صناع القرار في الدوحة مستمرون في الرهان على المغرب كبيئة حاضنة للتنظيم الإخواني في أفق محاولة التمكين السياسي للجماعة في المملكة.
رغم أن المغرب ظل، تاريخيا، وفيا لمنطق الحياد في تعاطيه مع الأزمات التي تضرب منطقة المشرق العربي، باستثناء التزامه المبدئي بالقضايا العربية المشتركة وخصوصا القضية الفلسطينية، إلا أن ما أصبح يميز الظرفية الأخيرة هو مجموعة من التقاطبات التي تعرفها الساحة المغربية، من خلال موجة الاصطفافات السياسية إلى جانب أطراف الأزمة القطرية الأخيرة، بين قطر والدول العربية الأخرى ممثلة في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين.
يبدو أن قطر، ورغم سياسة المهادنة، بسبب سياقات الأزمة الخليجية الأخيرة، لا تزال تقدم دعما سخيا للتنظيم الإخواني في المغرب، مما يوحي باستمرار الأجندة القطرية في المملكة، رغم مرحلة الكمون والمهادنة التي ميزت تعامل النظام القطري مع نظيره المغربي
ويبدو أن انتقال الارتدادات السياسية لهذه الأزمة مرده، بالأساس، إلى تماهي الأطروحة الإخوانية في المغرب مع الطرح السياسي القطري، وهو ما دفع بالتنظيمات السياسية والدعوية التي تدور في فلك "المجتمع الإخواني" إلى تبني تكتيك المواجهة المعلنة ضد كل من المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر، في تماهي مع توجيهات نظام الدوحة في قطر.
في هذا السياق، فإننا كمغاربة أولا وأخيرا، حاولنا أن ننظر إلى هذه التجاذبات من منطق المصلحة الوطنية أولا وأخيرا، كمحدد استراتيجي للتحالفات السياسية أو التعبيرات الدبلوماسية، خصوصا فيما يتعلق بمواقف هذه الدول من القضايا المصيرية للمملكة المغربية وكذا الأجندات التي تحرك أطراف الأزمة في المغرب.
على هذا المستوى، ظلت سياسة المملكة العربية السعودية والإمارات تجاه المغرب تخضع لمنطق ثابت ينضبط للتوجه الرسمي للمملكة المغربية، خصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية ووحدة النظام الملكي وأمنه القومي، بالإضافة إلى بصمات واضحة على المستوى الاقتصادي من خلال دعم مجموعة من المشاريع الاقتصادية في المغرب والتي اهتمت بالأساس بالبنية التحتية، والمشاريع ذات البعد الإنساني والخيري. إلى جانب ذلك، شكلت السعودية والإمارات مركز اتكاء وارتكاز سياسي للمملكة المغربية من خلال تبنيهما ودفاعهما اللامشروط عن اختيارات صانع القرار السياسي المغربي.
على الجانب الآخر، عرفت العلاقات المغربية-القطرية موجات مد وجزر، متأثرة في ذلك بالتعبيرات السياسية المقلقة للنظام القطري، حيث قطع المغرب علاقاته مع الدوحة بعد انقلاب حمد بن خليفة على والده سنة 1995م، وتابع بشكل متوجه مسلسل انخراط قطر في تبني استراتيجية بعيدة الأمد، حاولت من خلالها الانضباط لسياسة إعلامية فعالة، وأسهمت في توجيه السلوك السياسي والاحتجاجي لملايين العرب في اتجاه الانتفاض على الأنظمة في أفق تأسيس كيانات تابعة أيديولوجيا لتنظيم الإخوان المسلمين وسياسيا للدوحة.
