تخضير الاقتصاد يبدأ من الطاقة.. المغرب نموذجا
منذ أول اتفاق عالمي بشأن المناخ في باريس COP21، وعزم المغرب على أن تخضير الاقتصاد، وكانت البداية من ملف الطاقة.
فتغير المناخ من أكبر التحديات التي يواجهها المغرب، نتيجة توالي سنوات الجفاف وندرة المياه وحرائق الغابات.
كما تواجه المملكة المغربية الاضطرابات الموسمية وشح الأمطار والفيضانات، مما يؤثر سلبا على جل المجالات السوسيو- اقتصادية.
ومن بين الأخطار التي باتت تهدد كوكبنا هو التنامي المتسارع في استهلاك الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة والنقل والصناعة والاستهلاك وما ينتج عنها من مخلفات ضارة بالبيئة الجوية والتربة والمياه تعتبر جميعها من الأمور المخلة بتوازن الأنظمة البيئية.
ومن أجل التخفيف والتكيف مع آثار التغيرات المناخية انخرط المغرب خلال السنوات الأخيرة في استراتيجية للطاقات البديلة، وكله عزم على أن ينتقل من بلد يستورد كل احتياجاته من النفط والغاز إلى منتج كبير للطاقة المتجددة، مما جعل السياسة المغربية في المجال الطاقي محط إعجاب العديد من الدول والمنظمات الدولية، التي أجمعت على كونها أضحت مرجعا دوليا ونموذجا يحتذى.
خيار سياسي إرادي
وفي هذا الصدد، أكد مسؤول عن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بالمغرب، لـ"العين الإخبارية"، أن تحقيق الأمن الطاقي بالمغرب خيار سياسي إرادي تم اتخاذه طبقا لتوجيهات الملك محمد السادس، منذ أكثر من عقد من الزمن، وذلك من خلال استراتيجية طاقية طموحة، ترتكز أساسا على تطوير الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية وتعزيز التكامل الإقليمي، مرفقة بالابتكار الملائم والمكون المحلي القوي.
وأضاف المسؤول، أن المغرب رفع بشكل مطرد من الهدف المسطر لتطوير الطاقات المتجددة منذ سنة 2018، حيث أعطى الملك، تعليماته ليتجاوز الهدف الذي أعلنته المملكة المغربية خلال COP21 وذلك من خلال رفع حصة الطاقات المتجددة إلى أكثر من 52 بالمئة في القدرة الكهربائية المنشأة من مصادر الطاقات المتجدد بحلول عام 2030.
وقال المتحدث، إن هذه الرؤية بدأت تؤتي ثمارها بالفعل، حيث هناك اليوم قدرة إجمالية مركبة تزيد عن 4.1 جيجاوات في الخدمة بالفعل، وقد تمت برمجة سعة إضافية تبلغ حوالي 6.5 جيجاوات من الطاقات المتجددة، في إطار المخطط الوطني للتجهيز الكهربائي 2023-2027 (في طور المصادقة).
وخلال العامين الماضيين، تم تشغيل سعة إضافية تبلغ حوالي 203 ميغاواط، وقد رخصت هذه الوزارة بقدرة تزيد عن 1000 ميغاواط، وهكذا، تمت زيادة نصيب الطاقات المتجددة إلى حوالي 38.3 بالمئة وانخفض اعتمادنا على الطاقة على الواردات من 97.5 بالمئة في عام 2009 إلى 90.5 بالمئة.
وعلى مدى العقدين الماضيين، يضيف، لم يتردد المغرب في الاستثمار بكثافة في الطاقات المتجددة، بهدف زيادة حصة الطاقات المتجددة لتتجاوز 52 بالمئة من إجمالي الطاقة الكهربائية المركبة بحلول عام 2030.
