ماذا تريد إيران من السيطرة على "الحضر" التاريخية بالموصل؟
مدينة الحضر ذات أهمية استراتيجية في طرق الحرب والتجارة والطريق إلى سوريا، وطهران أعلنت رغبتها في نقل آثارها إلى إيران
بسطت ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران ، الأربعاء، يدها على معظم مدينة الحضر التاريخية بجنوب غرب الموصل العراقية، وسط توقعات بسيطرة إيرانية على المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية والأثرية.
وتدور أهمية هذه المدينة إلى أهميتها الأثرية والتاريخية، وسط مطامع معلنة من إيران في آثارها، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي الذي يسهّل حركة القوات الموالية لإيران داخل الموصل ونحو الحدود إلى سوريا.
وفي بيان لميليشيات الحشد أعلنت سيطرتها على الحضر الأثرية بعد "معارك شرسة مع العدو".
ويأتي هذا مع إعلان قائد ميليشيات الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، الأربعاء، أن تحرير قضاء الحضر من سيطرة داعش سيخفف الضغط على الخطوط الدفاعية للقوات، ويؤمّن طريق الموصل بشمال غرب العراق.
وفي تصريحات نشرها موقع الحشد على الإنترنت قال إن "قضاء الحضر تعتبر قلعة رئيسة لتنظيم داعش الإجرامي، وإن القوات الأمنية لم تدخلها منذ 2003"، معربًا عن تفاؤله في أن "الحشد الشعبي سيحقق أهدفه في وقت قياسي وبأقل الخسائر".
وسبق أن قالت ميليشيات الحشد الشعبي في بيان "إن قوات الحشد الشعبي أطلقت عملية محمد رسول الله، التي تستهدف تحرير الحضر والمناطق المجاورة" من أيدي داعش.
وانتهى اليوم الأول (الثلاثاء) بسيطرة هذه الميليشيات على 12 قرية.
وعن مستقبل العمليات قال إنه "بعد تطويق وفرض الحصار التام على داعش في الجانب الأيمن للموصل وقضاء تلعفر أصبح للعدو ثلاث حواضن أساسية أحدها الحضر".
وقضاء الحضر "يؤثر على القطعات الأمنية المتواجدة جنوبا باتجاه بيجي، وتعتبر خط وصل للعدو بين القيروان والبعاج مع سوريا وراوة وحديثة من الجهة الغربية والجنوبية".
وتوقع أن يكون "تحرير" الحضر "إنجازا كبيرا ومهما للحشد الشعبي، وسيخفف الضغط على قطعاتنا الأمنية، ويؤمّن طريق الموصل وصينية بيجي شمال صلاح الدين".
من جهة أخرى، أكدت استخبارات الحشد الشعبي، هروب قيادات داعش الأمنية باتجاه عمق صحراء الحضر.
وسيطرة قوات الحشد الشعبي على الحضر يأتي ضمن تركيزها على منطقة جنوب غرب الموصل بهدف الوصول إلى بلدة تلعفر؛ باعتبارها بابا مفتوحا عبر مناطقها الصحراوية تسهل اقتحام هذه الميليشيات للحدود السورية.
وإلى جانب الأهمية الاستراتيجية لمدينة الحضر لقربها من الحدود مع سوريا، فإن لها أهمية أثرية تثير شهية دول وتنظيمات عدة.
فالمدينة يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وهي مركز للقبائل العربية التي هاجرت إليها من الجزيرة العربية، وأقامت بها معابد وتماثيل ومقابر.
وازدهرت الحياة الحضارية في المدينة خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، وعرفت باسم مملكة الحضر.
وعبر تاريخها كان لمدينة الحضر أهمية استراتيجية في السيطرة على الطرق المسالك البرية التجارية والعسكرية المحاذية لنهري دجلة والفرات، والتي تؤثر على حركة التجارة القادمة من الهند والجزيرة العربية إلى الأسواق الغربية.
وشهدت الحضر جولات من الحروب بين الإخمينيين الفرس وبين السلوقيين اليونانيين، وكذلك بين الفرس والرومان.
وتعرضت المدينة لتخريب متعمد على يد تنظيم داعش الإرهابي في مارس/آذار عام 2015، حين قام بتجريف المدينة؛ ما يعني تحطيم أو نهب الكثير من آثارها، دمر بعض أكبر المباني فيها بالجرافات.
وقالت وزارة السياحة والآثار العراقية حينها إن داعش دمر الموقع الأثري بالمدينة الذي يعود إلى ألفي عام، ومدرج ضمن قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي.
واعتبرت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو إيرينا بوكوفا "تدمير الحضر يمثل نقطة تحول في الاستراتيجية المروعة الحالية للتطهير الثقافي في العراق".
وجاء ذلك بعد قيام داعش بتدمير تماثيل وآثار في متحف الموصل.
وكان لافتا حينها مسارعة إيران لعرض "استضافة" الآثار العراقية المهددة.
وقال محمد حسن طالبيان، المسؤول البارز في منظمة التراث الثقافي الإيرانية وقتها إن طهران بعثت رسائل إلى اليونسكو ومسؤولين عراقيين، أعربت فيها عن استعدادها لاستضافة آثار عراقية قديمة معرضة للخطر.
وتذرعت إيران بأنها "تشعر بأنها ملزمة بحماية الآثار التاريخية العراقية"؛ كون العراق جارًا تتقاسم معه تاريخا مشتركا" بحسب ما نشرته وكالة "فارس" الإيرانية.
وأبدت بعض التقارير الإعلامية مخاوفها من أن تكون آثار مدينة الموصل قد تم نقلها إلى الخارج بطريقة سرية، خاصة وأن بعض التماثيل التي ظهر في الفيديوهات أن داعش يحطمها تبدو غير أصلية.
كما أنه مع معركة السيطرة على مدينة الحضر تأتي ضمن خطة ميليشيات الحشد الشيعي للسيطرة على بلدة تلعفر الإستراتيجية الواقعة في شمالها، وتعد الأقرب للحدود السورية.
وبذلك تستعد بلدة تلعفر لمعركة "إقليمية" حامية في إطار الصراع الإيراني التركي حول مناطق النفوذ في العراق.
ففي مطلع الأسبوع أعلن نائب رئيس ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران، أبو مهدي المهندس، أنه على أتم الاستعداد لاقتحام قضاء تلعفر، لطرد تنظيم داعش منها "رغم الحساسية التي يبديها البعض تجاهنا"، لكن "يبقى القرار للقيادة العامة للقوات المسلحة وماذا تريد في هذا الجانب".
ويشير المهندس بـ"الحساسية التي يبديها البعض" إلى الرفض التركي لتوغل ميليشيات الحشد في المناطق القريبة من الحدود مع تركيا، وخاصة تلك التي بها سكان تركمان تربطهم بتركيا روابط تاريخية.