الشاي الصحراوي في "العيون" المغربية.. رفيق الجلسات وأنيس الأحاديث
جلست على الأرض في زاوية بخيمة صحراوية تقليدية، لملمت ملحفتها الفضفاضة، وشمرت عن ساعديها قبل أن تمدهما نحو إبريق صغير أمامها.
رفعت الغطاء عن الإبريق وملأته ماء ساخنا من إبريق أكبر كان على الموقد مُنذ زمن، إلى أن صار يهتز من غليان الماء فيه.
بخطوات دقيقة ومراحل مضبوطة تُعد أنكالي فاطمتو، بنت مدينة العُيون بالأقاليم الصحراوية في المملكة المغربية، الشاي أو "أتاي" كما يُسمى بلهجة أهل المنطقة، وهو مشروب له مكانته الخاصة، لا تحلو الجلسات إلا بوجوده، ولا يكتمل حُسن الضيافة إلا بتقديمه.
قوام الجلسة
يعتبر المُجتمع الصحراوي جلسات الشاي من الأساسيات الصحراوية، إذ لا تخلو جلسات الأسر من الشاي، وأحياناً تُعقد لشُربه جلسات خاصة.
ويستغرق إعداده وقتاً قد يُناهز نصف الساعة، ليُصب في آخر المطاف في كؤوس صغيرة جداً، ثلاثة أرباعها رغوة بيضاء اللون، أما سائل الشاي فلا يحتل سوى رُبع الكأس السُفلي. بحسب فاطمتو، المُكلفة بإعداد الشاي الصحراوي في أحد فنادق مدينة العُيون بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.
تكشف فاطمتو لـ"العين الإخبارية"، وهي تصب الشاي من كأس لآخر، أن تقاليد شُرب الشاي لا تزال راسخة في المُجتمع الصحراوي بأجياله القديمة أو الجديدة على حد سواء، قبل أن تُعلق وهي تُعيد الإبريق إلى النار: لا يخلو منزل صحراوي من الشاي، فوجوده مسألة ضرورية، وتقديمه للضُيوف من أساس حسن الاستقبال.
تُعدل جلستها، ثُم تُعيد ترتيب الكؤوس الصغيرة الموضوعة على صينية معدنية تحملها رجل كبيرة، لتقول وعينها على إبريقها الذي يغلي على نار متقدة: "حينما يزور الضيف المنزل الصحراوي، نُقدم له الزريك، وهو حليب مغلوط بالياغورت، كما نستقبله أيضاً بالشاي المُعد بالعلك".
وتوضح أن العلك، هو مادة شفافة لا طعم لها، تُستخرج من شجرة تُدعى "الطلح"، ويُستعمل في الشاي ليُعطيه كثافة خاصة، وحجم رغوة أكبر.
جلسة الشاي قد تطول لساعات، ولهذا، توضح فاطمتو، أن الأصول لدى الصحراويين تقديم ثلاثة أباريق مُتتالية من الشاي للضُيوف، وعدم الاكتفاء بواحد.
جيمات ثلاث
ولمكانة الشاي العظيمة عند الصحراويين. وضعوا لشُربه عدة قواعد، أجملوها في ثلاث كلمات، تبدأ كُل واحدة بحرف الجيم، ثُم أطلقوا عليها اسم "الجيمات الثلاث".
فأول هذه القواعد، هي "الجر"، والتي يُقصد بها في اللهجة الحسانية، لسان أهل الصحراء المغربية، طول مُدة إعداد الشاي، حتى تتفاعل مُكونات الشاي مع الماء، وتُنتقع فيه بشكل جيد، والنتيجة في الأخير، سائل داكن اللون، بمذاق فريد.
طول المُدة تزيد منه النار المتقدة التي يوضع فوقها الإبريق، إذ تُشدد القاعدة الثانية، من خلال اسمها، على ضرورة إعداده فوق "الجمر"، وهو الفحم الذي خفتت ناره فصار قريباً من الرماد.
أما ثالث القواعد، فهي "الجماعة"، والتي لا يرى الصحراويون فائدة للشاي من دونها، إذ إن التجمعات سواء كانت عائلية أو بين الأصدقاء، نساء ورجالاً، أياً كانت المُناسبات، تبقى لحظات بدون طعم إذا غابت عنها كؤوس الشاي الصغيرة.
خُطوات دقيقة
وتوضح فاطمتو لـ"العين الإخبارية" مراحل إعداد الشاي الصحراوي، والتي تبدأ بغلي الماء الذي يُفضل أن يكون "ماء الغدير"، أي ماء المطر.
ثُم يضع "التياي" وهو الشخص المُكلف بإعداد الشاي، شُعيرات الشاي في الإبريق، ويُفرغ عليه مقدار كأس من الماء المغلي، ويُترك دون تحريك.
بعد خمس دقائق يُصب السائل المُتحصل عليه في كأس، والذي يُسمى الدمعة. ثُم يُصب الماء المغلي مرة أخرى في الإبريق الذي لا تزال فيه شُعيرات الشاي، ثُم يحرك جيداً، ليُصب في كأس جانبي بغرض رميه.
في أعقاب ذلك، يُصب الماء إلى أن يملأ الإبريق، ويوضع على الفحم حتى يغلي جيداً، ثُم يُضاف إليه السُكر. وفي انتظار ذلك، يُصب السائل الأول "الدمعة" بين الكُؤوس للحصول على الرغوة الوثيرة.
تقول التقاليد الصحراوية، إن الشاي يُشرب في ثلاثة أباريق، فبعد انتهاء الأول، يُحتفظ بشُعيرات الشاي داخله، ثُم يُضاف عليه الماء ويُعد الثاني، ثُم الثالث.
وتُمنح لكُل واحد من الأباريق الثلاث تسمية خاصة، فالأول يُسمى "القاصح"، نظراً للتركيز العالي للشاي فيه. أما الثاني فيُطلقون عليه "المُتوسط"، وذلك لاعتدال تركيزه، فأما الأخير فيُسمى بـ"الحلو"، لأن مذاق السُكر فيه يكون أعلى من مذاق الشاي.
aXA6IDMuMTUuMjM5LjUwIA== جزيرة ام اند امز