"تعال إلى هنا".. صرخة بطل أفغاني أنقذ العشرات في مجزرة مسجدي نيوزيلندا
عبدالعزيز خادم مسجد لينوود لم يلتفت إلى صرخات صغيريه له بالعودة وتوجه إلى القاتل محاولا تشتيته حتى لا يعود بسلاح جديد ويسقط قتلى جددا
حين يعلو صوت الرصاص تتبدل المواقف، وتتبخر بعض الشجاعة، إلا أن عبد العزيز ذا الأصول الأفغانية خادم مسجد لينوود في نيوزيلندا، كان على موعد مع بطولة من نوع خاص أنقذت العشرات، وأجبرت منفذ مجزرة المسجدين على الفرار.
أمسك الإرهابي الأسترالي، ويدعى برينتون تارانت بسلاحه الرشاش، الجمعة الماضية، وأفرغ رصاصه في صدور المصلين الآمنين الذين كانوا في طريقه إلى مسجدي النور أولا ثم لينوود ثانياً.
- بعد تصريحاته المسيئة حول حادث نيوزيلندا.. رشق برلماني أسترالي بالبيض
- "فيسبوك" تحذف 1.5 مليون فيديو للهجوم على المسجدين بنيوزيلندا
ففي مسجد النور بالمدينة النيوزيلندية كان الفصل الأول من المجزرة، حيث سقط 41 قتيلا إضافة إلى عشرات المصابين، ثم تحرك الإرهابي برينتون بسيارته إلى مسجد لينوود على بعد 5 كيلومترات ليقتل 8 آخرين ويتوفى شخص لاحقاً متأثراً بجراحه، ليصل إجمالي الضحايا إلى 50 شخصاً.
وخلال توجه القاتل إلى المسجد الواقع في مدينة كرايستشيرش، انشقت الأرض عن عبدالعزيز (48 عاماً) ليواجه الإرهابي المسلح بماكينة بطاقات ائتمانية، صارخا فيه: "تعالى إلى هنا".
ترك الخمسيني الأفغاني أبناءه وعشرات المصلين داخل مسجد لينوود، ليسارع إلى موقع المهاجم المسلح، محاولا تشتيته بماكينة الصراف التي كانت في الموقع وألقاها على القاتل الذي ذهب لسيارته محاولا الحصول على سلاح آخر، بعد أن سقط الأول منه على الأرض.
معركة الثواني المحدودة
مع عودة المسلح وإطلاقه النيران، لم يتوقف عبدالعزيز، إذ ركض ومر بين السيارات المتوقفة مما منع المسلح من التصويب بشكل واضح عليه، ثم أمسك خادم المسجد ببندقية تركها الإرهابي وضغط على الزناد، لكن الخزنة كانت فارغة.
وما بين صيحات ولديه (5 و11 سنوات) وحثهما له على العودة إلى الداخل من ناحية وركض المسلح في محاولة لأخذ سلاح آخر من ناحية أخرى، ترك خادم المسجد كل شيء خلفه ليتجه نحو سيارة القاتل، ويلقي بالبندقية الفارغة على نافذة سيارته التي تهشمت، وربما لهذا السبب شعر المسلح بالخوف وهرب.
وهنا يصف خادم المسجد لحظات معركته مع القاتل: "المسلح أخذ يوجه لي اللعنات، وصرخ سأقتلكم جميعا، لكنه قاد سيارته بعيداً، قبل أن تلقي الشرطة القبض عليه عقب فترة وجيزة".
انبطحوا أرضًا
اللطيف العلابي إمام مسجد لينوود تحدث لوكالة أسوشييتد برس عن بطولة "عبد العزيز"، مؤكداً أن عدد القتلى كان سيكون أعلى بكثير لولا وجوده.
وواصل العلابي روايته بقوله: "سمعت صوتاً خارج المسجد عند الساعة 1:55 ظهرا (بتوقيت نيوزيلندا)، فتوقفت عن الصلاة، أدركت أن هذا شيء آخر.. إنه قاتل.. صرخت في الناس انبطحوا أرضاً بعد أن خرجت إحدى الطلقات وحطمت نافذة بالمسجد".