ويتطلب تحقيق الأهداف المتوقعة تحسين حوكمة قطاع الطاقة. وتتوافق المبادئ المعتمدة للإصلاح المؤسساتي مع توصيات النموذج التنموي الجديد، والهدف المتمثل في وضع هيكل مؤسسي جديد حول منظم قوي ومستقل وشفاف للقطاع بأكمله، مما سيساعد على خفض تكاليف الطاقة، وفق تعبيره.
ومن أجل دعم التحديات الحالية لقطاع الطاقة على المستوى العالمي، أشار المسؤول بقطاع الانتقال الطاقي، أن الوزارة أطلقت عملية تحديث الاستراتيجية الوطنية للطاقة، بالتعاون مع مختلف الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص.
الهيدروجين الأخضر
وتجدر الإشارة إلى أنه في إطار اجتماع المتابعة الدورية للملك محمد السادس للأهداف الاستراتيجية التي وضعتها المملكة لنفسها في مجال تطوير الطاقات المتجددة، أعطى تعليماته للإسراع بإنجاز مشاريع الطاقة المتجددة، لا سيما مشاريع الطاقة الشمسية وتطوير "عرض المغرب" المحفز في مجال الهيدروجين الأخضر.
بالنسبة لمجمع نور ميدلت للطاقة الشمسية، يؤكد محاورنا، أنه يعد هذا أحد المشاريع الكبرى المقررة كجزء من مخطط التجهيز الكهربائي لتحقيق أهداف الطاقة المتجددة. ومن المقرر تنفيذ مشروع نور ميدلت 1 الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 800 ميجاوات تقريبا في عام 2026. أما بالنسبة لمشروع نور ميدلت 2 بقدرة 300 ميغاوات، فسيتم تنفيذه على مرحلتين (200 ميغاوات في عام 2026 و100 ميغاوات في عام 2027).
إطلاق مبادرات وبرامج جديدة
وفيما يتعلق بتطوير الهيدروجين الأخضر، يجري العمل على تطوير "عرض المغرب"، الذي يغطي كامل سلسلة القيمة لهذا القطاع في المغرب، الذي ينبغي أن يشمل، بالإضافة إلى الإطار التنظيمي والمؤسساتي، مخططا رئيسيا للبنية التحتية اللازمة.
وبهدف تسريع وتيرة تطوير الطاقة المتجددة، أكد مسؤول الوزارة أنه تم إطلاق برامج ومبادرات جديدة:
أولا: إزالة الكربون:
- تم التوقيع على اتفاقية إطارية من قبل الجهات المعنية تهدف إلى تزويد المناطق الصناعية بطاقة كهربائية نظيفة وتنافسية وتحسين القدرة التنافسية للقطاع الصناعي وتعزيز جاذبيته.
- تم الترخيص بالفعل لمشروعين بقدرة 150 ميغاواط لتزويد بعض الفاعلين في المناطق الصناعية بالقنيطرة (منطقة الغرب) وطنجة (شمال البلاد)، وهناك مشاريع أخرى قيد الدراسة لتزويد مناطق صناعية أخرى تقع في طنجة والدار البيضاء.
- تم منح الإذن لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لإنجاز مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية بسعة 320 ميغاوات، بهدف تقليل بصمتها الكربونية. بالإضافة إلى ذلك، تم منح قدرة أكثر من 15 ميغاوات للعديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية، من أجل تشجيعها على التحكم في استهلاكها للكهرباء وتقليل انبعاثات الكربون.
ثانيا: برنامج نور PV II:
تم الترخيص للمرحلة الأولى من برنامج نور PV II بسعة إجمالية تبلغ 333 ميغاوات لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية المنتشرة على 7 مواقع، مع تكامل صناعي قوي وخلق فرص عمل محلية.
ثالثا: إمداد محطات تحلية المياه بوحدات إنتاج الطاقة المتجددة
- أول محطة مرخص لها في جهة الداخلة لري الأراضي الزراعية وتزويد مدينة الداخلة بمياه الشرب. بالإضافة إلى إطلاق طلبات لإبداء الاهتمام بإنشاء محطة لتحلية مياه البحر في منطقة الدار البيضاء-سطات، ويتم أيضًا برمجة مشاريع تحلية أخرى سيتم تزويدها بالطاقة من مصادر الطاقة المتجددة.
