة أفكارهم والعدول عن سواد مخططاتهم.
شارك في النسخة الأولى من برنامج مصالحة بالمغرب، خُفضت عقوبته عام 2011 إلى 30 عاماً، قبل أن يُفرج عنه عام 2017، بحسب ما كشفه لوكالة الأنباء الفرنسية.
وسار دمير بعيدا في رحلة الخروج من التطرف ليلتحق بعد الإفراج عنه بطاقم الرابطة المحمدية للعلماء الذي يشرف على الشق الديني لبرنامج "مصالحة". ويحاول اليوم مساعدة متطرفين يرغبون في التحرر من الأفكار المتطرفة.
يواجه أحيانا أشخاصا عنيدين "هم في الغالب ذوو معرفة دينية محدودة" فيضطر لمحاججتهم بنصوص وتفاسير من التراث الديني، لكنه يركز على "مساءلة الصدق في نفوسهم لإقناعهم أنهم لن ينالوا رضا الله باتباع هذه الطريق، إذا كانوا فعلا صادقين في ابتغائه"، على حد تعبيره.
مصالحة الذات والمجتمع
فيما يقضي "صالح" ما تبقى من عُقوبته السجنية نادما على ما اعتنقه سابقاً من أفكار مُتطرفة، لكنه في الوقت ذاته يحمد الله لعدم تلطخ يديه بالدماء.
ليس الوحيد، فعلى غرار العشرات، خاض الرجل الخمسيني مسلسل مراجعات فكرية، خرجت به من ظلمات التطرف وضيقه، إلى نور الاعتدال وفساحته.
بحسرة وندم، يستعيد صالح الذي قضى في السجن ما يُناهز العشرين عاما، أفكاره التي تراجع عنها، يحكي كيف انتقل من مُهاجر إلى أوروبا يبحث عن لقمة عيش، إلى مُتطرف يُشيع أفكار القتل والتفرقة.
يحكي أيضاً لوكالة الأنباء الفرنسية كيف مدت له المملكة المغربية طوق النجاة للخروج من براثن الأفكار الغارق فيها، والدخول في مصالحة مع ذاته أولاً ومُجتمعه ثانيا. وبينهما فرصة حياة جديدة بعد أن خُفضت عقوبته السجنية من الإعدام إلى ثلاثين عاماً نافذة.
يعود صالح بالذاكرة إلى ما قبل العام 2002، يحكي كيف آمن بأفكار اعتقد آنذاك أنها الصواب، بما فيها العنف. قبل أن يستدرك "أحمد الله أن يدي لم تتلطخ بالدماء".
في تسعينيات القرن الماضي، كالعديد من المغاربة، هاجر إلى أوروبا بحثا عن لقمة عيش هُناك، إلا أنه وقع في شباك التطرف بعدما استقطبه "شيخ مسجد من الجماعة الإسلامية المصرية"، بحسب تعبيره.
انضمامه إلى التنظيم الإرهابي زرع في عقله أفكاراً متطرفة ودموية، مبنية على أحاديث وآيات لم يكن مؤهلا لفهمها الفهم الصحيح، بحسب قوله.
الأفكار التي زرعها الرجل في عقله، جعلته يأخذ قراراً دمر كُل حياته "بالهجرة مع أسرته نحو دار الإسلام"، بحسب تعبيره، والتي كانت حينها "إمارة طالبان في أفغانستان".
مشروع الهجرة لم يكتمل، فمع هجمات الحادي عشر من سبتمبر /أيلول الإرهابية عام 2001، اعتقل مباشرة عند عودته إلى المغرب، ليُدان بتهمة "الانتماء لخلية إرهابية وتمويل مشروع إرهابي". رفقة 31 شخصاً من أفراد الخلية التي كان ينتمي إليها.
مراجعات
ومنذ العام 2017، استفاد 207 معتقلين على خلفية قضايا الإرهاب، من برنامج المصالحة الذي تنظمه المندوبية السامية للسجون بمشاركة مؤسسات رسمية أخرى.
بين المستفيدين 8 نساء، وأفرج عن 116 منهم وخفضت عقوبات 15 آخرين. ويستمر البرنامج لكل معتقل قرابة ثلاثة أشهر.
الغرض منه مساعدة المدانين في قضايا الإرهاب والتطرف على مراجعة أفكارهم من خلال المصالحة مع الذات، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع المجتمع.
المُشاركة في البرنامج طوعية بالكامل، وتعتمد على محاضرات ولقاءات مع علماء من الرابطة المحمدية للعلماء، إلى جانب مدانين سابقين في ملفات مماثلة، قاموا بإجراء مراجعات فكرية وسلوكية.
ومنذ العام 2002، نجح المغرب في تفكيك أكثر من ألفي خلية متطرفة، واعتقال أكثر من 3500 شخص يحملون أفكاراً متطرفة، أو دخلوا في مسلسل التخطيط والإعداد لهجمات إرهابية.
وخارج الحدود، التحق 1662 مغربيا بالتنظيمات المتطرفة منذ اندلاع الحرب في سوريا، وفق المعطيات التي تكشف عنها الأجهزة الأمنية المغربية.