وأضاف: "جاء هذا الأخ - في إشارة لعبد العزيز - وتمكن من التغلب على المسلح، وهذا ما أنقذنا.. إذا تمكن هذا المسلح من الدخول إلى المسجد، فلربما متنا جميعاً".
27 عاما بين أستراليا ونيوزيلندا
تعود أصول عبد العزيز لكابل في أفغانستان، حيث غادر بلاده كلاجئ عندما كان فتى، وعاش قرابة 25 عاماً في أستراليا قبل أن ينتقل إلى نيوزيلندا قبل عامين.
وبعد بطولته قبل يومين، أكد شاهد عيان يدعى مظهر الدين، الذي نجا من الحادث، أنه شاهد رجل خاطر بحياته أمام مسجد لينوود للتصدي للمهاجم، قائلا: "حاول البطل المجهول مطاردة المسلح، لكنه لم يتمكن من ذلك، ثم ركض وراءه"، وفقاً لما نقلته عنه صحيفة نيوزيلند هيرالد.
وأضاف أنه لاحظ أن الإرهابي يدخل من الباب الرئيسي، حيث كان يوجد ما بين 60 إلى 70 شخصاً يصلون، مؤكداً أنه شهد موت أحد أصدقائه في الهجوم الإرهابي بعد إطلاق النار عليه في صدره ورأسه.
إحياء المجزرة
وأمام إحدى محاكم مدينة كرايستشيرش النيوزلندية مثل القاتل برينتون تارانت (28 عاماً)، السبت، حيث وجهت إليه تهمة القتل عقب الحادث الإرهابي.
وتحيي نيوزيلندا، الأحد، ذكرى ضحايا المجزرة التي وقعت في مسجدين في بلدة كرايست تشيرش، فيما كشفت قائمة بالضحايا الخمسين أن أعمارهم تتراوح بين ثلاث سنوات و77 سنة.
ومنفذ المجزرة متطرف أسترالي اسمه برينتون تارنت، شكل بيده شارة العنصريين لدى مثوله أمام محكمة وجهت إليه تهمة القتل.
ولم يبد مدرّب اللياقة البدنيّة السابق البالغ من العمر 28 عاما الذي جاهر بكونه فاشيا، أي ردّ فعل عند توجيه التهمة إليه، لكنه جمع إبهامه وسبابته في رمز يستخدمه أنصار نظرية تفوق العرق الأبيض عبر العالم.
وسيبقى قيد الاعتقال حتى جلسة مقبلة حدد موعدها في الخامس من أبريل/نيسان المقبل، فيما أعلن مفوض الشرطة مايك بوش أن رجلا آخر أوقف الجمعة سيمثل أمام القضاء الاثنين في اتهامات "على ارتباط" بالهجومين، ولو أنه لم يكن ضالعا بشكل مباشر على ما يبدو في المجزرة.
ونيوزيلندا، بلد يبلغ عدد سكانه 5 ملايين شخص، ويشكل المسلمون 1% منهم، ويشتهر بمستوى معيشي مميز ومعدل إجرام متدن وتقاليد تتسم بالحفاوة بين سكانه.
وزارت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن السبت مرتديةً غطاء للرأس أسود اللون، المدينة حيث التقت ناجين وذوي الضحايا في جامعة أقيم فيها مركز استعلام.
توافد أشخاص من كلّ القطاعات في نيوزيلندا السّبت إلى أمام الحواجز التي أقامتها الشرطة في محيط مسجد النور، حيث سقط أكبر عدد من الضحايا، للتّعبير عن احترامهم وإظهار تضامنهم ورافقت باقات الزهور رسائل مكتوبة تُعبّر عن الصّدمة والتعاطف، كتب على إحداها "آسف أنّكم لم تكونوا آمنين هنا، قلوبنا حزينة لخسارتكم".