تم تنفيذ سلسلة من الإصلاحات التشريعية والتنظيمية بهدف تحسين مناخ الأعمال، وزيادة تعزيز الشفافية، وتسهيل الوصول إلى المعلومات المتعلقة بفرص الاستثمار، وتحسين إجراءات التراخيص، وتسريع ظهور منظومة وطنية لتقنيات الطاقات المتجددة، وهي تشمل القانون رقم 40-19 الذي يعدل ويكمل القانون رقم 13-09 بشأن الطاقات المتجددة والقانون رقم 82-21 الذي تم نشره في فبراير 2023. وسيمكن هذان القانونان، على وجه الخصوص، من تطوير الإنتاج اللامركزي فوق التراب الوطني والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للجهات.
من جهته أكد عبد الوافي سعيد، أمين مال " الإئتلاف المغربي للتثمين الطاقي" أن "المغرب قد قطع أشواطا جد هامة في مسار النجاعة الطاقية وكذا تبني استراتيجية محكمة وواضحة المعالم في ما يخص الانتقال السريع من الطاقات الأحفورية الكلاسيكية إلى الطاقات النظيفة".
محطات الطاقة.. مسار الانتقال الطاقي والنجاعة
وأضاف الخبير في مجال التثمين الطاقي، أن مشاريع الطاقة الشمسية وعلى رأسها المشروع القاري والعالمي الضخم نور بمدينة ورززات ومحطات الطاقة الريحية بكل من طرفاية والداخلة (جنوب البلاد) و طنجة (شمال اللبلاد) وتازة (شرق البلاد) وميدلت (الأطلس) وأخنفير ومناطق أخرى بمختلف الجهات ال 12 للمملكة، شكلت الأساس المرجعي لمسار الانتقال الطاقي و النجاعة الطاقية، التي جعلت بلدنا يتبوأ مكانة جد مرموقة على المستويين الأفريقي والدولي.
واسترسل الخبير ذاته " إن المملكة المغربية" أصبحت أهم وجهة للدول المهتمة بما أصبح يصطلح عليه بالنفط النظيف أو الهيدروجين الأخضر، وما الاختراع العالمي العلمي الأخير والمتمثل في السيارة الهيدروجينية المغربية 100 في المائة، التي تم اختراعها من طرف كفاءتين علميتين مغربيتين، هما الشابان نسيم بلخياط وفوزي نجاح، إلا دليل قاطع على الريادة الطاقية والعلمية المغربية في هذا المجال.
كما اعتبر سعيد أن أحد أهم عناصر تطوير الاستراتيجية الطاقية للمملكة المغربية تتمثل بالأساس في ضرورة انخراط الفاعل المالي، وأخص هنا بالذكر المؤسسات البنكية، خاصة في الشق المتعلق بدعم وتمويل الاستثمارات في جميع المشاريع الطاقية، ما يعني انخراطها (المؤسسات البنكية) فعليا وإجرائيا في العملية التنموية في بعدها الشمولي الوطني، خاصة فيما يتعلق بدعم الشركات والمؤسسات المختصة والرائدة في ميدان تدبير النفايات هذه الأخيرة التي تعتبر أحد أهم مصادر إنتاج الطاقات النظيفة من خلال عملية التثمين الطاقي التي تتطلب تمويلات ضخمة ودراسات علمية وتقنية جد دقيقة.
وعلى مستوى التشريعات أكد المتحدث أن المملكة المغربية من الدول السباقة على مستوى وضع إطار دستوري وتشريعي يؤطر الشأن الطاقي والبيئي بشكل ينسجم والتوجهات العالمية والأممية، خاصة في الجانب المرتبط بالتنمية المستدامة وكذلك حماية المنظومة البيئية.