على هذا المستوى، لا يمكن إغفال الدور القطري "الخبيث" في مجموعة من الملفات الساخنة في المغرب، وعلى رأسها أحداث سيدي إيفني (2008) عندما توجهت قناة "الجزيرة" إلى تبني تغطية للأحداث يطغى عليها الطابع التحريضي، من خلال عناوين "مستفزة" من قبيل "إنجليزية تروي شهادات التعذيب في سيدي إيفني المغربية"، و"دعوى بالمغرب لطي ملف سيدي إيفني"، هذا بالإضافة إلى محاولات لخلق حالة من الارتباك في المغرب بعد أحداث ما اصطلح عليه بالربيع العربي سنة 2011م، الذي سخرت من خلاله الدوحة منصتها الإعلامية لتأجيج الأوضاع ودفعها نحو حافة التأزم، في أفق خلق الشروط الموضوعية لتغيير بنية الحكم والتمكين للتيار الإخواني، وهو ما نجحت فيه الجزيرة عندما أسهمت آلتها الإعلامية في توجيه التعبير السياسي للمغاربة في اتجاه التصويت لحزب العدالة والتنمية الإخواني ودفعه نحو الصدارة الانتخابية في مناسبتين متتاليتين.
وفي سياق آخر، أسهمت قطر عبر قناة الجزيرة في توفير تغطية إعلامية واسعة لخرجات لقيادات جبهة البوليساريو الانفصالية، تحت المصوغات الكلاسيكية "للرأي والرأي الآخر"، حيث تكالبت الجزيرة بتنسيق مع سليلتها الأخرى "الحوار" في توفير منابر إعلامية للتنظيم الانفصالي، بالإضافة إلى استعمالها "المتعمد" لعبارة "الصحراء الغربية".
وعلى إثر هذه الاستهدافات المتتالية لنظام الدوحة، سبق للمغرب أن بادر سنة 2010م، إلى إغلاق مكتب القناة بعدما استشعر خطورة المؤامرة التي تحاك ضد أمنه القومي من طرف النظام القطري. وقد عبر المغرب آنذاك عن اتخاذه لهذا القرار بسبب ما وصفه بالمعالجة الإعلامية غير المسؤولة التي نجم عنها إضرار كبير بمصالح البلاد العليا ووحدة أراضيها وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، بالإضافة إلى تناول "الجزيرة" المشبوه لقضية المعتقلين على خلفية قضايا الإرهاب في المغرب.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن قطر غيرت من سياستها الاستفزازية اتجاه المغرب، فإننا نقطع بأن هذا التوجه إنما فرضته إكراهات وسياقات واقع المقاطعة المفروضة على قطر، ومحاولة نظام الحمدين تجنب "العزلة" السياسية في علاقته مع باقي الدول العربية والإسلامية. ولعل تعيين أحمد الريسوني، مؤخراً، على رأس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، ينم عن توجه صناع القرار السياسي في الدوحة للاستمرار في الرهان على المغرب كبيئة حاضنة للتنظيم الإخواني في أفق محاولة التمكين السياسي للجماعة في المملكة.
إجمالا يمكن القول بأن الإمارات والسعودية لم يشكلا، تاريخيا، أي تهديد للأمن القومي المغربي، ولم تكن لهما أجندة خاصة في المملكة، سوى الانضباط للالتزامات التي قطعتها هذه الدول اتجاه المغرب، بالإضافة إلى مبادرات مسترسلة تقودها سفارة الإمارات في الرباط والتي تنضبط للاستراتيجية التنموية التي يتبناها المغرب.
على الجانب الآخر، يبدو أن قطر، ورغم سياسة المهادنة، بسبب سياقات الأزمة الخليجية الأخيرة، لا تزال تقدم دعما سخيا للتنظيم الإخواني في المغرب مما يوحي باستمرار الأجندة القطرية في المملكة، رغم مرحلة الكمون والمهادنة التي ميزت تعامل النظام القطري مع نظيره المغربي بحكم البيئة الاستراتيجية المضطربة في منطقة الخليج، وهو المعطى الذي يفرض على صانع القرار المغربي التعاطي بكثير من الحذر مع الطموحات القطرية في المملكة، والتي يبدو أنها ما زالت خيارا استراتيجيا ثابتا لنظام الدوحة في ظل تحكم التيار الإخواني في مفاصل الدولة القطرية ومنظومة صناعة القرار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة