مؤرخ عراقي للعالم: تبرعوا بالكتب لإنقاذ ثقافة بلادنا
القراءة وسيلة الشعوب للرقي.. فهل سينقذ العالم مكتبات العراق؟
في يوم من الأيام كانت المكتبة المركزية لجامعة الموصل كنزًا دفينًا للكتب النادرة المسجلة لدى اليونسكو، ولكنها أصبحت الآن مجرد قشرة سوداء مليئة بالرماد.
فبعد أقل من عام من احتلال تنظيم داعش للمدينة في صيف 2014 دمر التنظيم مبنى المكتب وأحرق كتبه، وأُجبر أستاذة الجامعة وموظفيها على الفرار، ولكن هناك رجل واحد يعيش في المنفى ولكن يكافح من أجل إبقاء المكتبة على قيد الحياة.
لأسباب أمنية لا يمكن ذكر اسم هذا "المؤرخ" الذي درس في الجامعة قبل سقوطها في أيادي داعش، وهو أيضًا صاحب مدونة "عين الموصل" التي توثق الحياة في المدينة المحتلة.
في حواره الحصري مع صحيفة "إندبندنت" البريطانية، أعرب المؤرخ عن آماله في جمع 200 ألف كتاب على الأقل يأتي أغلبها من التبرعات الدولية لإعادة بناء المكتبة المركزية للجامعة بالإضافة إلى مكتبات أخرى في أنحاء المدينة.
وصف المؤرخ الفترة التي تلت دخول داعش للموصل، قبل أن يُجبر على الفرار عندما تم عقد اجتماع لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة.
ويقول المؤرخ إن أحد الأساتذة سأل عضوا في داعش تم تعينه في الجامعة "ماذا نفعل بكتب شكسبير؟ نحتاجها لتدريس الطلاب اللغة الإنجليزية"، أجاب عضو التنظيم قائلًا "وماذا سيقدم شكسبير للمسلمين؟"
منذ تلك اللحظة أدرك المؤرخ ما ستفعله داعش، وبالفعل بعد فترة قصيرة نهب التنظيم مكتبة الجامعة، ففي 2015 قالت التقارير إنه تم تدمير أكثر من 100 ألف مخطوطة ووثيقة نادرة تمتد لقرون من التعاليم البشرية، ومن بينها ما هو مسجل في قائمة النوادر الخاصة باليونسكو.
بالنسبة للمؤرخ، فإن تدمير معرفة بلاده وثقافتها كان أمرًا "مدمرًا"، مشددًا على أن الخسارة بالنسبة لتاريخ العراق هو أمر "رهيب"، موضحًا أنه قد لا يتم استعادة المخطوطات التي توثق أكثر مراحل تاريخ الموصل الحديث أهمية، وأنه نتيجة لذلك سيكون هناك دائمًا فجوة سوداء في تاريخ الموصل والعراق.
يعتبر المؤرخ المكتبة المركزية للجامعة منزله الثاني، وأنها كانت منزلًا لثروة من المنشورات النادرة والمخطوطات الفريدة من نوعها التي لم تكن متاحة في أي مكان آخر أيضًا.
وفقًا للتقارير، فإنه خلال العامين ونصف اللذين تلوا استيلاء داعش على المدينة، تعرضت مكتبات أصغر حجمًا في الموصل للاستهداف والسلب.
يقول المؤرخ إنه بالسيطرة على المعرفة لتأكيد قبضتها على السلطة هدفت داعش لتطهير المكتبات من الأدب والمعرفة التكفيرية، موضحًا أن طلاب الموصل وأساتذتها ومواطنيها قاموا بمحاولات سرية عديدة لحفظ مخطوطات المدينة وإخفائها بعيدًا عن أيادي داعش، ولكن هناك صعوبة في تقدير العدد الذي تم إنقاذه.
في الوقت الحالي، يوجه المؤرخ أنظاره إلى المستقبل، وذلك بتوجيه دعوة عالمية للتبرع بجميع أنواع الكتب والمنشورات المتعلقة بأي موضوع وبأكبر عدد ممكن من اللغات.
يتم جمع الكتب في مدينة أربيل الآمنة نسبيًا، حيث يتم فرزها وتصنيفها وإعدادها لوقت أكثر سلامًا يمكن فيه إعادة بناء المكتبات.
يقتبس المؤرخ مقولة للكاتب الفرنسي فولتير الذي قال "دعونا نقرأ ودعونا نرقص.. فهاتان المتعتان لن تؤذيا العالم أبدًا"، موضحًا أن بهذه الطريقة سوف ينشئون مستقبل الموصل.
بدءًا بالموسيقى ومرورًا بالأدب وانتهاءً بالتاريخ والعلم؛ يرى المؤرخ أن تعليم الناس تجارب الحرية والديمقراطية حول العالم سوف تساعد في محاربة التطرف.
ويعترف المؤرخ بأن الناس لديها مخاوف أخرى، ففي الأسبوع الماضي نزح أكثر من 40 ألف مواطن وسط أعنف الاشتباكات التي تمت حتى الآن بين القوات العراقية ومحاربي داعش منذ بدء دفعة جديدة لإعادة السيطرة على المدينة.
على الرغم من الحاجة الفورية للغذاء والدواء، يعتقد المؤرخ أنه من خلال جمع الكتب الآن سيتمكن من البدء في منح الأمل لأجيال المستقبل.
ويحلم المؤرخ العراقي بألا يكتفي ببناء المكتبة المركزية للموصل فقط بعد عودته إلى المدنية، وإنما إنشاء دار للأوبرا ومدرسة للموسيقى والفنون المسرحية، ويأمل المؤرخ أن يحارب بطريقته من أجل إنقاذ ثقافة المدينة حتى مع محاربة الجنود العراقيين لتأمين مستقبلها.
بالفعل تم التبرع بحوالي 200 كتاب، ومن المتوقع أن يتم شحن المزيد من الكتب من ميناء مرسيليا الفرنسي، فقد تعهدت منظمة "التضامن والتعاون في البحر الأبيض المتوسط" بشحن كتب تزن 20 طنا في حاوية سوف تسافر من مارسيليا إلى ميناء البصرة العراقي.
قال محمد الهرمي مؤسس المنظمة، إن الشيء الوحيد الذي بإمكانه علاج شرور المجتمع هو الكتب والتعلم، موضحًا أن الكتب هي سلاح محاربة جميع سرطانات المجتمع، مضيفًا أنه لمحاربة التعصب والعنصرية ومعاداة السامية والتطرف والراديكالية ينبغي على المجتمع ممارسة القراءة.
أشار الهرمي إلى أنهم يعملون مع منظمات ومدارس عديدة في المنطقة ويمتلكون الكثير من الكتب، وبالتالي لا يوجد مشكلة، ولكن الأكثر صعوبة هو اكتشاف كيفية نقل الكتب عبر العراق.
من المقرر أن ترسل المنظمة الروايات وكتب المدارس والأطفال والتاريخ والجغرافيا باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وفقًا للصحيفة البريطانية.
aXA6IDE4LjExNy4xMi4xODEg جزيرة ام اند امز