جدل خروج موسى من مصر.. هل هي محاولة لفصل الدين عن التاريخ؟ (خاص)
"نؤمن بما جاء في الكتب المقدسة.. لكن لم نعثر على دليل علمي في الآثار يؤكده".. كانت هذه هي خلاصة ما ذهب إليه بعض الرموز الفكرية والثقافية في تفسير مثير للجدل أطلقوه مؤخرا حول حقيقة خروج سيدنا موسى من مصر،
ورغم أن هذا الجدل ليس بجديد، وتم إثارته قبل ذلك على فترات متباعدة، لعل أقربها مع صدور كتاب "بنو إسرائيل وموسى لم يخرجوا من مصر" للمفكر العراقي فاضل الربيعي.
إلا أن التصريح الأخير أخذ هذه المره زخما كبيرا بعد تصدره قبل أيام، لأنه جاء على لسان وزير الآثار المصري الأسبق الدكتور زاهي حواس، لما له من ثقل عالمي في مجال علم المصريات.
وقدم الربيعي في كتابه "أدلة جغرافية"، على ما يعتقد أنه يؤيد رأيه بأن سيدنا موسى وبنو إسرائيل لم يخرجوا من مصر، مبينا أن الخريطة الحقيقية المنطبقة على وصف خط سير بني إسرائيل في رحلتهم المقدسّة، هي في اليمن، وليس مصر، وهو بذلك يرى أنه وضع رأيا قاطعا، لا يحتمل النقاش أو الجدال من وجهة نظره.
حواس والبحث عن الدليل
ويختلف ما ذهب إليه حواس عن هذا الطرح الذي قدمه الربيعي، فهو لم يضع رأيا قاطعا ينفي خروج سيدنا موسى من مصر، لكنه قال إنه لا يوجد في الآثار المصرية ما يوثق لرحلة الخروج.
وقدم حواس تلك الرؤية في تصريحات تلفزيونية، وهو ما تم تفسيره على أنه إنكار لحقيقة خروج موسى من مصر، غير أنه عاد وأكد في تصريحات خاصة مع بوابة "العين الإخبارية"، أنه لم يعن ذلك على الإطلاق.
وقال: "أنا مسلم وأؤمن بما جاء في القرآن، ولا يمكن أن ينطق لساني بتكذيب ما ذكره الله به".
وأضاف: "موسى ولد في مصر وخرج منها، فهذه حقيقة قرآنية لا يمكن لأي أحد إنكارها، وكل ما قلته، إنه لا يوجد عندنا في الآثار دليل يشير لذلك، وهذا أمر منطقي".
وتابع: "في المعتقدات المصرية القديمة، فإن الفرعون حتى يكون إلهاً، فلا بد له أن يهزم الأعداء، ويتم تسجيل هذه الهزيمة في البرديات والجدران وفي كل مكان، وفي حالة موسى، لم نعثر على أي دليل يشير إلى تلك الحادثة لأن فرعون سقط وهزم".
ولم يغلق حواس باب الأمل في العثور على هذا الدليل، وقال: "قد نجده مستقبلاً، فما اكتشفناه من آثار مصر لا يتعدى نسبة الـ30 %، ولا تزال هناك 70% غير مكتشفة".
الفصل بين العلم والدين
وأيد الدكتور وسيم السيسي، الخبير في تاريخ مصر القديمة، الدكتور زاهي حواس، في موقفه، مؤكدا في تصريحات تلفزيونية أن الأخير لم ينكر ما جاء في الكتب المقدسة، بل أكد على أهمية فرضية البحث العلمي والدقة في استنتاجاته.
وزاد على ما قاله حواس بالحديث عن قصة شق سيدنا موسى البحر الأحمر، وقال إنه لا يوجد في علم التاريخ ما يؤديها.
وقال في تصريحات خاصة لـ"بوابة العين الإخبارية"، إنه "عندما يقول ذلك، فلا يعني ذلك أنه ينكرها، لكنه يؤكد بهذا المثال على ضرورة فصل علم التاريخ عن الدين".
وأضاف: " الدين غيبيات وإيمان وتسليم، أما العلم فهو شك وتجريب وأدلة، وطالما أنه لا يوجد دليل مادي على شيء، فمن حقي أن أنكره، حتى يتوفر هذا الدليل".
هذا الفصل بين الدين والتاريخ، دعى له الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر لكن من وجهة نظر أخرى، وهي مطالبة العلماء بالتحدث بدقة وموضوعية وتجنب الإسهاب في المسائل الدينية، التي قد تؤدي إلى فتنة وانقسام في المجتمع.
الشماع.. لا مجال للدليل العلمي بعد القرآن
وحذر خبراء آخرون من هذا التوجه الذي ينادي بفصل الدين عن علم التاريخ، وقال المؤرخ وكاتب علم المصريات بسام الشماع في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "عندما يذكر القرآن الكريم قصة خروج موسى وواقعة شق البحر له، فلا مجال هنا للحديث عن الأدلة، لأنه لا يوجد دليل يمكن تصديقه والوثوق به بعد كلام الله".
وتساءل: "وماذا لو قادنا البحث عن بردية تنفي خروج موسى، هل بهذا المنطق سنصدق البردية، ونكذب ما جاء في كتاب الله".
وأضاف: "الحضارة المصرية لها إنجازات عظيمة، ولكن يجب ألا يقودنا الإعجاب بها إلى إنكار بعض السلبيات، وهو أنه كان يحيط بالملك بعض الكتبه الذين ينافقونه، فهل لو وقع بين أيدينا إحدى كتابات هؤلاء المنافقون نصدقها ونكذب ما جاء بالقرآن".
وشدد كاتب علم المصريات على ضرورة التصدي بكل حزم لهذا التوجه، والذي قد يؤدي بنا في النهاية إلى خروج من يقول أن أصل الشعب المصري يهودي، لأنه "إذا تم انكار واقعة خروج موسى، فمعنى ذلك أن أجدادنا كانوا يهود".
aXA6IDMuMTYuNTEuMjM3IA==
جزيرة ام اند امز