إخوان المغرب.. شظايا الداخل تعصف بـ"الشيخ والمريد"
ما زالت ارتدادات السقطة التاريخية للعدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الأخيرة تلقي بظلالها على الحزب ذي التوجه الإخواني.
وعلى وقع الخلافات الداخلية، عقد الحزب الإخواني، نهاية الأسبوع الماضي، أول مجلس وطني له بعد انتخاب عبد الإله بن كيران أميناً عاماً له خلفاً لسعد الدين العثماني الذي قاد الحزب إلى خسارة مدوية في الانتخابات الأخيرة.
وحل حزب العدالة والتنمية الإخواني بذيل الترتيب بالانتخابات المقامة في سبتمبر/أيلول الماضي، بـ 13 مقعداً برلمانياً فقط، بعد عشرة أعوام من تدبير الشأن الحُكومي.
نفسية صعبة
المجلس الوطني للحزب، المنعقد في مدينة بوزنيقة ضواحي العاصمة المغربية الرباط، أظهر جلياً الاهتزاز الكبير للحزب، والتفكك الواسع لأعضائه.
وفي كلمة له بالجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني، اعترف بن كيران بالوضع السيئ للحزب.
ووصف بن كيران الأوضاع النفسية لأعضاء حزب العدالة والتنمية بـ"السيئة"، مُرجعاً ذلك إلى السقطة الانتخابية الأخيرة في الانتخابات المحلية والتشريعية، التي تذيل فيها ترتيب الأحزاب.
وقال الزعيم الإخواني إن الحزب فقد الكثير من المكانة الاعتبارية التي كان يتمتع بها سابقاً لدى المغاربة، مُعترفاً بأن التنظيم الإخواني يوجد في وضع "صعب".
وأكد أن "حزب العدالة والتنمية الذي كان بالأمس ليس هو حزب العدالة والتنمية الذي يوجد اليوم"، وذلك في إشارة منه إلى التقهقر الكبير في شعبية الحزب، الذي عكسته الانتخابات الأخيرة.
انفراد
وعوض إنقاذ الحزب والدخول في حوار داخلي لتجاوز أخطاء الماضي، كما تُطالب العديد من قواعده، اختار بن كيران الانفراد والمنضوين تحت تياره بتسيير الحزب.
وأعلن بن كيران انفراده بتسيير الحزب صراحة، إذ كشف أنه لن يدخل في أي حوار أو نقاشات مع القيادات السابقة، مُعلقاً بالقول: "من يريد الاشتغال تحت قيادة عبد الإله بن كيران، فمرحبا به، ومن يرفض ويفضل التواري والانسحاب، فهو حر".
الخلافات بين قيادات الإخوان بدت واضحة للعيان من نوعية الحُضور، إذ اقتصر الأمر على أنصار بن كيران، دون معارضيه، حيث غاب الأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني، وعدد من القيادات الأخرى المعروفة بمعارضتها لبن كيران.
ومن بين من غاب عن الدورة الأخيرة للمجلس، لحسن الداودي، وعزيز الرباح، وعبد القادر عمارة، وجميعهم على موقع خلاف مع بن كيران ووسائل تدبيره للحزب، وسياسته في المرحلة الحالية.
خلافات عميقة
ويعيش الحزب الإخواني منذ سنوات على وقع خلافات داخلية عميقة، زاد من حدتها النتائج الكارثية الأخيرة، التي اعتبرها محللون بـ"نتيجة طبيعية" للتدبير الكارثي للشأن الحكومي طيلة عشرة أعوام.
الخلافات وصلت إلى درجة تقديم العديد من القيادات البارزة لاستقالاتها، أو حتى اعتزالها العمل السياسي بالكامل، كما فعل المصطفى الرميد، أحد قيادات الصف الأول في التنظيم.
بالموازاة مع ذلك، شهد الحزب في الآونة الأخيرة، موجة هجرة جماعية نحو أحزاب أخرى تُعتبر "خُصوماً" سياسية وأيديولوجية للتنظيم السياسي، بسبب ما وصفوه بـ"سياسات الإقصاء" داخل التنظيم.
ومُقابل التضييق على الطاقات الشابة، تنهج قيادات التنظيم الإخواني سياسة الدفع بشباب "تابعين" لتأثيث المشهد التنظيمي، مُقابل إقصاء أشخاص عُرفوا بحسهم النقدي.
وفي هذا الصدد، يستعرض مصدر لـ"العين الإخبارية"، مجموعة من الأمثلة لشباب قرروا الانسحاب من التنظيم، والالتحاق بأحزاب أخرى تمنح مساحات نشاط أكبر، بعدما تم التضييق عليهم داخل التنظيم الإخواني.
ويُعلق المصدر قائلا: "الكثير من الأسماء كانت تتعرض للتضييق والقمع من طرف القيادات، سواء من بن كيران أو سعد الدين العثماني، أو من يدور في فلكهما.
هذا التضييق، دفع بهم إلى الالتحاق بأحزاب مُنافسة، ليسطع نجمهم ويتقلدوا مناصب تدبيرية مهمة، سواء داخل هذه الأحزاب أو حتى في المجالس المُنتخبة، ما يعني أن المُشكل في الحزب لا في شبابه.
وأرجع المصدر ذلك إلى سياسات الإقصاء التي تمارس في حق الأشخاص ذوي الحس النقدي، وأصحاب المبادرات التجديدية، سواء على المستوى التنظيمي الداخلي أو حتى السياسي.
الشيخ والمريد
ما يجري في حزب العدالة والتنمية المغربي أمر طبيعي، بالنظر إلى الأيديولوجية التي تُبنى عليها أمثال هذه التنظيمات، وفق الأكاديمي المغربي حسن بوان.
بلوان، أكد لـ"العين الإخبارية"، أن "المشكل الأساسي الآن داخل هذا التنظيم يكمن في أن شيوخ الحزب وقادته يعتبرون أنفسهم المرجع الوحيد داخل الحزب، وأن القواعد مجرد تابعين يجب أن يلتزموا بتعليماتهم وتوجيهاتهم".
فعقلية الشيخ والمريد، يوضح بلوان، تزيد من الهوة بين القيادة والقاعدة، وهو الشيء الذي أنتج لنا هذه الموجة من الاستقالات، سواء داخل حزب العدالة والتنمية، أو أمثاله من التنظيمات ذات المرجعيات الإخوانية.
وبالتالي، يخلص الخبير، إلى أن القيادات التي يعود فكرها وممارستها للعمل السياسي إلى عقود خلت، لديها نظرو مغايرة للشؤون السياسية والممارسة الميدانية مقارنة مع القواعد.
وأضاف أنه بغض النظر عن كُل هذا، إلا أن المبدأ في حد ذاته يضرب ما يسمى في الأعراف السياسية بـ"الديمقراطية الداخلية".
وتابع متسائلا: "إذا ما معنى أن ينتمي شخص لحزب أو تنظيم، ويجد نفسه منفذاً فقط لأوامر وتوجيهات القيادة، دون حتى استشارته فيها؟"
ولفت المتحدث إلى أنه على مستوى القيادات نفسها توجد خلافات، مرجعاً ذلك إلى وجود مجموعة من المصالح الشخصية والذاتية، ما يدفع بعض هؤلاء إلى الانفراد بالقيادة وإحاطتهم بمن يتماهون وقراراتهم وتوجهاتهم بعيداً عن النقد والنقاش.
aXA6IDE4LjIyMy4xOTUuMTI3IA== جزيرة ام اند امز